فى حرب أكتوبر 73 ومع المفاجأة التى أحدثها الجيش المصرى ببدء القتال، فإن إسرائيل أصيبت بالسعار، وقررت عمل المستحيل من أجل إعاقة عملية العبور ومنع الجنود المصريين من التدفق إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، ولهذا فإنها لم تتردد فى استعمال كل ما فى حوزتها من أسلحة فتاكة. فاستخدمت الطيران والدبابات والمدفعية والقوات البحرية، وقصفتنا بالصواريخ والنابالم وقنابل الأعماق والقنابل التليفزيونية والفوسفور الأبيض والأحمر والبنفسجى، وكل ما أرسلته إليها أمريكا من ترسانتها. استمرت الحرب منذ السادس من أكتوبر حتى الثامن والعشرين من الشهر نفسه، عندما تم وقف إطلاق النار. فى خلال الاثنين والعشرين يوما من القصف المستمر أمطرتنا إسرائيل بآلاف الأطنان من المتفجرات، وضربتنا بكل أنواع القذائف ومن كل الأعيرة، وإغارات على آلاف الأهداف العسكرية والمدنية على مدار الساعة، ووجهت مجهودها الحربى بالكامل ضدنا، ومع ذلك وبعد انقشاع غبار المعركة وإجلاء القتلى والجرحى ونقلهم إلى المستشفيات، فإن العدد الإجمالى لشهدائنا ومصابينا فى هذه الحرب الضروس، وعلى الرغم من كل وحشية العدو وغدره، لم يصل إلى عشرة آلاف بطل مصرى. لكن ضباط شرطة مبارك وبلطجيته قاموا فى يومى 28 و29 يناير، بالإضافة إلى يومى 2 و3 فبراير 2011، بتحقيق ما عجزت عنه إسرائيل واستطاعوا قتل وإصابة ما يقرب من عشرة آلاف مواطن، من بينهم نحو ألف شاب وفتاة فقدوا البصر، وضاع نور عيونهم إلى الأبد. نجح رجال مبارك فى أربعة أيام فى ما لم تقدر عليه إسرائيل بكل جبروتها عام 73 فى حرب شاملة لم تستثن المدن ولم تستبعد المدنيين! لهذا فإننى لا أكف عن إطلاق الضحكات الوحشية بصوت عال من باب السخرية والاستهزاء عندما أتابع الشهود وهم يتقدمون إلى المنصة للإدلاء بإفاداتهم عما حدث أيام الثورة. أضحك وأنا أتابع القلوب الملهوفة التى تدعو الله أن يكون الشاهد بنى آدم وأن لا يكون مكتمل الخسة حتى يروى بشىء من الأمانة ما حدث! أضحك لأن إثبات جريمة راح ضحيتها عشرة آلاف إنسان هو أمر فى غاية البساطة، ولا يحتاج إلى البحث عن شهود من بين ضباط الشرطة، يشهدون أن رؤساءهم أمروا بإطلاق النار، وأن زملاءهم نفذوا الأوامر، لأنه ببساطة ماذا لو أن الأفندية نفوا أن مبارك وعصابته قد قتلوا أبناء مصر الأبرار؟ هل توجه التهمة فى هذه الحالة ضد العفريت أم ضد مجهول أم ماذا؟ إننى أعتقد وبمنتهى الأمانة أن الشهود سوف يكونون الباب الملكى لإفلات الجناة من حبل المشنقة، بل والحصول على البراءة، وربما يرفعون قضايا يطالبوننا فيها بالتعويض عن الأضرار التى أصبناهم بها. وفى هذا الصدد فإننى أتساءل ببراءة وأقول يا قوم أليس بينكم رجل رشيد يحمل إلى المحكمة صور مدرعات الداخلية وهى تدهس المتظاهرين فى ميدان التحرير، وعلى كوبرى قصر النيل، وفى السويسوالإسكندرية، تلك الصور الموجودة على اليوتيوب، والتى لا يستطيعون إتلافها؟ ألا يستطيع أحد أن يريهم صورة الشاب الأعزل فى الإسكندرية الذى خلع رداءه ليريهم أنه مسالم فأمطره الجنود والضباط بوابل من الرصاص ونخلوه فى الحال؟ ولماذا بالله عليكم يتم سؤال ضباط الداخلية عن جرائم زملائهم؟ لماذا لا يسألون أصدقاء الشهداء الذين سقط أبناء مصر البررة إلى جوارهم وبين أيديهم وهم يواجهون ضباط الداخلية الذين فتحوا النار عليهم؟ ألا تكفى شهادة المصابين والجرحى والمفقوءة عيونهم للتدليل على الفاعل؟ وإذا كان إطلاق النار قد حدث والفاعل معروف وهو ضباط الشرطة، فهل عم برعى بتاع الفول هو من أعطى الأوامر، أم حسنى مبارك ورجاله الذين انتقموا لإسرائيل مما فعلناه بها فى أكتوبر 73؟