أثار دهشتى الاحتفاء الشديد بالمقدم عصام شوقى الشاهد الثامن فى قضية اتهام المخلوع مع رهط من صبيانه المجرمين بقتل شباب الثورة. ما إن انتهى الشاهد من إفادته حتى فوجئ بعاصفة من التصفيق من جانب أهالى الشهداء فضلا عن الشكر الذى تلقاه من ممثل النيابة. بعد ذلك باتت المنتديات والمواقع وصفحات «فيسبوك» و«تويتر» تحكى قصته وتعزف سيرته على الربابة وبعضها نادى بتعيينه وزيرا للداخلية والبعض الآخر قال بل نرشحه رئيسا للجمهورية! كل هذا والرجل لم يقدم على فعل خارق ولا أتى بما لم يستطعه الأوائل.. لكنه فعل شيئا عاديا للغاية ليس به بطولة ولا فداء عندما وقف أمام المحكمة وأدلى بما رآه وما سمعه! من المعروف أن دور الشاهد فى كل مكان وزمان هو أن يحكى ما سمعه وشاهده بصرف النظر عن موضوع القضية ودون أن يكون فى صف أى طرف من أطرافها. وليس دين الإسلام فقط هو ما يحض على عدم كتمان الشهادة وإنما كل الشرائع السماوية والأخلاق النابعة من الفطرة السليمة تدعو إلى هذا.. ولذلك فإنه من غير الطبيعى أنّ قيام رجل تحت القسَم بالشهادة وقول الحق يستحق كل هذه الحفاوة وكل هذا الحب. نعم ربما كان هذا غير طبيعى وغير مألوف فيما لو حدث فى ظروف أخرى وفى بلد آخر، أما وقد حدث فى مصر وفى مثل هذه الظروف حيث الشهود الذين سبقوا هذا الشاهد قد غيروا أقوالهم التى أدلوا بها أمام النيابة وباعوا ضمائرهم واشتروا كبابا وكفتة فإن قيام هذا الشاهد بقول الحق وإنصاف الشهداء هو مما يستحق الإشادة والتحية. وربما مما يزيد من مقدار استحقاق الرجل للتحية أنه ينتمى إلى جهاز الشرطة، وما أدراك ما جهاز الشرطة! ولعل التهليل المبالغ فيه لما فعله يعود فى الأساس إلى أن الناس لم تتعود وجود رجل الشرطة الشهم النبيل، لكنها اعتادت منذ ثلاثين سنة ظاهرة الشرطى الخسيس الذى يظلم الفقراء والضعفاء ويعمل من خده مداسا للأقوياء والأثرياء.. اعتاد الناس الضابط المنحرف الذى ينتهك القانون ويلفق القضايا ويقوم بتقفيلها على حساب الأبرياء ولا يتورع عن إهانة الناس وتعذيبهم إن اقتضى الأمر، وفى نفس الوقت يعيش على قفا الفقراء الذين يدهس كرامتهم ويقتات على الرشوة والبرطلة والإتاوة، ويحصل على احتياجاته كلها بالمجان من الميكانيكى والسمكرى والنقاش والنجار والبواب والخضرى والفاكهى والكبابجى. تعود الناس الشرطى الذى لا يقول الحق ولا يفعل الصواب ولا يخشى الله أو يقيم وزنا لليوم الآخر. تعودوا عبيد المأمور وعبيد المعيوب والمعطوب والمجروح والملطوط. تعودوا عبيد كل صاحب سلطة حتى لو كان فى غباوة وبلادة ونطاعة الملعون وصبيانه السفلة. ولا ننسى أن المخلوع ورجال عصابته ارتكبوا كل أنواع الجرائم ومع ذلك فإن وزارة الداخلية من أكبرها إلى أصغرها كانت تنحنى احتراما لكل مجرم منهم! مضى الزمن بالناس وبعضهم رأى فى حياته قلة من شرفاء رجال الشرطة، لكن كثيرين منهم عاشوا وماتوا دون أن يحظوا بهذا الشرف. لهذا فإن فرحة الناس بوجود ضابط شرطة يقول الحق أمام المحكمة كانت فرحة عارمة، وهذا على الرغم من أن شهادة هذا الرجل قد لا تكون حاسمة لأن عشرات غيره سوف يكذبون ويقولون ما يمليه عليهم حبيب العادلى وصبيانه الذين تركوا العمل وتفرغوا للانتقام. لكن فى كل الأحوال فإن هذه الشهادة تشكل نقلة نوعية تضيف نقاطا إلى جهاز الشرطة وتؤكد أن الجدع جدع.. والجبان جبان.