بعد مضي أسبوع على المناظرة الرئاسية الأولى التي أخفق فيها الرئيس باراك أوباما في مواجهة رومني، حتى أنه أقر بالأمر قائلا: «لم أكن موفقا في تلك الليلة»، جاء أداء نائب الرئيس جو بايدن هجوميا وقويا أمام خصمه الجمهوري بول رايان، خلال المناظرة التي التقى فيها المرشحان لمنصب نائب الرئيس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. المناظرة الوحيدة التي دارت مساء الخميس في دانفيل بولاية كنتاكي، وناقش خلالها المرشحان شئون السياسة الخارجية الأمريكية، كان يعلق عليها الديمقراطيون آمالا كبرى بعد ارتفاع نسبة التأييد للمرشح الجمهوري رومني. سعى السناتور بول رايان «42 عاما»، خلال المناظرة إلى أن يحول ما يعتقد البيت الأبيض أنه أقوى أسلحة الرئيس باراك أوباما في مواجهة المرشح الجمهوري ميت رومني، وهي السياسة الخارجية، إلى سلاح ضده، لكن من ليبيا إلى إيران إلى سوريا وأفغانستان، لم يقدم رايان مواقف مختلفة كثيرا من حيث الجوهر عن إدارة أوباما، وفق صحيفة النيويورك تايمز. بايدن، السياسي وعضو الكونجرس المخضرم، أخذ على عاتقه الدفاع عن سجل الرئيس أوباما، وتبديد الصورة الباهتة التي تركها الرئيس لدى قطاع كبير من الأمريكيين خلال مناظرته مع منافسه رومني منذ أسبوعين، وطالب منافسه بول رايان بأن يشرح بوضوح كيف سيتصرف الجمهوريون بشكل مختلف، انتقد رايان مرتين، بسبب «حديثه الفضفاض» عن كيفية منع إيران من امتلك سلاح نووي، وكيفية مساعدة معارضي الرئيس بشار الأسد في سوريا. «هما رومني ورايان لا يقولان أي شيء أكثر مما فعلناه»، كان هذا رد بايدن على قول رايان إن حملة الضغوط من جانب إدارة أوباما ضد إيران لم تبطيء سعي الجمهورية الإسلامية للحصول على سلاح نووي. قال رايان إن الرئيس خفض الدعم لإسرائيل، حليفة أمريكا المقربة، وتردد في الوقت الذي كانت قوات الأمن الإيرانية تقمع المحتجين المطالبين بالديمقراطية، وهو ما عزز من نفوذ ملالي إيران، كان هذا نموذجا بحسب قوله، اتبعه الأسد في سوريا. بايدن استبعد إمكانية امتلاك إيران سلاحا نوويا قريبا، وأكد حرص إدارة الرئيس باراك أوباما على عدم السماح للجمهورية الإسلامية بالحصول على هذا السلاح، وأضاف أن طهران لاتزال« بعيدة بمسافة معتبرة» عن امتلاك سلاح نووي، في المقابل لجأ رايان لتعبيرات إنشائية، من دون أن تستند لحقائق محاولا أن يقنع الأمريكيين بأن أمن بلادهم تراجع خلال رئاسة أوباما، وقال «عندما انتخب باراك اوباما كان لديهم –الايرانيون- الكثير من المعدات النووية لصنع قنبلة اليوم لديهم المزيد لصنع خمس قنابل». ورد بايدن بلهجة هجومية «هذا الامر لا يمكن تصديقه». وأضاف: «الاسرائيليون والولاياتالمتحدة وكذلك جميع اجهزة المخابرات العسكرية وصلت الى نفس النتيجة بالنسبة لاقتراب ايران من صنع سلاح نووي». وبالنسبة إلى الأزمة في سوريا، حذر بايدن من أن التدخل العسكري في هذا البلد سيؤدي إلى «اندلاع حرب إقليمية»، بينما اتهم رايان إدارة أوباما ب«الاعتماد» في سياستها الخارجية على الأممالمتحدة، وقال بايدن إن «آخر شيء تحتاجه الولاياتالمتحدة هو حرب أخرى في المنطقة الأخطر بالعالم». ونبه نائب الرئيس الأمريكي إلى أن الحرب في سوريا «سيكون لها تأثير على المنطقة بأكملها»، مشيرا إلى أن إدارة أوباما «تعمل مع حلفائها من أجل الضغط باتجاه تنحي الرئيس السوري بشار الأسد وعدم وجود حكومة في البلد العربي يرعاها تنظيم القاعدة». ومن جانبه، قال رايان ردا على سؤاله حول ما الذي سيفعله لحل الأزمة السورية هو وومني في حال فوزهما بالانتخابات، «لا احد يقترح إرسال قوات أمريكية إلى هذا البلد» لكنه قال إن إدارتهما ستتواصل بشكل أكثر قوة مع المعارضة، وهو ما قال إن إدارة أوباما لا تقوم به بشكل فعال. ومن أبرز القضايا التي تطرقت إليها المناظرة بين المرشحين كذلك، مسؤولية الادارة الامريكية عن الهجوم على القنصلية الامريكية في بنغازي، والذي قتل فيه السفير الامريكي، وقال جو بايدن عند افتتاح الحوار في دانفيل بولاية كانتاكي إن الإدارة ستطلع الشعب الأمريكي على كل الوقائع التي يتم التوصل فيها، وإنه «مهما كانت الاخطاء التي ارتكبت فهي لن تتكرر». ورد بول ريان بقوله «استغرق الأمر أسبوعين كي يعرف الرئيس أن الأمر يتعلق بهجوم ارهابي» وانتقد الادارة لتغييرها رؤيتها حول سيناريو الهجوم الذي نسب أولا إلى مظاهرة عفوية ضد فيديو مسيء للاسلام على الانترنت. واضاف «الم يكن من الضروري إرسال عسكريين لحماية سفيرنا في بنغازي؟» معتبرا ان الهجمات الاخيرة على الاميركيين في العالم العربي اظهرت انه «عندما نعطي الانطباع اننا ضعفاء فان اعداءنا سيعملون على اختبارنا». عدم الاختلاف كثيرا في المواقف يبرز – بحسب النيويورك تايمز – قيودا أساسية يواجهها القادة الأمريكيون على الصعيد العالمي، بصرف النظر عن حزبهم، حيث قال بايدن إن الولاياتالمتحدة لا تتحمل حربا جديدة في الشرق الأوسط، وأومأ رايان موافقا، كما استبعد رايان إرسال قوات أمريكية إلى سوريا حين ضغط عليه نائب الرئيس ليقول ما الذي سيفعله بوضوح في سوريا. وفي ختام المناظرة التي شاهدها أوباما على التلفزيون على متن الطائرة الرئاسية قال إنه «فخور جدا» بنائبه وأكد لدى نزوله من الطائرة «أود الإشارة إلى أن جو بايدن كان ممتازا هذا المساء». وخلافا لأوباما لم يغفل مهاجمة المرشح الجمهوري بشأن حديثه عن 47% من الأمريكيين الذين اتهمهم بأنهم يعتقدون أنهم ضحايا ولا يتحملون مسؤولية أنفسهم قائلا «إنهم لا يهمونه»، بحسب تسجيل فيديو تم تسريبه للصحافة. وقال بايدن «هؤلاء الاشخاص هم والدي ووالدتي، أولئك اللذين نشأت معهم، جيراني، إنهم يدفعون ضرائب فعلية تفوق ما يدفعه الحاكم رومني في ضريبته الفدرالية على الدخل». تشارلز فرانكلين أستاذ العلوم السياسية في جامعة ويسكونسن ماديسون رأى أن «بايدن لم يقف على الحياد وإن كان الديمقراطيون يرغبون بمرشح هجومي، فقد وجدوا ما كانوا يريدونه». «بايدن تلاعب برايان»، هكذا علقت «واشنطن بوست» على أداء المرشحين لمنصب النائب، وكشفت واشنطن بوست أنه في الساعات التي سبقت مناظرة الخميس بين المرشحين لنائب الرئيس، تسربت بعض الكلمات أن حملة رومني- ريان أصدرت تعليمات إلى المديرة مارثا راداتز لمخاطبة بول ريان باسم«السيد» بدلا من «نائب بالكونجرس». وحفاظا على سمعتها، -بحسب الصحيفة- تجاهلت راداتز هذه التعليمات وأشارت إلى المرشح الجمهوري لمنصب بلقبه المناسب، عير أن نائب الرئيس بايدن لم يكن يغفل تذكير المشاهدين أن ريان، وبالتالي ميت رومني، يرتبطان ارتباطا وثيقا بقيادة حزب الجمهوريين لا تحظى بشعبية. ورأت الصحيفة أن تركيز بايدن على أداء الجمهوريين في الكونجرس كان مفتاحا لأدائه القوي، وتوقعت أن الكثيرون سينتقدون سلوكيات بايدن الغريبة خلال المناظرة: القهقهات الصاخبة، التجهم، ورفع ذراعيه والتطلع إلى السماء، المقاطعة بكلمات: «يا إلهي، وهذا مدهش»، لكن كل هذه السخرية والتشكك كانت لهدف ما، وأوباما سيكون من الحكمة لتقليدها.