تمكن الخليج من تجاوز تحديات عديدة ومتواصلة من الخمسينيات وحتى اليوم. ومن ثم فهو لن يقف عاجزا أمام تحدى «داعش». تمكن الخليج من تجاوز التحدى الناصرى، الذى انطلق من القاهرة، فى الخمسينيات والستينيات. وأزعم أنه نجح فى تفريغ ذلك التحدى من محتواه فى السبعينيات وما بعدها، ولا يزال يواصل تفريغه، حتى وصل اليوم إلى استخدامه فعلا وقولا. مرة ثانية، فى السبعينيات نجح الخليج فى تجاوز التحدى، الذى مثلته منظمات القتال الفلسطينى. وفى الثمانينيات، وللمرة الثالثة، نجح فى تجاوز تحدى سخونة الثورة الإيرانية وجاذبية تصديرها. ولا يزال قادرا على امتصاص التحدى الإيرانى-الشيعى. المرة الرابعة، كانت فى التسعينيات، حين نجح فى تجاوز تحدى صدام.. والنتيجة: من تمكن من امتصاص كل هذه التحديات، لا أعتقد أنه سيقف مذهولا قدام تحدى داعش ، وهو التحدى الأكثر بؤسا قياسا بالتحديات السابقة.. بالأحرى هى تحديات ما تنفك تضعف: فى أولها كان التحدى عنيفا جدا، وهو التحدى الناصرى، الذى مد يده حتى وصلت إلى باب المندب. وظلت التحديات تواصل ضعفها، حتى وصلت إلى التحدى الأسخف: تحدى داعش . ومن ثم فتحدى داعش لا يمكن أن يكون هو من أتى بالرياض إلى القاهرة. الملك عبد الله وجد محورين فى الشرق الأوسط: المحور الإيرانى والمحور التركى-القطرى. فأراد خلق محور ثالث تكون السعودية رأسه. وفى هذا السياق هبط بطائرته فى القاهرة، ودون أن ينزل منها طلع إليه فرعون مصر، السيسى، وقبل عقاله. تقبيل العقال فيه رضاء بالدور، ورضاء بالمقابل، وهو مقابل مادى على كل الأحوال. قاعدة سعودية مصرية إماراتية كويتية لمحور ثالث. لكن السعودية بعد موت عبد الله وتولى سلمان كان لها رأى آخر: إعادة الصراع إلى أساسه التاريخى ضد إيران.. إن شئت قل ضد الشيعة. تقوم العقيدة الوهابية على العداء الصارخ لكل ما هو شيعى. طلوع الحوثى ليس سوى تأكيد التوجه التاريخى، وليس إيقاظا له. يبدو أن القاهرة لم تحسن قراءة الإشارات القادمة من الرياض: عليك إصلاح ذات البين، وإصلاح ذات البين هنا معناه التصالح مع الإخوان، ثم سنحطك فى موقع ما فى صراعنا مع الأعداء الشيعة. لكن مصر، بطبيعة التكوين، ليست عدوة للشيعة. يقولون: مصر شيعية الباطن سنية الظاهر. ثم إن أعداء مصر على الدوام: إما فى الجنوب عند النيل، وإما فى الشرق خلف سيناء. لكن مصر التى ضاقت بها السبل تريد التوجه إلى الغرب ربما لتتمون بالوقود. حاول السادات بإيحاء إسرائيلى من قبل، أن يمون من الغرب، لكنه بوغت بالموقف الجزائرى، كما بوغتت مصر اليوم بالموقف الجزائرى نفسه، وإن باختلاف الأشخاص. من رفع يده فى وجه السادات فى السبعينيات كان الهوارى بو مدين، ومن رفع إصبعه فى وجه السيسى فى العشرية الثانية من الألفية الجديدة هو بوتفليقة. العودة إلى مصر هى الطريق، والمواطنة والتعددية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، هى الوصفة.