لن يعرض فى مصر الفيلم الذى يحقّق حاليًّا أضخم إيرادات فى العالم، ويتناول حياة سيدنا موسى «سفر الخروج: آلهة وملوك»، مثلما لم يعرض من قبل فيلما «نوح» و«ابن الله» وغيرهما. موزّع الفيلم لن يجرؤ على طلب استيراد نسخة، فلقد سبق أن فعلها مع فيلم «نوح» ولم يستطع عرضه، لأن الجهات الأمنية تخشى من إثارة البلبلة، والرقابة تعلم أنه لا يجوز عرض مثل هذه الأفلام حاليًّا. سيثار الموضوع إعلاميًّا، الرقابة ستؤكّد أنها لن تعرضه، ليس امتثالًا لرأى الأزهر كما تردد فى فيلم نوح ، لأن وزير الثقافة السابق صابر عرب، كان مباشرًا فى إعلان خضوعه للأزهر، وعلى هذا كانت الرقابة لا تجد غضاضة فى قبولها لما يراه الأزهر، بينما الوزير جابر عصفور يؤكّد أنه لا يخضع للأزهر، وعلى هذا يتم البحث عن سبب آخر يليق بأفكار الوزير، الرقيب عبد الستار فتحى سيضطر هذه المرة إلى التأكيد أن العيب فى النص وهناك مغالطات تاريخية لا يمكن عرضها لهذا السبب، ولم يأتِ أبدًا على ذكر اعتراض الأزهر. ما الذى سيقوله رجال الأزهر حول فيلم سيدنا موسى؟ سوف يرددون مجددًا أنه لا تجسيد للأنبياء، فلا تراجع ولا استسلام، ولن تجد لديهم إجابة عن هذا السؤال: إذا كان حقًّا التجسيد ممنوعًا للأنبياء فلماذا لم نسمع لهم صوتًا عند عرض فيلم آلام المسيح لميل جيبسون، قبل عشر سنوات فى مصر؟ أنا أعرف السبب، وهو أن الدولة طلبت من الشيخ الراحل سيد طنطاوى الصمت، وكأن شيئًا لم يكن، وبالفعل لم يقل الأزهر وقتها رأيًا. الأزهر الشريف مقيّد فى الحقيقة بقرارات توارثها عبر نحو 100 عام، تمنع تجسيد الأنبياء، والقوس يتّسع إلى الخلفاء والصحابة والمبشرين وآل البيت، أى أنه فى الحقيقة يمنع تجسيد أى شخصية مرت فى التاريخ الإسلامى طوال عهد الرسول، عليه الصلاة والسلام، رغم أننا شاهدنا عام 58 حسين صدقى يجسّد شخصية خالد بن الوليد فى فيلم، ولم يعترض الأزهر ، يبدو أن المجتمع فى تلك السنوات كان يتمتع بالمرونة، وكثيرًا ما كانت تُعرض أفلام عن السيد المسيح، ولهذا فمن البديهى أن يُعرض ببساطة فيلم عن سيف الله المسلول. الأمر دائمًا مرتبط برأس تلك المؤسسة الدينية، شيخنا د.أحمد الطيب، لا يريد أن يدخل فى صراع فكرى مع رجال هيئة كبار العلماء، حيث إن هناك إجماعًا يمنع التجسيد رغم أن بعضهم فى الأحاديث الخاصة بعيدًا عن النشر يقول ممكن، ولكن عندما يصبح الأمر مرتبطًا بإعلان الرأى، يفضّلون الارتكان إلى ما استقر عليه السابقون، لا أحد يريد أن يُعمل العقل ويسأل عن جدوى المنع. إيران صوَّرت فيلمًا عن النبى ، وهو الجزء الأول الذى يتناول طفولة الرسول حتى العاشرة للمخرج مجيد المجيدى، والأزهر لن يفعل كعادته شيئًا أكثر من الشجب. الأزهر يعترف بالشيعة كمذهب، ولكن تظل قضية التجسيد محل خلاف، لن ندخل فى جدل فقهى، الحد الأدنى أن الزمن طرح تقنيات جديدة، وعلى رجال الدين إذا صح أن فى الإسلام توصيفًا لكلمة رجل الدين، على هؤلاء مسايرة العصر مثلما فعل قبل أكثر من 115 عامًا الإمام محمد عبده، وأباح مثلًا إنشاء مدرسة للفنون الجميلة -أقيمت بعد رحيله 1905 بثلاثة أعوام- ولكنه كمفتٍ للديار المصرية وقتها أباح إنشاءها، بينما المفتى السابق الشيخ د.علِى جمعة، والذى يوصف أيضًا بالمستنير، سألوه عن صناعة التماثيل، حرمها رغم أن الإمام محمد عبده مفتى الديار المصرية الأسبق، أباحها قائلًا إذا كان الغرض من نحتها هو الزينة فلا مجال للتحريم. ولا تزال مصر تنتظر شيوخًا أجلاء يستحقون حقًّا لقب مستنير.