تفضلت حركة 6 أبريل مشكورة، وأرسلت إلىَّ رسالة بصفتى أحد أعضاء لجنة الخمسين التى صاغت دستور البلاد فى عام 2014 «على حد وصفها». الرسالة عبارة عن مبادرة، وهى مبادرة موجهة لعموم الشعب المصرى، وليست موجهة لأحد بعينه، كما تقول الحركة فى رسالتها. الحركة ترى فى مبادرتها، بداية الخروج مما سمته الفرقة والتعصب والأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية التى تمر بها البلاد. من الواضح أن عصب المبادرة يقوم على فكرة التعايش، وهى فكرة وجيهة. لكنى أخاف من الخلط بين التعايش والتصالح. التصالح يقوم على المواءمات السياسية. أما التعايش فهو يقوم على فكرة الاعتراف بالمواطنة. التصالح قد يتم بين طرفين، أحدهما قوى والثانى ضعيف. التعايش يتم بين مواطنين أحرار متساوين فى الحقوق والواجبات. التصالح قد تنتجه الرغبة فى السكون/الهدوء. التعايش تنتجه الرغبة فى الاستقرار. والفارق بين الهدوء والاستقرار، بعيد بعد السماء عن الأرض. فأنت قد تحتاج إلى الهدوء لكى تنام مثلا. لكنك تحتاج إلى الاستقرار لكى تعمل وتنطلق وتتقدم وتتصارع فى بيئة، خطوط الصراع فيها واضحة وجلية ومفهومة. التصالح مفهوم قريب من مفاهيم قعدات العرب فى مضاربهم. الاستقرار صنعته الشعوب الحديثة فى مصانعها. قد تتصالح، حتى مع من يلوّح فى وجهك بالسكاكين، إن تنازلت عن حقوقك كمواطن حُر. لكنك لن تحس بالتعايش، ومن ثم الاستقرار إلا فى وطن يضمن حقوقك السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لا أعتقد أن حركة 6 أبريل، وهى الحركة المعروفة بتاريخها النضالى، تدعونى إلى التصالح مع من يلوّح فى وجهى بالسكاكين. من هنا أظن أنها أخطأت فى توجيه رسالتها إلىّ. فحركة 6 أبريل تعرف أن سيناء التى كان لى شرف المشاركة فى رفع اسمها عاليا سنة 2007. واستمر مرفوعا حتى قعود مرسى على الكرسى، حين ضربها الإرهاب، كما يضرب الوباء الماشية. سيناء اليوم لا أستطيع دخولها، إلا وأنا خائف أترقب. خائف من سكين تلوّح بها يد مجنونة أو طلقة تخرج من فوهة بندقية مذعورة. من يلوّح فى وجهى بالسكاكين، ليس لدىّ من أدوات لمواجهته سوى سكين مثل سكاكينه. ولأنه ليس من دورى ولا من واجبى الإنسانى والسياسى والاقتصادى والاجتماعى التلويح بالسكاكين فى وجه الخلق، فقد أجبرنى على أن أترك له الجمل بما حمل، وأرحل إلى أراضى الله الواسعة، فى انتظار أن يحترق بسكاكينه. علمنا التاريخ وفيزياء الواقع أيضا أن لا مستقبل لمن يريد فرض رأيه على ضعفاء الناس بحد السكاكين. يروعنى ما أقرأه على صفحات التواصل الاجتماعى من احتقار للشعب المصرى. هذا الشعب الذى لم أفقد فيه ثقتى أبدا حتى وأنا فى ظلام الزنازين (ومن حركة 6 أبريل نفسها من يشهد على تلك الثقة). ومن ثم فرسالة 6 أبريل ضلت طريقها. فجاءت إلىَّ بدلا من الذهاب إلى أمثال هؤلاء الذين يحتقروننى ويحتقرون المصريين (ظللت على الدوام مؤمنا بأن المصريين ناس يستحقون الحياة وتستحقهم الحياة لا أكثر ولا أقل). كان المفروض أن يكون طريق رسالة 6 أبريل نحو أولئك الذين يقوم مشروعهم، على تقديم حريتى وحقوقى قربانا على سلالم معابد كهنتهم. يا حركة 6 أبريل: لا أريد سوى الحد الأدنى من حقوقى فى العيش والحرية.. حين تضمنونها لى اعتبرونى متعايشا أوتوماتيكيا .