فى الوقت الذى تتواصل فيه عملية «عاصفة الحزم» التى تستهدف إعادة الأمن والاستقرار إلى اليمن، علينا أن نتدارس الموقف بعناية، حتى يكون للمشاركة المصرية فى تلك العمليات ضد المسلحين الحوثيين معنى واضح ونتيجة مفيدة. بادئ ذى بدء، يمكن القول إنه لم يكن من الممكن الصمت إزاء ما يتعرض له اليمن وشعبه الشقيق من تهديد لمقدراته، خصوصا عقب التطورات الأخيرة وتوسع الحوثيين، ومحاولتهم السيطرة على عدن بعد صنعاء. ولا يخفى على أحد أن التقدم الصادم للمسلحين الحوثيين وانقلابهم على الدولة والشرعية خلال الفترة الأخيرة، قلب الموازين السياسية والاستراتيجية، ليس فقط فى اليمن، بل وفى منطقة الخليج وباقى الدول العربية. إن الخطر الحوثى، الذى يعد بدرجة أو بأخرى وكيلا معتمدا للتمدد الإيرانى، بلغ «باب المندب»، وهو ما يشكّل تهديدا بالغ الخطورة على أمن واستقرار المنطقة، خصوصا أن «باب المندب» شريان حيوى للملاحة فى المنطقة والعالم، ويرتبط ارتباطًا كبيرا بقناة السويس، مما يعنى أننا أمام تهديد حقيقى ومباشر للأمن القومى المصرى. يحاول البعض القول إن الحوثيين لا علاقة لهم بإيران وأطماعها فى المنطقة، وفى ذلك تبسيط مخلٍّ للأمور، ذلك أنه وإن كانت الحركة الحوثية تمتلك جذورا حقيقية فى المجتمع اليمنى، فإن الأكيد أن ارتباط الحوثيين بطهران ازداد بشكل كبير فى السنوات الأخيرة. ومع سحب الدول الكبرى ودول الخليج سفاراتها من صنعاء، رد الحوثيون على العزلة الدولية بفتح جسر جوى مباشر مع إيران التى تعهدت بدورها تأمين الوقود لمناطقهم وبناء محطات كهرباء، فضلا عن دعمهم فى التصريحات الرسمية ل«ثورة شعبية» يمنية داخلية. ويُذكّر القائد الشاب لحركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثى، بزعيم «حزب الله» اللبنانى حسن نصر الله، من حيث الطريقة فى التعبير أو فى مضمون الخطاب الذى يركز على محاربة الفساد والعداء للغرب وإسرائيل. وشعار الحوثيين هو «الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام». ويُتهم الحوثيون من قبل خصومهم عموما بالسعى إلى عودة الإمامة الزيدية، ولو أن ذلك لا يشكل جزءا من خطابهم السياسى المرتكز على تمكين «إرادة الشعب» و«محاربة الفساد والمفسدين» ومحاربة التطرف السُّنِّى. وكان يُعتقد فى السابق، أن حملتهم العسكرية فى الشمال عام 2014 تهدف إلى ضمان أكبر قدر من الأراضى لهم فى اليمن الاتحادى الذى يفترض أن ينشأ بموجب قرارات الحوار الوطنى، إلا أن تمددهم إلى سائر أنحاء البلاد عزز المخاوف من سعيهم للسيطرة على سائر البلاد بما يصب خصوصًا فى مصلحة حليفهم الرئيس السابق على عبد الله صالح الذى ما زال لاعبا كبيرا فى السياسة اليمنية. خاض الحوثيون الذين يتخذون من محافظة صعدة فى شمال غرب اليمن معقلا لهم، ست حروب مع نظام الرئيس السابق على عبد الله صالح بين 2004 و2010، إلا أن صالح بات حليفهم الرئيسى اليوم ويعد القوة الحقيقية خلف صعودهم المثير منذ 2014. بدأ الحوثيون فى 2014 حملة توسعية وضعوا يدهم خلالها على معظم معاقل النفوذ للقوى التقليدية فى شمال اليمن، لا سيما آل الأحمر زعماء قبائل «حاشد» النافذة، وسيطروا على صنعاء فى 21 سبتمبر، مستفيدين من عدم مقاومة الجيش الموالى بنسبة كبيرة للرئيس السابق على عبد الله صالح، كما سيطروا على دار الرئاسة فى يناير، وحلوا البرلمان ومؤسسات الدولة فى فبراير وفرضوا الإقامة الجبرية على الرئيس عبد ربه منصور هادى، الذى تمكن من الفرار إلى مدينة عدن الجنوبية، وأعلنها عاصمة مؤقتة. وأتى التدخل العسكرى الذى تقوده السعودية، فى وقتٍ كان الحوثيون فيه قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على عدن، ما كان ليعتبر انتصارا كبيرا لإيران عند الخاصرة الجنوبية للمملكة. من الناحية العملية، فإن عملية «عاصفة الحزم» التى تقودها السعودية لن تتمكن على الأرجح من القضاء تمامًا على الحوثيين كما أن الأهداف المعلنة للعملية هى تمكين «الشرعية» المتمثلة فى الرئيس هادى ومنع الحوثيين من السيطرة على البلاد. وربما كان السيناريو الأكثر منطقية هو نجاح تلك الحملة العسكرية على الأقل فى تحجيم الحوثيين ودفعهم إلى الحلول السلمية، لا سيما للعودة إلى إطار عملية الانتقال السياسى التى رعتها دول الخليج. لكن مشكلات اليمن لا تتوقف عند الحوثيين، فالبلاد تشهد حراكًا انفصاليًا كبيرا فى الجنوب ازداد زخمه مع سيطرة الحوثيين على الشمال، كما تعانى من نشاط تنظيم القاعدة والمجموعات المتطرفة الأخرى التى قد تستفيد من الوضع الحالى لتحقيق مكاسب على الأرض. وفى تقديرنا أن من أبرز مخاطر العملية العسكرية الدائرة فى اليمن هو أن عدم نجاحها فى إحداث تغيير على الأرض قد يقود البلاد إلى الانقسام. بعيدا عن التقدم المحرَز على صعيد العمليات العسكرية ضد المسلحين الحوثيين، فإنه يتعين القول إن ما تتعرض له دول المنطقة يستدعى إقامة قوة عربية موحدة، يكون هدفها الأساسى الدفاع عن الدول العربية ومصالح شعوبها، وفقًا لأحكام ميثاق جامعة الدول العربية واتفاقية الدفاع العربى المشترك، وبما يتوافق مع ميثاق الأممالمتحدة. إن قوة العرب تكمن فى تكاتفهم وتعاونهم وتوحيد صفوفهم، لمواجهة المخاطر الجسيمة التى تهدد أمن واستقرار الشعوب العربية، وعليهم تفويت أى محاولات لبثّ الفُرقة والتشرذم، التى تستهدف إضعافها وعرقلة مساعى وحدتها. دروس «عاصفة الحزم» وخطواتها يجب أن تكون محل اهتمام الجميع، حتى نخرج من الوضع الراهن بأكبر قدر من المكاسب، أو فى أسوأ الأحوال.. بأقل قدر من الخسائر.