كثير من نواب مجلس الشعب الذين وفدوا إلى المجلس في هذا اليوم قالوا إنه كان استثنائيا. اليوم هو 14 مارس 1976، كان نواب مجلس الشعب على موعد مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وكان على الأخير أن يخطب فيهم خطابا مختلفا، وأن يصارح أعضاء المجلس بتركة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر للنظام وثورة 23 يوليو. السادات للنواب: تركة عبد الناصر ثقيلة.. روح هزيمة مرّة وموقف خارجي ممزق والروس "وروه الويل" كانت أصوات معارضة لنظام الراحل عبد الناصر تنادي بالإفصاح عن ذمة عبد الناصر المالية، بعد 3 أعوام من حرب أكتوبر 73. لكن السادات تحدث عن ذمة عبد الناصر السياسية.. جلال الدين الحمامصي، أحد أعمدة الصحافة المصرية وأساتذتها الكبار، تم فصله بشكل نهائي في عهد عبد الناصر من العمل في الصحافة؛ لأنه كان أحد أهم الكتّاب الذين تناولوا في مقالاتهم أزمة تأميم الصحافة على الحريات العامة والرأي العام، وقد دوّن بخط يده ما قاله السادات في خطبة مجلس الشعب 14 مارس. يقول الحمامصي: في هذا اليوم وقف السادات في مجلس الشعب ليدافع عن ذمة عبد الناصر المالية.. ولكنه لم يستطع أن يدافع عن ذمته السياسية، فقال السادات: "ترك لي عبد الناصر.. أنا باصارحكم لأنكم شركائي.. لأن إحنا زي ما قلت لكم في المركب سوا، رايحين السنة دي سوا. ترك لي عبد الناصر، وهو كما تعلموا أخي وصديقي، ترك لي تركة كلكم تعلمونها ما هي هذه التركة؟". ومضى السادات في حديثه، الذي نقله الحمامصي في نقاط محددة قائلا: موقف خارجي ممزق مع جميع العالم. ممزق مع الأمة العربية. ممزق مع أمريكا. ممزق مع غرب أوروبا. ممزق مع دول كثيرة جدا في هذا العالم. ويكفي أمتنا العربية اللي هي عيلتنا ممزق.. آدي الموقف السياسي". "ترك لي موقف عسكري وإسرائيل على ضفة القناة، والروس جاي كلامي عنهم وروه الويل.. حقيقي لم يكن له غير الروس حاحكي لكم قصة كيف فعلوا به. جاي في وقت لما أنا باتكلم عن الروس.. وده الموقف السياسي زي ما قلتلكم والموقف العسكري.. والموقف العسكري مش بس كده.. هزيمة .. وروح هزيمة مرة.. ألم.. جماعة يدعوا أن لهم تركة.. ترك لي ورثة كل يدعي أنه صاحب تركة عبد الناصر وبعضهم لغاية النهاردة لسة معتقد هذا". "اقتصاديا، جاي لكم وأنا بشرح الموقف الاقتصادي.. لم نصل في حياتنا إلى موقف اقتصادي كما وصلنا لما نحن فيه اليوم.. من كل النواحي". "كل ده كان شيء وأمر واحد تركة لي أنا تعبت وعانيت ولازلت أعاني منه هو الحقد.. الحقد اللي استشرى في البلد بين الكل". يقول الحمامصي إن الجماهير استمعت إلى خطاب السادات وخرجت بعد ثلاث ساعات من التركيز على كل كلمة ذكرت فيه وقد أنهكها ما سمعت، وكان الإجماع أن أحدا لم يصف عهد عبد الناصر بما وصفه خليفته، وأن ما قيل عن ذمة عبد الناصر السياسية كان أشد قسوة مما قيل عن ذمته المالية، وخرجت الجماهير أيضا على اختلاف آرائها بعد الاستماع إلى الخطاب برأي واحد هو أن ثورة التصحيح قد أصيبت بنكسة في أعزّ ما حاولت تحقيقه وهو حرية التعبير، سواء أكان ذلك في المجلس النيابي أم في الصحافة وأجهزة الإعلام. بل ذهل الناس إذ شهدوا أو سمعوا التصفيق الحاد الذي قابل المجلس هذا الاتجاه". بحثا عما قاله السادات في مجلس الشعب في ذلك اليوم، بعيدا عن "تدوينات" جلال الدين الحمامصي، يظهر مقطع من السادات يتحدث عن موقف معمر القذافي، الرئيس الليبي الراحل، من الاتحاد السوفيتي، الذي تعامل معه باعتباره كافرا وملحدا، ثم تعاون معهم. وتساءل السادات: هو الاتحاد السوفيتي فجأة آمن؟! ويعقّب الحمامصي على كلام السادات في مجلس الشعب، وهو يتذكر ما قاله "حسن إبراهيم"، زميل السادات وعبد الناصر في مجلس قيادة الثورة، بما وصفه "الحمامصي" بأنه "اعتراف خطير"، وهو أن السادات قال سابقا: "كلما رفعت الغطاء عن موقع من المواقع فاحت الرائحة الكريهة.. إن المخلفات أفظع مما كنت أتصور".