مثلما يستثمر جناح فى السلطة وتخومها الجريمة الإرهابية البشعة فى سيناء للتغطية على أى حديث عاقل عن مراجعة السياسات، وأسباب القصور التى تجعل الإرهاب ينفذ فى كل مرة بعمليات نوعية وكبيرة وفادحة الأثر، فقد استفاد الإخوان من الجريمة الإرهابية استفادة كبيرة، ليس فقط فى منحها الفرصة هى الأخرى لخلط الأوراق، والمتاجرة بالوضع فى سيناء، ومحاولة هز الثقة فى القوات المسلحة كمؤسسة، وإنما لأن الحادثة وما جرى بعدها من ردود أفعال وغضب، وهيستيرية وارتباك، صرفت الأنظار قليلا عن الانشغال الأعمق بالأخطر من «داعش سيناء». هل هناك أخطر مما يجرى فى سيناء؟ ما حدث فى سيناء ليس الأول، وإن كنا نأمل أن لا يكون الأخير، إلا أن طبائع مثل تلك الحروب ترجح أن المواجهة ستبقى مستمرة بين الجيش المصرى وهذه التنظيمات، مع التطور النوعى فى قدراتها، وما يبدو من حصولها على دعم لوجيستى غير عادى، يجعلها تنفذ عمليات مركبة فى ثلاث مدن فى ذات التوقيت، لكن هذه العمليات وإن كانت تنجح، لكنها لا يمكن أن توجه لجيش دولة غير طائفى ومدعوم شعبيا كالجيش المصرى ضربة قاضية أو مفصلية، أو تكرر سيناريو حكم مدن بأكملها، كما حدث فى سوريا والعراق. سيبقى داعش سيناء ، تنظيما مطارَدا، ينجح فى توجيه الضربات، لكنه لن ينجح فى حسم المعركة. وسط هذا الانشغال بسيناء، وقبل الحادثة عاشت البلاد مع المحاولات الإرهابية التقليدية فى المدن المصرية، ما بين حريق هنا وتفجير عبوة متفجرة هناك، واستهداف للشركات والمرافق العامة، مع إعلان حركات تسمى نفسها المقاومة الشعبية والعقاب الثورى وغيرها تبنى هذه العمليات، مع احتفاء بالغ من صفحات جماعة الإخوان والشخصيات المحسوبة عليها لعمليات هذه الجماعات. ظلت محاولات الربط بين العنف الحاصل فى الشوارع داخل المدن المصرية وجماعة الإخوان، مردود عليها أحيانا بعدم وجود الدليل، أو بإلقاء عبئها على أفراد بوصفهم أفرادا، حتى لو كانوا أعضاء فى جماعة الإخوان. لكن الأسبوع الفائت حمل إلى جانب هذا الدعم والتأييد والتحريض الإخوانى المعلن لعمليات إثارة الفوضى بالقنابل البدائية والحرائق، نشر موقع الجماعة الرسمى إخوان أون لاين نصا، وهو يشد على أيدى هؤلاء المخربين، يؤصل لهم ما يفعلون تأصيلا، يعود بجذوره إلى مؤسس الجماعة، ويدعوهم إلى مزيد من التضحيات والاستعداد للموت. تأسست الجماعة إذن كميليشيا لها غطاء سياسى ودينى وفكرى، وليس العكس، وكان البنا تحديدا يعد الجماعة للحظة صدام مع الرافضين لدعوة الإخوان، باعتبارهم رافضين للإسلام. هذا ما كتبوه بأنفسهم قبل أحداث سيناء، طالبين من أنصارهم الاستعداد لتغيير كبير، وهذا ما عبروا عنه فى الاحتفاء بعمليات الفوضى، ثم الشماتة فى موت الجنود، وفى بيان على قناة رابعة التابعة للجماعة يهدد الشركات والسياح ويتوعدهم بالاستهداف. الجماعة العسكرية تحاول إسقاط حكم العسكر ، وتطرح الميليشيا بديلا عن الجيش الذى فشلت خلال حكمها أن تحوله إلى ميليشيا تابعة للنظام الخاص، وتلقى فى سبيل السلطة الضائعة بمزيد من الشباب والبنات، الذين أقنعتهم أنهم ينصرون الدين، ويحسنون صنعا.