يحمل تاريخ الملك فارق مفارقات يصعب حصرها، حتى إن بعض المؤرخين وصفوه بأنه صاحب العشرة وجوه، باعتباره كان معروفا بحبه للنساء والطعام والشراب، ولورعه وتقواه في شهر رمضان، ولكونه ملكا على مصر معروف عنه الحزم مرة، والتساهل مرات. في رمضان، كان للملك فاروق طقوس خاصة، تبدأ بإرسال مندوب للمحكمة الشرعية، للتأكد من ثبوت الرؤية، وتستمر حتى توزيع العطايا قبيل عيد الفطر المبارك، وكان يأمر فاروق فيضاء قصر عابدين بالأنوار لإحياء ليالي رمضان، ويعد عدد كبير من المقاعد في الفناء الداخلي لجلوس الضيوف الذين يأتون يوميا لسماع القرآن الكريم، وكان فاروق يؤدي أول صلاة جمعة في رمضان في مسجد الرفاعي مع العلماء. الوثائق وبعض المؤرخين يقولون إن الملك فاروق كان يقضي شهر رمضان في قصر رأس التين بالإسكندرية عندما يأتى الشهر الكريم في فصل الصيف هربا من حرارة القاهرة. كعادة فاروق كل عام أن يلقي خطابا للشعب المصري يهنئه بمناسبة الشهر الكريم، خطب عبر الإذاعة الأهلية في أول ليلة من ليالي رمضان من عام 1360 هجرية الموافق 22 أغسطس عام 1941: "شعبى المحبوب.. الليلة نستقبل شهر رمضان المبارك.. فرحين بما آتانا الله من نعمة الدين وعزة الوطن.. فإليك الكريم تهنئة صادرة.. عن قلب يفيض إيمانا بالله وحبا لرسوله.. ورعاية لك وثقة بك وعطفا عليك.. يقول الله تقدمت ذاته وتعالت صفاته.. يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.. وامتثالا لأمره جل شأنه.. أذكر نفسى وإخوانى المسلمين بالاعتصام بالصيام". "ففى الصوم تهذيب للنفس.. ورياضة لها على احتمال المكاره وعلى الصبر.. الذى هو من أكبر الأخلاق المقومة لحياة الأمم ومجدها.. وفيه كف لليد واللسان.. عن الطغيان والعدوان والكذب والبهتان.. وأنه ليشرح صدرى فى هذه الليلة المباركة.. أن اسأل الله جلت قدرته أن يمدنا بعنايته.. وأن يجعل مجهوداتنا القومية مقرونة بالتوفيق.. وأن يعلى دينه.. وأن يعلى قدر الوطن قدر سبحانه نعم الهادى ونعم المعين.. وسلام الله.. وتحيته عليكم أجمعين". واعتاد الملك فاروق أن يتوسط ضيوفه على الموائد الرمضانية، والتي كانت تستمر طيلة الشهر الكريم، سواء الموائد التي يتم إعدادها للفقراء، والتي توسع فيها بعد حرب 48، أو الموائد الخاصة بإفطار رجال الدولة والوزراء والأمراء والعائلة المالكة. وكان فاروق يعتمد يوما في الشهر للإفطار مع موظفي القصر، وفي عام 1941، أقام فاروق مأدبة حضرها 400 موظف من أكبر درجة(أصحاب المعالي) إلى الأفندية وموظفي الدرجة التاسعه، وقد سمح الملك بالتيسير على صغار الموظفين بأن يحضر جميع المدعوين بالثياب العادية الغامقة، وكانت مأدبة فاخرة قدم فيها البرتقال والسجائر وحساء ساخن بالخضر، حمل بلدي بالخلطة، وفاصوليا بالدجاج، وديك رومي فاخر بالبطاطس وأرز مع لبن زبادي، وحلاوة بالقشدة وخُشاف وفواكه وقهوة. وكان فاروق يصدر أمرا ملكيا بأن تذيع المحلات المجهزة بأجهزة الراديو القرآن الكريم، كما كانت القصور الملكية تستخدم مكبرات الصوت لإذاعة القرآن طوال شهر رمضان، كما كان يأمر فاروق بمنع بيع المشروبات الكحولية والروحية في المحلات العامة طوال هذا الشهر. وتسرد مجلة "المصور" تفاصيل ما يحدث داخل القصرالملكي في رمضان، وقد كشفت في تقرير لها عام 1950 عن وجبة الإفطار التي يتناولها الملك فاروق مع أسرته، بعيدا عن الموائد العامة والضيوف. وقال التقرير إن المائدة التي يجلس عليها الملك ليتناول إفطاره مع أسرته وبناته غاية في البساطة، ولا تتسم بالبذخ، وتضم عدة أطباق بسيطة، ووصفت المجلة مائدة الملك قائلة: لا تضم سوى صنف واحد من اللحوم، وفطائر، وبيض بالبسطرمة، وبطاطس، ومسقعة وأرز ثم الكنافة والفواكه.