تنسيق الجامعات 2024.. رابط نتيجة تظلمات طلاب الدبلومات والمعاهد للالتحاق بكليات التجارة    جامعة بنى سويف تشارك في مؤتمر مراكز تميز المياه والزراعة    تحسبًا للتعويم المقبل … 45 جنيهًا زيادة بأسعار الذهب خلال 4 أيام وارتفاع الطلب على السبائك    كاتب صحفى: بوتين وصف انضمام مصر للبريكس بالإضافة القوية    12 شهيداً بينهم أطفال في غارات إسرائيلية على لبنان    أوكرانيا: وحدات كورية شمالية تتواجد حاليا في كورسك    مانشستر يونايتد يتعادل مع فنربخشة في الدوري الأوروبي.. وطرد مورينيو    أول قرار في الزمالك بشأن جوميز بعد هزيمة السوبر أمام الأهلي    أخبار الحوادث اليوم: المعاينة تكشف سبب حريق شقة أبو الليف.. اعترافات صادمة للمتهم بقتل شاب طعنا في العمرانية.. إحالة سائق للجنايات بتهمة دهس شقيقين بالساحل    انطلاق الدورة السابعة من مهرجان الجونة.. حضور مكثف لنجوم الفن.. وتحية خاصة لروح الفنانين الراحلين في 2024.. ونجيب ساويرس: الإنسانية تعاني بغزة ولبنان ورسالتنا أوقفوا الحرب    رئيس جامعة الأزهر: نحرص على تذليل الصعاب لاستكمال بناء فرع دمياط الجديدة    إيران تٌحذر إسرائيل من الاعتماد على نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي    صندوق النقد الدولي يكشف عن الرسوم الجديدة للفائدة    19 شهيداً حصيلة القصف الإسرائيلي على لبنان خلال 24 ساعة    التشكيل الرسمي لمواجهة فناربخشة ضد مانشستر يونايتد فى الدوري الأوروبي    وفق الحسابات الفلكية.. موعد بداية فصل الشتاء 2024    قبل إغلاق العمل بالجهاز المصرفي.. بنك مصر يرفع عوائد الادخار بالدولار.. تفاصيل    سفير القاهرة فى لاهاى يستقبل ممثلى الاتحادات والجمعيات المصرية    محاكمة تاجر خردة لاتهامه بقتل جاره في الجيزة    السجن 6 سنوات لمتهم لاتجاره في مخدر الترامادول    مصر أكبر نظام للتعليم قبل الجامعي بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا| إنفوجراف    نسرين طافش بإطلالة جذابة في افتتاح مهرجان الجونة السينمائي    وزير الثقاقة يكرم الفائزين بمسابقات الموسيقى والغناء بالأوبرا    محظوظ ماليًا.. توقعات برج الثور يوم الجمعة 25 أكتوبر 2024    أمين الفتوى: "حط إيدك على المصحف واحلف" تعتبر يمين منعقدة    خالد الجندي: أنا أؤمن بحياة النبي في قبره    فضل قراءة سورة الكهف قبل الفجر بدقائق.. أسرارها والحكمة منها    قومي المرأة يشارك في جلسة "الشمول المالي.. الأثر والتحديات والحلول"    رويترز : نتنياهو يرحب باستعداد مصر للتوصل إلى صفقة للإفراج عن المحتجزين فى غزة    الثقافة تدشن أول مركز للموهوبين بإقليم شرق الدلتا    قرار رسمي بسحب 3 أدوية من الصيدليات.. من بينها دواء شهير للصرع (مستند)    محمود عنبر: الفترة المقبلة ستشهد تطورا في التبادل التجاري بين دول «بريكس»    وقولوا للناس حسناً.. خالد الجندي يوضح أهمية الكلمة الطيبة في الحياة اليومية    بروتوكول تعاون بين جامعة حلوان و"الصحفيين" لتقديم الخدمات الصحية لأعضاء النقابة    «مُحق في غضبه».. تعليق مثير من عماد متعب بشأن أزمة كهربا مع كولر    تشكيل روما الرسمي لمواجهة دينامو كييف في الدوري الأوروبي    شريف فتحي يؤكد عمق العلاقات الثنائية بين مصر وإيطاليا في مجال السياحة    الجريدة الرسمية تنشر قرار إنشاء صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية    "حياة كريمة" تحذر من إعلانات ترويجية لمسابقات وجوائز نقدية خاصة بها    كلاسيكو إنتر ميلان ويوفنتوس في قمة الدوري الإيطالي    مدبولي يستقبل الشوربجي: نحرص على تذليل التحديات أمام المؤسسات الصحفية    عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل برغم القانون ل إيمان العاصى الليلة على on    حب فى ظروف غير ملائمة    وزير الأوقاف: مصر تهتم بالمرأة في شتى مناحي الحياة    بث مباشر.. انطلاق الحفل الختامي للمؤتمر العالمي للسكان    3670 حافظا للقرآن ومبتهلا يتقدمون للمنافسة المحلية المؤهلة لمسابقة بورسعيد الدولية    مديرية أمن الأقصر تنظم حملة للتبرع بالدم    "إيتيدا" و"القومى للاتصالات" يختتمان برنامج التدريب الصيفى 2024 لتأهيل الطلاب    الابن العاق بالشرقية.. حرق مخزن والده لطرده من المنزل    المشدد 5 سنوات لعاطلين شرعا في قتل سائق "توك توك" وسرقته بالمطرية    ضبط عامل بالفيوم لقيامه بإدارة ورشة لتصنيع الألعاب النارية والإتجار فيها    5 قرارات من النيابة العامة في حادث لاعبي فريق دراجات نادي 6 أكتوبر (خاص)    تداول 55 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحرالأحمر    الطقس اليوم.. استمرار الرياح على البلاد وأمطار تضرب هذه المناطق بعد ساعات    جيرارد: صلاح مهووس باللعبة.. أتحدث عنه باستمرار.. وأتمنى بقاءه    سيميوني: ركلة جزاء غير صحيحة منحت ليل الفوز على أتلتيكو    القوات المسلحة تحتفل بتخريج دفعات جديدة من المعاهد الصحية    أول إجراء من الزمالك ضد مؤسسات إعلامية بسبب أزمة الإمارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الحليم حافظ.. نجومية عابرة للزمن!!
نشر في التحرير يوم 31 - 03 - 2015

في عيد الميلاد رقم 70 لعبد الحليم حافظ سألت الموسيقار الكبير الراحل "كمال الطويل" ماذا لو امتدت الحياة بعبد الحليم حافظ، ما الذي كان من الممكن أن يقدمه للناس؟!
أجابني: سيقدم "الفيديو كليب" بأسلوب "عبد الحليم"!
نحتفل بذكرى حليم رقم 38 وودعنا حليم وهو لم يتجاوز 48 عاما أي أنه لو كان بيننا كان سيصل إلى 86 عاما فهل كان سيواصل الغناء أم سيكتفي بالحديث الممل عن زمن الفن الجميل. تأملت كلمات "كمال الطويل" ووجدت أن سر "عبد الحليم" أنه كان ابناً للزمن الذي يعيشه، بل سابقاً أيضاً للزمن، يراهن على الكلمة واللحن القادم، كنا نعيش في مطلع الخمسينيات ثورة سياسية وتحرراً وطنياً، وجاء "عبد الحليم" ومعه "كمال الطويل" و"محمد الموجي" و"صلاح جاهين"، وانضم إليهم من الجيل السابق عليهم الشعراء "مأمون الشناوي" و"مرسي جميل عزيز" و"حسين السيد" فأحالوها إلى ثورة عاطفية أيضاً!
أطلق "عبد الحليم" بأغنيته "يا سيدي أمرك.. أمرك يا سيدي" التي غناها في فيلم "ليالي الحب" أول احتجاج ساخر على الأغنية التي كانت سائدة قبل الخمسينيات، فهو مثلاً يقول: "بحقك أنت المنى والطلب" ثم يكمل: "والله يجازي اللي كان السبب"! الكلمات كتبها "فتحي قورة" ولحنها "محمود الشريف" و"بحقك أنت المنى والطلب" قصيدة شهيرة من تلحين الشيخ "أبو العلا محمد" غناها كل المطربين والمطربات وعلى رأسهم "أم كلثوم" تلميذة الشيخ "أبو العلا"! ويتابع السخرية بموشح أكثر شهرة وهو "بالذي أسكر من عرف اللما" ويضيف: "كان في حاله جاتله داهية من السما"، والمقصود ب"عرف اللما" الرائحة التي تخرج من الفم!
وفي النهاية يقول: "خايف أقول على قد الشوق لا تطلع روحي"!
يقصد أغنية "على قد الشوق اللي في عيوني يا جميل سلم" التي حققت في مطلع الخمسينيات شهرة غير مسبوقة!
وهكذا كان المجتمع في الماضي يسمح بثورة ضد الجمود و"عبد الحليم" هو ابن شرعي لزمن التمرد!
في عام 1953 عند إعلان الجمهورية رسمياً قال "يوسف وهبي" في حفل لأضواء المدينة: اليوم تعلن الجمهورية ويعلن أيضاً مولد مطرب جديد!
وهكذا ارتبط اسم "عبد الحليم" بالثورة المصرية وغنى لها: "ثورتنا المصرية عدالة.. اشتراكية"، تلحين "رءوف ذهني" و "إني ملكت في يدي زمامي" تلحين "كمال الطويل" والقصيدتان من تأليف "مأمون الشناوي".. بعد تولي "جمال عبد الناصر" رئاسة الجمهورية غنى له من كلمات "صلاح جاهين" وتلحين "كمال الطويل" "إحنا الشعب اخترناك من قلب الشعب، يا فاتح باب الحرية يا ريس يا كبير القلب"، وغنى له من كلمات "إسماعيل الحبروك" وتلحين "الطويل" "يا جمال يا حبيب الملايين" واستمرت رحلة "عبد الحليم" الوطنية مع الثورة، وفي نفس الوقت كان "عبد الحليم حافظ" زعيم الأغنية العاطفية في مصر والعالم العربي.
حلق "عبد الحليم" بجناحي الوطن والحب وغنى للوطن في لحظة المد الثوري العربي وأيضاً للحب حيث كان هو رسول العشاق بأغنياته.
أدرك عبد الحليم من البداية أن صاحب الثورة ينبغي ألا يدخل في معارك مع الكبار قبل أن يشتد عوده، لهذا لم يستمر خلافه الأول مع "محمد عبد الوهاب" أكثر من عام، وذلك عندما تعاقد معه "عبد الوهاب" على تقديم فيلمين مقابل 300 جنيه للفيلم الواحد، وتقاعس "عبد الوهاب" عن التنفيذ خوفاً من ألا يملك اسم "عبد الحليم" جاذبية للجمهور، وعندما جاءت الفرصة لعبد الحليم مع "إبراهيم عمارة" قدم فيلم "لحن الوفاء" ونجح الفيلم وارتفع أجر "عبد الحليم" إلى ألف جنيه في ثاني أفلامه "ليالي الحب"، لكنه ارتضى بتنفيذ عقده مع "عبد الوهاب" مقابل 300 جنيه حتى يكسب "عبد الوهاب" إلى صفه ويشاطره نجاحه.. وبعد بطولة فيلم "أيام وليالي" إنتاج "عبد الوهاب"، تحولا إلى شريكين في شركة "صوت الفن" وكان الشاعر مأمون الشناوي هو صاحب مبادرة الصلح بين الطرفين فأصبح صوت "عبد الحليم" يدر ربحاً على "عبد الوهاب" وألحان "عبد الوهاب" تدر ربحاً على "عبد الحليم"!.
ظل "عبد الحليم" يمتلك ترمومتراً يدرك من خلاله الخطوة التالية، فهو يقدم الأغنية المتطورة، وفي نفس الوقت ينبغي أن تحقق رواجاً جماهيرياً، لهذا التقط في عام 1957 الموسيقار الشاب بليغ حمدي وضمه إلى رفيقي الكفاح "الطويل" و "الموجي" وإلى الأستاذ "محمد عبد الوهاب" وإلى الملحن صاحب الألحان خفيفة الظل "منير مراد" هؤلاء كانوا هم القوة الغنائية الضاربة لعبد الحليم!
كان عبد الحليم لا يعيش إلا لكي يغني وهو على استعداد أن يستخدم أي سلاح للبقاء على القمة والاستحواذ على اللحن الأجمل.
ولدينا أكثر من واقعة كان "بليغ حمدى " يجرى بروفات أغينة "تخونوه" التي كتبها "إسماعيل الحبروك" في معهد الموسيقى العربية لكي تغنيها "ليلى مراد" وأعجب "عبد الحليم" باللحن وكان بصدد تصوير فيلم "الوسادة الخالية" لصلاح أبو سيف واستوقفت أذن "عبد الحليم" تلك المسحة المليئة بالشجن في لحن بليغ حمدي فيستحوذ على اللحن برغم ما يمكن أن يصيب ليلي مراد من حزن ويحتل "بليغ" بعد "تخونوه" مساحة مميزة على خريطة "عبد الحليم" تصل إلى حد الانفراد بكل أغاني عبد الحليم منذ منتصف الستينيات!
لاشك أن "عبد الحليم" في إصراره على البقاء متربعاً على عرش الأغنية كان بين الحين والآخر يتعرض لمحاولات إقصائه أو استبداله أو – على أقل تقدير- مشاركة العرش!
بدأت المحاولات مع "كمال حسني" هذا المطرب الذي وقفت وراءه المنتجة "ماري كويني" بعد أن رفض "عبد الحليم" أن يلعب بطولة فيلم لحساب شركتها لأنه لم ينس لها أنها في مطلع حياته الفنية رفضت أن يصور أغنية من فيلم "فجر" إخراج عاطف سالم وقالت للمخرج بعد أن رشحه إن وجهه ليس "فوتوجينيك"، واكتفت فقط بالتسجيل الصوتي!
وهكذا أنتجت لكمال حسني "ربيع الحب" بعد عام واحد من تقديم "لحن الوفاء" لعبد الحليم، وأكثر من ذلك لنفس مخرج "لحن الوفاء" إبراهيم عمارة ونفس البطلة "شادية"، وصديق البطل "عبد السلام النابلسي"، ووقف الصحفي الكبير "موسى صبري" مؤيداً لكمال حسني الذي لم يستطع الصمود طويلاً لأنه كان مجرد تنويعة على صوت عبد الحليم!!
وعندما اختلف حليم مع محمد الموجي أطلق الموجي أصوات "محرم فؤاد" و"عبد اللطيف التلباني" و"ماهر العطار" وصولاً إلى "هاني شاكر"، وبالفعل انزعج "عبد الحليم" من صعود "هاني" في مطلع السبعينيات وخاصة بعد نجاح أغنية "كده برضه يا قمر" التي لحنها له "خالد الأمير" بتوصية من "أم كلثوم"!
وكان الرد العملي أن "عبد الحليم" أخذ بنصيحة صديقه الكاتب الكبير احسان عبد القدوس عندما قال له: "العيل يحاربه عيل"، وقدم "عبد الحليم حافظ" للساحة الفنية "عماد عبد الحليم" ليواجه به "هاني شاكر"!
ربما كانت أكثر اللحظات التي عاش فيها "عبد الحليم حافظ" القلق تلك التي شهدت تألق "محمد رشدي" وشعبيته الجارفة بعد أغنيات "وهيبة" للأبنودي و"عبد العظيم عبد الحق"، ثم "عدوية" للأبنودي و"بليغ حمدي"!
كان "عبد الحليم" يغني كلمات مغرقة في الشاعرية والتجديد كتبها الأخوان "رحباني" ولحنها "محمد عبد الوهاب" أقصد" ضى القناديل والشارع الطويل"، بينما "محمد رشدي" يقول "في إيديا المزامير وفي قلبي المسامير"!
وأعجب الجمهور في هذه المرحلة بالمزامير والمسامير، فهي على الأقل أشياء ملموسة لا تتحرك في الظلام مثل "شارع الضباب"! إنه مجتمع اشتراكي يمنح العمال والفلاحين 50% من مقاعد مجلس الشعب- مجلس الأمة وقتها- وأعاد "عبد الحليم" برمجة البوصلة الغنائية العاطفية إلى الاتجاه الشعبي وقدم "سواح" لمحمد حمزة وبليغ حمدي، وطلب "عبد الحليم" من "حمزة" تغيير كلمة واحدة كانت الكلمات في البداية "مشوار صعيب وأنا فيه غريب" فقد وجد "عبد الحليم" أن كلمة "صعيب" تليق أكثر بمحمد رشدي لهذا تحولت إلى "مشوار بعيد" لتصبح لائقة بعبد الحليم!
وعندما كان "بليغ حمدي" يجرى بروفات أغنية "على حسب وداد قلبي يا بوي" من كلمات "صلاح أبو سالم" لتغنيها المطربة الصاعدة "إلهام بديع" التي اشتهرت بأغنية "يا حضرة العمدة" أعجبت الكلمات واللحن "عبد الحليم" فتعاقد على الفور مع "أبو سالم" و"بليغ" على غنائها، وكانت "على حسب وداد" هي الأغنية الشعبية الثانية له، وبعد ذلك قدم للأبنودي و"بليغ" "أنا كل ما أقول التوبة" وأقنع "عبد الوهاب" بأن يلحن "الوي الوي" من تأليف "صالح جودت" ليقدم "عبد الوهاب" اللون الشعبي الفلكلوري بإحساس وهابي!
وهبطت أسهم الأغنية الشعبية في مطلع السبعينيات بعد أن خفت صوت الاشتراكية وعاد عبد الحليم إلى الأغنيات العاطفية الطويلة لبليغ حمدي ومحمد حمزة مثل: "حاول تفتكرني"، "أي دمعة حزن لا"، وموشح "قدك المياس يا عمري" ثم اختلف مع "بليغ" وأبقى على "حمزة" ليقدم له من تلحين "عبد الوهاب" "لو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية"، ثم يعود للموجي رفيق الدرب في "قارئة الفنجان" و "رسالة من تحت الماء" وموشح "يا مالكاً قلبي" وكان ينتظر أيضاً أن يعاود اللقاء مع "كمال الطويل" و"الأبنودي" في "ولا كل من ضحكت عنيه عاشق" وأدرك "عبد الحليم حافظ" أن الناس متعلقة بأغنيات أفلامه، لهذا أعاد توزيع الأغنيات القصيرة مثل "أهواك"، و"في يوم من الأيام"، و"توبة" وحرص على تقديمها في كل حفلاته.
لا يعيش الفنان بمعزل عن الحياة ولا عن البشر فهو بقدر ما يأخذ منهم يمنحهم ،وكما كان يقول أمير الشعراء أحمد شوقي أن الفنان يمتص رحيق الزهور ليعطي عسلاً شهياً!! والزهور في حياة الفنان هو الأصدقاء المقربون الذي يتحولون إلى أشرعة يطل من خلالها الفنان على الدنيا.. كان أحمد رامي هو شباك الثقافة الذي أطلت منه أم كلثوم على كل ثقافات الدنيا وكان أحمد شوقي هو دليل عبد الوهاب في التذوق الفني وفي تذوق الحياة ومن الواضح أن عبد الحليم حافظ قد استفاد من تجربتي أم كلثوم وعبد الوهاب ولهذا اتسعت دائرته في الثقافة لتشمل العمالقة كامل الشناوي ومصطفى وعلي أمين وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وغيرهم..
هذه الكوكبة من المفكرين لم يسع إليها عبد الحليم لأنه يريد أن يجمل صورته أمام المجتمع ولكن من خلالهم أدرك عبد الحليم أن عليه تذوق الكلمات والألحان وأيضاً الأقوال.
هناك دائماً بين الفنان وجمهوره جسر وهو وسيلة الإعلام التي تقدم عنه صورة ذهنية حتى أن أغلب المطربين لكي يضمنوا تعاطف الجمهور كانوا يقدمون في أفلامهم قصة كفاح لمطرب يبدأ من السفح حتى يصل للقمة ويضحي ولا يتنازل.. كل ذلك حتى يتم تثبيت هذه الصورة الذهنية ليس فقط من خلال أحاديثهم ولكن عبر الأفلام.. حيث يحدث توحد في العادة بين الفنان في الواقع و تلك الصورة التي قدمت في العمل الفني وإذا كان الزمن قد منح الآن الجمهور قدرة على ألا يترك نفسه نهباً للصورة الدرامية فإنه على الجانب الآخر ترك المجال لكي نرصد الفنانين من خلال إبداعهم وأيضاً طريقة تسويقهم لهذا الإبداع والإعلان عنه والأسلوب والتوقيت.. وهي مفردات غائبة عن أغلب مطربي هذا الجيل.
من البدهي على سبيل المثال أن يأتي الفنان لكي يقدم رؤية مغايرة لما سبق ولا توجد قدسية لأي عمل فني ولا لفنان هناك فقط حق احترام التجربة السابقة.. أنا لا أوافق على أن نظل في حالة تقديس لكل ما هو ماض.. إنه ماض نحترمه نعم لكننا لا نقدسه.. الاحترام يتيح لنا إمكانية الاختلاف لكن القدسية لا تعرف إلا الخضوع والإذعان!!
كان عبد الحليم حافظ شديد الاعتناء بالكلمات واختيارها حتى لو اختلفنا مع عدد من أغنياته إلا أنه على سبيل المثال يقول بكلمات مرسي جميل عزيز في أغنية "في يوم في شهر في سنة" "وعمر جرحي أنا أطول من الأيام".. أو هو يقدم تلك الصورة الشاعرية الرائعة لحسين السيد.. "كان فيه زمان قلبين الحب تالتهم".. أو مع مأمون الشناوي وهو يقول في أغنية "في يوم من الأيام" "أنا كل طريق لعيوني علمته بذكرى معاك"!!
وأتذكر لمحمد حمزة في أغنية "سواح" تعبير "الليل يقرب والنهار رواح" ومع الأبنودي في "أحضان الحبايب" "رميت نفسك في حضن سقاك الحضن حزن"!!
الكلمة عند عبد الحليم كانت تشكل بالنسبة له رهاناً على الأجمل والدليل أن الأغنيات الأولى لعبد الحليم كتبها سمير محبوب وبعد ذلك اكتشف أن لدى مأمون الشناوي ومرسي جميل عزيز وحسين السيد في الأغنيات العاطفية وصلاح جاهين وأحمد شفيق كامل في الوطنيات شاعرية أكبر.. ولهذا لم يكمل المشوار مع "سمير محبوب" الذي عاش بعد عبد الحليم حافظ خمسة عشر عاماً وهو يتساءل: لماذا لم يكمل مع عبد الحليم حافظ الرحلة التي بدأها في أغنيات "صافيني مرة" و"تبر سايل" و"ظالم وكمان رايح تشتكي".. وبعدها أخذ محبوب يشكو لطوب الأرض من ظلم عبد الحليم وتنكره لرفيق المشوار ولكن عبد الحليم ضحى بالصداقة من أجل الإبداع الأصدق والأجمل والأكثر عصرية سواء أكانت كلمة أو لحناً، وكانت لدى عبد الحليم بوصلة قادرة على أن تلتقط الجديد ويجمل به حديقته الغنائية ولهذا بعد الموجي والطويل ومنير مراد ينضم إليهم بليغ حمدي ولو امتد العمر بعبد الحليم حافظ فلاشك أنه كان سوف يتعاون مع عمار الشريعي وصلاح وفاروق الشرنوبي ورياض الهمشري ومحمد ضياء الدين وزياد الطويل وصولاً إلى وليد سعد ومحمد رحيم وعمرو مصطفى.. ومع الشعراء من أمثال بهاء الدين محمد وفاطمة جعفر وعماد حسن وبهاء جاهين وجمال بخيت وأحمد بخيت وكوثر مصطفى والمبدع الذي رحل مبكراً عصام عبد الله، كان عبد الحليم لديه قدرة على أن يلتقط الكلمة واللحن الأكثر عصرية وصدقاً وألقا.
الفنان هو ابن شرعي لكل ما هو معاصر على مستوى الألة وليس فقط المشاعر ولهذا يلتصق أكثر مطربي هذا الجيل بأغنيات الفيديو كليب، تشعر وكأنها تحولت إلى موضة صنعت من أجلهم، الفيديو كليب في عمقه هو الإبهار الذي يعتمد على اللقطة السريعة والوهج الذي يبرق ثم ينطفئ لكنه لا يمكث طويلاً في الوجدان، ولهذا لا يتوقف مصنع إنتاج الفيديو كليب.
دائماً ما تخلق الآلة نجومها ولهذا فإنه لولا السينما ما كان من الممكن أن يصبح لدينا مطربة مثل "ليلى مراد"، ولولا الميكروفون الحساس ما كان من الممكن أن ينجح عبد الحليم ونجاة، ولولا الفيديو كليب ما أصبح لدينا عمرو دياب ومصطفى قمر وهشام عباس ونانسي واليسا وشيرين وغيرهم.. إنهم أبناء شرعيون لعصر الفيديو كليب ولكن يبقى شيء مهم خارج عن إرادة الجميع وهو النجومية التي تولد مع الفنان أو الكاتب وهي كاريزما خاصة لا تخضع لأي مقياس علمي.. النجومية تجدها في كل المجالات وليس فقط الفن والأدب.. مثلاً الشيخ عبد الباسط عبد الصمد كان نجماً بين قراء القرآن بينما الشيخ محمود خليل الحصري شيخ المقرئين في العالم أجمع كان شيخاً كبيراً وجليلاً لكنه ليس نجماً!!
رغم ذلك فإن النجومية يجب أن يحافظ عليها الفنان بالثقافة والاطلاع على الثقافة العامة وعلى الحياة.. ومن خلال متابعتي للأحاديث القليلة التي تحتفظ بها الإذاعة والتليفزيون لعبد الحليم وتبثها في ذكراه أشعر أن عبد الحليم كان أكثر ثقافة ووعياً وإدراكاً حتى ولو كانت ثقافته مجرد ثقافة سمعية من خلال اقترابه من العمالقة من كبار الكتاب ولكن عبد الحليم كان يمتلك موهبة الكلام حتى ولو كان كما وصفه كامل الشناوي "يصدق إذا غنى ويكذب إذا تكلم "فهو قادر على الإقناع وعلى توجيه النقد بخفة ظل ودهاء.. مثلاً عندما عاتبه فريد الأطرش لأنه قال عنه أنه في عمر أبيه قال له ضاحكاً "ما تزعلش انت في عمر جدي.." وعندما أراد أن يقول رأياً سلبياً في هاني شاكر اكتفى بقوله" صوت كويس ولكن ليس لديه طموح" وهو تعبير قاسي بقدر ماهو ناعم الملمس.
عبد الحليم حافظ كان قادراً على تسويق فنه والدفاع عن نفسه..
رحل "عبد الحليم" قبل أن يكمل 48 عاماً وعدد كبير من مطربينا وصلوا إلى نفس الرقم، بل تجاوزوه ولا نزال نطلق عليهم شباباً!
أنهى "عبد الحليم" مشروعه الغنائي قبل الثامنة والأربعين وهم لا يزالون يبحثون عن مشروع!
عرف "عبد الحليم" أن السينما هي رصيده في الزمن القادم، لهذا فإن أكثر من 80% من أغنياته هي أغنيات سينمائية لهذا فلو أدرك "عبد الحليم" عصر "الفيديو كليب" لأحاله إلى قوة دفع جديدة تمد في عمره الفني سنوات حتى بعد أن تجاوز الخامسة والسبعين!!
فنان بحجم وفكر "عبد الحليم" لا يمكن أن يتحول إلى "ندابة" تهاجم جيلاً وعصراً ونبضاً وإيقاعاً ونغماً جديداً، لكن من المؤكد أن "عبد الحليم" كان قادراً – لو امتد به الأجل- على أن يغني على إيقاع هذا الزمن بأسلوب حليمي المذاق ليغير بوصلة "الفيديو كليب إلى الاتجاه الصحيح!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.