يوم وراء الآخر تبدو المسافات تتباعد بين القاهرةوالرياض. بحيث بدأ كثير من المعلقين يتحدثون عن مظاهر الجفوة بين العاصمتين. أتذكر أننى بعد «30 يونيو» بقليل كتبت فى هذه الصحيفة: إنه لمن العسير أن تسير العلاقات بين البلدين على ما يرام. فالنظامان ذوا طبيعتين مختلفتين. نظام القاهرة أسسه الألبانى محمد على. بينما أسس نظام الرياض محمد بن سعود بالتحالف مع محمد بن عبد الوهاب. والأول خليط هوياتى، من الفرعونية وحتى الإسلامية. بينما الثانى وهابى صرف الهوية. تصادم النظامان من قبل، مما تسبب فى تخريب الدرعية (عاصمة الثانى) واستحلالها. واقتياد زعمائها إلى القاهرة. حيث أجبروا على سماع الموسيقى، التى يحرم مذهبهم الاستماع إليها. وحين حطوا أصابعهم فى آذانهم، قام نظام القاهرة بخرق آذانهم، ثم سيّرهم إلى الآستانة، ليتم تعليقهم على أعواد المشانق. تجدد الصراع بين العاصمتين فى ستينيات القرن الماضى، حين وقفت الرياض ضد مساندة مصر للثورة اليمنية، وهو ما تسبب فى خروج مصر جريحة من اليمن، على الرغم من انتصار الثورة اليمنية، وتمكن اليمنيون من تحرير عدن من الاحتلال الإنجليزى. لم يتوقف الصراع بين الدولتين عند هذا الحد، بل شاركت الرياض فى حلف بغداد الذى تطور فى ما بعد ليصبح منظمة العالم الإسلامى، والهدف الرئيسى منه كان تطويق مصر، والوقوف فى وجه طموحاتها القومية. اليوم صار واضحًا أن الرياض مأزومة، خصوصًا بعد شعورها بالتقارب الإيرانى الأمريكى. وشعورها بتطويق الإيرانيين لها من الشمال، فى سوريا، ومن الجنوب فى اليمن. وعدم استبعاد تثوير المواطنين الشيعة فى البحرين جارتها الشرقية. وهو ما سيترتب عليه تثوير مواطنيها الشيعة داخل حدودها فى المنطقة الشرقية. الأزمة دفعتها إلى القفز نحو الأمام. اندفاع الرياض نحو اليمن يعنى أن أدواتها، «داعش» و«القاعدة»، لم تعد ذات جدوى. فألقت بنفسها فى أتون الحرب، بعد أن كانت على الدوام تفضل البقاء وراء حجاب. وتفضل استخدام الوهابية، أداتها الرئيسية، فى تدويخ أعدائها، وفى استخدامها كأداة لدورها تجاه الولاياتالمتحدة. وكغطاء أيديولوجى لآبار النفط. اليوم، الرياض تدق طبول الحرب بين السُّنة والشيعة، وهى الحرب التى ليس لمصر فيها ناقة ولا جمل. مصر شيعية الجوهر سنية المظهر. ما الخطر الشيعى على مصر؟ تسأل نوارة نجم: هل سيعلموننا حب آل البيت؟ ومن منا لا يحب آل بيت النبى؟! نحن نستطيع أن نمنح البشرية شهادات ماجستير ودكتوراه فى حبهم. السبب فى التباعد بين العاصمتين، أنهما بعقيدتين مختلفتين. بل أكاد أقول إنهما لا يمكن أن يلتقيا فى طريق واحد. لكن مصر مضطرة إلى التقارب تحت ضغط الواقع الاقتصادى المتردى. والرياض تعى هذا تمامًا. لهذا تبدو الرياض كمن يحط إصبع القاهرة تحت ضرسه. وهو ضغط على الكرامة المصرية بدرجة من العسير على المصريين احتمالها حتى النهاية.. الموت ولا الذلة.