هذه هى الرسالة الثانية التى أكتبها لفضيلتكم، من نفس النافذة وفى نفس الصحيفة. فى رسالتى الأولى طلبتُ من فضيلتكم التدخل لمعالجة مشكلة المحاكم الشرعية، التى اجتاحت سيناء بعد ثورة 25 يناير. تلك المحاكم اليوم لم تنتهِ، بل غطست تحت الأرض بعد دخول الجيش على خط الحرب على الإرهاب، وقيامه بتفجير مبانيها. نعم يا فضيلة الإمام فقد شيدت تلك الجماعات الدينية مبانى ضخمة، بُعيد الثورة، كان خلق الله الفقراء يصطفون على أبوابها بالآلاف، ويحجزون أدوارهم فى الدخول إليها، قبل الميعاد بشهور وقد تصل فى بعض الأحيان إلى سنة. أقول، تلك المحاكم اليوم دخلت تحت الأرض، حتى لا أقول إنها تحولت إلى وقود للإرهاب الذى يضرب سيناء اليوم. على كل الأحوال، ليس هذا موضوع الرسالة التى أكتبها إلى فضيلتكم اليوم. موضوعى هو تلك الفتوى التى تناقلتها المواقع الإلكترونية وذكرت أنها صادرة عن الأزهر. موضوع الفتوى: الأزهر يحرّم رؤية فيديوهات الذبح التى تُصدرها جماعات دينية راديكالية ويُحرم إعادة نشرها. اسمح لى يا فضيلة الإمام أن أقول إن المشكلة إطلاقًا ليست فى الفيديوهات. بل فى النصوص التى تختبئ خلفها. تلك الفيديوهات ليست سوى روائح تخرج من بئر عميقة، يقف الأزهر حارسا عليها. مَن منّا لم يقرأ ذلك الحوار الشهير بين النبى عليه الصلاة والسلام، والصحابى الجليل سعد بن معاذ بخصوص يهود بنى قريظة، الذى انتهى بأن قال سعد رضى الله عنه: احكم بقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية. وهو ما رواه البخارى فى صحيحه. مثل هذه القصص تربَّينا عليها، قبل أن نكتشف أنها مجرد قصص وحكايات تنقضها قصص أخرى فى نفس الكتب. وينقضها الأصل القرآنى نفسه. لكن الأزهر انحاز إلى القصص عوضًا عن أن ينحاز إلى النصوص الصريحة فى القرآن، التى تطلب منا بوضوح شديد أن ندعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. هذه القصص، وقصص أخرى مثلها، هى التى أخرجت من بين صفوفنا مَن لم يكفّ عن الصراخ بهيستيريا: خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود. إنه الصراخ نفسه الذى تحوّل إلى قنابل متفجرة وانتحاريين يفجرون حالهم فى خلق الله العُزل المحشورين فى المترو والباصات. هؤلاء الانفجاريون الذين أنتجتهم القصص ارتدّوا علينا فى ما بعد، فصارت الجماعات الراديكالية تصرخ فى وجوهنا: ماذا رأيتم من الإسلام حتى تكرهوه؟! متناسية أننا خرجنا إلى الشوارع بصدور عارية نواجه الرصاص الحى وقنابل الغاز من أجل العيش والحرية والكرامة الإنسانية، وهى المطالب التى دعا إليها النص القرآنى الصريح، ولم نخرج من أجل استجلاب قصص من بطون الكتب الصفراء، تلك الكتب التى يقف اليوم الأزهر حارسا عليها. الفارق بيننا وبين الأزهر فارق فى المتن، وبينما يريد هو حشره فى الشكل، نريد نحن إزاحة القصص لمصلحة النص القرآنى الصريح. الأزهر يريد أن يحط القصص مع النص فى نفس الكفة. اسمح لى يا فضيلة الإمام أن أقول: علينا العمل على إعادة نشر تلك الفيديوهات، وفى نفس الوقت علينا أن لا نكفّ عن تذكير الخلق وتبصيرهم، بأن الفيديوهات ليست سوى روائح منبعثة من تلك البئر العميقة التى يقف اليوم الأزهر حارسًا عليها.