لماذا عادت أفكار تكفير المجتمع فى لحظة الانتصار.. فى لحظة الثورة واكتشاف الشعب لروح سُرق تدريجيا فى سنوات مبارك؟ «التكفير والهجرة» تعبير عن هزيمة لا عن نصر.. لماذا عادت سيرته اليوم والثورة تنتصر؟ عندما نُشرت صورة شكرى مصطفى كانت صدمة كبيرة. لم يكن نجما من نجوم السينما أو بطلا من أبطال حرب أكتوبر التى انتهت قبل سنوات، ولا حتى رجل سياسة من الموديل الجديد الذى استبدله الرئيس السادات بالطواقم القديمة من رجال عبد الناصر. كما أنه لم يكن مجرما من نجوم صفحات الجريمة فى الصحف، أو سفاحا قاتلا أو بلطجيا أو زعيم عصابة من عصابات السرقة المسلحة. كان «بطلا» من نوع جديد. ملامحه لا تشبه النماذج السابقة. قاتل لكنه لا يشبه القتلة العاديين، وزعيم عصابة لكنها عصابة غير تقليدية. إنه أمير «جماعة المسلمين» التى أطلقت عليها الصحافة اسم «التكفير والهجرة». نشرت صورته عقب اغتيال الشيخ الذهبى، وزير الأوقاف وقتذاك، وحُكم عليه مع عدد من أعضاء التنظيم بالإعدام. «ابن موت».. هذا ما تقوله نظرة «أمير الجماعة» القادم من زمن مختبئ تحت السطح. بوهيمى لكن عكس موضة هذه الأيام من السبعينيات. ملامحه مخطوفة إلى شىء بعيد، وعلى وجهه حفرت مشاعر غربة من نوع يشبه غربة الريفيين فى المدينة أو البدو فى قلب الحضارة الحديثة. لا تعطى صورته انطباعا بالإجرام التقليدى، بل على العكس توحى بالتعاطف مع شخص يقف على حافة الجنون ويثير التعاطف والخوف فى آن. فى المحاكمة قال شكرى مصطفى «... خطتنا أصلا تقوم على الانسحاب من هذه المجتمعات وقلبها رأسا على عقب إذا صح التعبير حيث إننا لا نؤمن بسياسة الترقيع ولا نؤمن بتزيين الجاهلية بالإسلام». إنه هنا وهناك «فى قلب المجتمع وضده». لم يكن شكرى مصطفى الأول، لكن صورته كانت الأولى. ربما كان صالح سرية، بطل عملية الفنية العسكرية الشهيرة 1974، هو أول صورة غائمة عن أبطال يريدون قلب نظام الحكم والاستيلاء على السلطة، لا لكى يحكموا فقط ولكن لينشروا الدعوة ويحققوا المجتمع الإسلامى. تلك الفكرة القنبلة، أطلقها سيد قطب مستثيرا كل جروح العجز فى المستضعفين ونافخا فى مشاعر الاضطهاد عندهم، هو الصورة النقية، لنبى التطرف الذى دفع حياته ثمنا لأفكاره. تحولاته لم تعد تهم سوى المثقفين. هو من أوائل النقاد الذين اهتموا بنجيب محفوظ، وكتبوا عن رواياته (خصوصا «خان الخليلى»). وقتها، كان سيد قطب يريد أن يصبح أديبا، كاتبا بالمفهوم الحديث. وكتب سيرته الذاتية تحت عنوان «طفل فى القرية» بأسلوب قريب من «الأيام»، سيرة طه حسين، أهدى سيد قطب سيرته المكتوبة بسذاجة إنشائية إلى صاحب «الأيام»، قبل أن يتحول إلى داعية التطرف والقطيعة مع كل ما هو حديث. سيد قطب صورة خالدة لمن حول ألمه الذاتى فى سجون عبد الناصر إلى خطاب متكامل، أصبح فيه الألم رغبة فى الانتقام، وجدت مرجعيتها فى أفكار أبو الأعلى المودودى فى الهند. صورة محفورة بخليط الاضطهاد والتضحية ودفع الثمن والاغتراب عن الواقع. إضافة إلى فكرة حامل رسالة الحق أو «الصحابى»، المهاجر من مجتمعه فى سبيل دعوته، صور قديمة مستوحاة من القصص الدينى، تعتمد فى شحناتها العاطفية على رصيد أبطال الدعوة الإسلامية الأولى كما صورتهم السينما المصرية فى أفلامها عن الأيام الأولى لنشر الإسلام فى الجزيرة العربية.