أصبح من الواضح، وبعد قرار اللجنة العليا للانتخابات بتحديد جدول زمنى لانتخابات البرلمان، أن النظام الحالى قد حسم أمره بأنه يقبل مقدمًا وطواعية بما ستأتى به صناديق الانتخابات، ومن ثم يقبل من يأتى من الفلول ومن الإخوان ومن المتأسلمين فى إطار تجميل النظام ومفهوم «كلهم بتوعى»، و«خليهم يتخانقوا فى ما بينهم»، ولكن هذا الخيار يصب فى إجهاض الثورة حاضرًا ومستقبلاً ما لم تنتبه القوى السياسية لخطورة ما يجرى. فالانتخابات تمت الدعوة إليها دون تحضير ملائم، ولم يتم استبعاد القوى المضادة للثورة والتى ثار الشعب ضدها مرتين، وتم تبرئة منظمة لمبارك ورموزه بل ونظامه بالكامل، والفاسدون يتمتعون بحرية كاملة فى الترتيب للانتخابات، والظهور فى التليفزيونات، حتى المساجين أصبحنا نقرأ لهم أحاديث ونسمع أصواتهم علنية فى قنوات الفلول (نموذج حسنى مبارك مع أحمد موسى، وحديث مبارك لجريدة الوطن وغيرها... إلخ)، ومن ثم فإن هؤلاء مدعوون بكل ترحاب للمشاركة فى الانتخابات وكأن ثورتين لم تقوما!! كذلك الإرهابيون من جماعة الإخوان وأنصارهم مدعوون للمشاركة بشكل غير مباشر، من خلال أحزاب متأسلمة يرفضها الدستور (مادة 74)، وبالتالى لم نستطع رصد وجودة إرادة سياسية ، حاسمة دعمًا للثورة ومتطلباتها واحترامًا لدماء الشهداء الذين نشدوا التغيير الجذرى بدمائهم، حتى قانون حماية الثورة الذى وعد به الناس، لم يصدره تحت إرهاب الفلول وقنواتهم وكأن أحمد موسى ومجدى الجلاد ومحمود الكردوسى وغيرهم هم من يصيغون أجندة الرئيس ويؤثرون على قراراته!! ويلاحظ أن دعاة تمييع الأمور وتسطيحها لتمرير الإخوان والفلول معًا، يطرحون فكرتين خبيثتين هما: أن الشعب قادر على الفرز ، و أن النظام كان به الصالح والطالح !! ولا شك أن هذه الأفكار لا تمتّ إلى الثورة وهدفها التغيير الجذرى، لأن من تعوّد على التخريب والتدمير والسلب والنهب والحصول على المنافع ومنها المناصب إن لم تكن للسرقة، فللوجاهة والاستقواء ودفع الثمن مقدمًا بتنفيذ التعليمات الصادرة له، بما يدل على مشاركته فى انتهاج السياسات المطلوبة منه وتنفيذها، وهو الأمر الذى أدى إلى إغضاب الشعب فثار مرتين، فهل هؤلاء يصلحون مرة أخرى للمشاركة فى بناء وطن جديد حر مستقل؟ وإلا فإن هذا الخيار الذى يسمح لهم بالوجود مرة أخرى، هو خيار إعادة هدم الوطن أو الاستمرار فى هدمه، وتكريس للفساد والانتهازية بكل وضوح. فالنظام الحاكم هو الفاسد سياسيًّا، وهو الذى ثار الشعب ضده، ولم يثُر الشعب ضد النظام بالمفهوم الواسع الذى يضم كل أطرافه، فمن شارك ونفذ ووافق على سياسات أو تشريعات وقاد الجماهير نحوها، فهذا مجرم وفاسد فى عرف الشعب الذى ثار، أما الذين كانوا يعارضون هذا النظام الحاكم، فمواقفهم مسجلة ومعروفة لدى الشعب، بل شاركوا فى قيادة الشعب نحو الثورة، ولكن الفكرة الخبيثة بعدم التمييز بين رموز النظام الحاكم ورموز المعارضة التى لم تهلل للنظام الحاكم ورمزه مبارك وعصابته، تجر الحديث إلى عدم فساد كل رموز نظام مبارك الذى كان يحكم ليبدأ فعل الشيطان ويتم إفساد أساس الثورة على نظام حاكم وهو نظام مبارك. فالتنفيذيون (أصحاب المناصب الحكومية من وزراء ومحافظين) شاركوا فى نظام مبارك، واستبعادهم من المشهد ضرورة ثورية احترامًا لإرادة الشعب، واستحضارهم مرة أخرى جريمة سياسية سيعاقب عليها لاحقًا كل من يشارك فيها، والسياسيون من قيادات الحزب الوطنى الحاكم والمنحل على جميع الأصعدة أجرموا فى حق الشعب، والسماح لهم جريمة سياسية أكبر، عندما يتركون لكى يترشحوا ويشاركوا، والمال السياسى خير شاهد!! والبرلمانيون من الحزب المنحل وافقوا على قوانين السلطة والحكومة، وبالتالى شاركوا فى السياسات والواقع الذى رفضه الشعب، وبعض الذين يروج لهم أنهم كانوا غير فاسدين، فإن السؤال المطروح: ولماذا لم يعترضوا على السياسات والقوانين عند طرحها؟! من عارض منهم فقد أفلت، فمن منهم عارض؟! وأنا شاهد لمدة 5 سنوات، كان هؤلاء يسعون لنا فى المعارضة للتأييد من أجل توريطنا ودعم الفكر التسطيحى فى ما بعد بأنه لا فرق بين مؤيد ومعارض. وبالتالى فإن فلسفة الإقصاء الثورى لها منطق، لم نجد من يدعمه فى السلطة الحالية إلا بالكلام المعسول دون إجراءات فعلية، وعلى ذلك فإن المتوقع مجهول وغير مرئى نتيجة عدم الحسم لصالح الثورة والشعب الذى يراقب الجميع وهو صاحب الكلمة النهائية، ونحن فى تحالف العدالة الاجتماعية قدمنا مشروعين، أولهما: لحماية الثورة، والثانى: بالحرمان المؤقت لمدة عشر سنوات لمن ثار الشعب ضدهم من قيادات الحزب الوطنى المنحل (سياسيًّا- تشريعيًّا- تنفيذيًّا) ومن جماعة الإخوان الإرهابية وأنصارها، وقدمناهما للرئيس عبد الفتاح السيسى حتى نخلى مسؤوليتنا أمام الله والشعب. ولذلك فالثورة مستمرة حتى النصر بإذن الله، وما زال فى الموضوع بقية، والحوار متصل.