الدواعش فى الصحراء الكبرى هم أنفسهم فى صحراء سيناء، هذا ما ستكتشفه وأنت تشاهد فيلم «تيمبكتو.. غضب الطيور»، الفيلم الذى حاز مخرجه الموريتانى عبد الرحمن سيساكو على جائزة «سيزار»، وهى الجائزة التى تمنحها أكاديمية الفنون وتقنيات السينما الفرنسية لأفضل فيلم سينمائى كل عام. يحكى الفيلم عن الاجتياح الدواعشى، وتأثيراته على المنظومات المعرفية والثقافية لخلق الله الآمنين. كما يرحل الناس فى سيناء عن الديار، ويتركونها للدواعش، ستشاهد فى الفيلم كيف يرحل ناس الأزواد فى الصحراء الكبرى، ويتركون مدينتهم لهم. وفى الحالتين، فى تيمبكتو كما فى سيناء، ناس مسلمون فطريون وحقيقيون، سيأتى عليهم الدواعش ليعلمونهم دين الوهابية، وفى الحالتين، لن تكتشف سوى أنفس عفنة، وستسأل نفسك: كيف للعفن أن يسكن الأنفس إلى هذا الحد؟ وربما تتذكر قول أحد الكُتّاب، لقد زرع ابن تيميّة زرعا لن تقوم للإسلام قائمه بعده أبدا، هذا الزرع هو ابن عبد الوهاب، المنتج الأصلانى للدين الوهابى. لكن النتيجة اختلفت فى الأزواد عنها فى سيناء، فى تيمبكتو تدخلت القوات الفرنسية المتخصصة فى الحرب على الإرهاب، وأنهت على الموضوع، من ساسه لراسه، فى أيام معدودة، وكان من بين القتلى واحد من أقربائى البدو، كان الفتى قد ترك سيناء، ليقاتل ضد الأعداء الأزواد/ الطوارق فى تيمبكتو. مخرج الفيلم طبعا لم يكن مشغولا بحكايته، فهى ليست سوى حكاية من حكايات متعددة: - أبو جعفر الذى رأى فتاة فى السوق، وصمم أن يتزوجها رغما عن رغبتها ورغبة أمها. قالت الأم: لكن الأب مسافر، ونحن لا نزوج بناتنا فى غياب آبائهن، وحين لم تجد هذه الحجة مع أبو جعفر، قالت: إنت غريب.. هنا انفجر أبو جعفر: سأتزوّجها رغما عنكِ، قال وهو يقبض على بندقيته الكلاشينكوف بعنف داعشى، وحين يحاول شيخ المسجد إيقاف مهزلة الزواج، يذهب إلى أمير المجاهدين، لكن الثانى لن يعدم الحجة، ببساطة سيقول: نحن ولاة الأمر هنا، ثم يضيف: أبو جعفر مسلم مجاهد.. ستحس أن كلام أمير المجاهدين مثل كلام جهيزة، الذى قطع قول كل خطيب.. كيف لا والعريس ليس مسلما فحسب، بل مجاهد أيضا؟! لا تسأل حالك مجاهد فى ماذا؟ سيفتح الفيلم على دواعش وهم يطلقون النار على التماثيل، يطاردون الموسيقى والغناء، العيال الذين يلعبون الكرة يطاردون امرأة تبيع السمك من غير ما تحط القفازات فى يدها.. فتاة قبضوا عليها، وهى تتكلم فى المحمول، وعليها أن تثبت أنها تكلم أخاها لا من تحبه! - عبد الكريم، القيادى الداعش، الذى يدخّن فى السر، ويراود زوجة الراعى عن نفسها، هذا الراعى الذى سيقتل صيادا فى ما بعد، وسيدخل سجون الدواعش، وسيقضون عليه بحكم الموت، فى محاكمة هزلية، لا محامٍ فيها ولا شهود، فقط الرغبة فى التسلط. يبقى أننى لست متخصصا فى السينما، ولا فى النقد الفنى، بهذه الروح شاهدت الفيلم، وبهذه الروح أكتب عنه، وفى كل الأحوال ستخرج من هذا الفيلم بقناعة، إننا نهوِى فى جُب عميق، وتتحوَّل لحومنا ساعة وراء ساعة، نهبا لغربان الظلام.