اليوم الذكرى الثانية عشر لوفاة ذات الأداء المتقن، والإحساس العالي، إحدى فنانات الجيل الذهبي للسينما المصرية، ذات الموهبة الجبارة والحضور الطاغي، الراحلة العظيمة سناء جميل. الوحيدة ولدت ثريا يوسف عطا الله أو سناء جميل، بمدينة ملوي في محافظة المنيا، في 27 أبريل عام 1930، وانتقلت مع عائلتها إلى القاهرة وهي في سن التاسعة، وقام والدها بإدخلها مدرسة "المير دي ديو" الفرنسية ودفع مصاريف تعليمها وإقامتها بالمدرسة حتى المرحلة الثانوية، ثم سافر هو ووالدتها ولم يعودا، بدأت اهتماماتها الفنية في الظهور أثناء الدراسة؛ فشاركت في عروض المسرح المدرسي، من خلال مسرحيات باللغة الفرنسية حتى تخرجت من المدرسة، وعاشت مع شقيقها الوحيد، إلى أن أرشدها أحد جيرانها إلى معهد الفنون المسرحية؛ فالتحقت به دون علم شقيقها، لتكون واحدة من الطالبات المجتهدات بشهادة أستاذها العملاق زكي طليمات. الصفعة ظلت سناء جميل، تخفب عن شقيقها التحاقها بمعهد الفنون المسرحية، خوفًا من غضبه، لكنه سرعان ما عرف فصفعها على وجهها وطردها من المنزل، وكان ذلك في ليلة حريق القاهرة، 26 يناير عام 1952، ليتبنّاها بعد ذلك أستاذها زكي طليمات، الذي كان اكتشف ضعفها الشديد في اللغة العربية، حينما بادر بسؤال في أثناء إحدى المحاضرات؛ فرفعت يدها لتجيب، لكنها تعثرت كثيرًا، وهو ما دفع زميلتها آنذاك الفنانة نادية السبع، للرد عليها :"لما تبقى تعرفي عربي الأول إبقي ارفعي إيدك" فلما علم زكي طليمات بالأمر طلب من الفنان القدير عبدالوارث عسر تعليمها اللغة العربية الفصحى وساعدتها كلا من الفنانة القديرة سميحة أيوب والفنانة القديرة نعيمة وصفي على تعلّم العربية والعامية المصرية. تخرجت سناء جميل، من المسرح؛ لتلتحق بفرقة فتوح نشاطي المسرحية، ومنها إلى السينما لتقدم العديد من الأعمال منها "أنا بنت مين" 1950 للمخرج حسن الإمام، و"حكم القوي" 1951 لحسين الإمام أيضًا، و"سيدة القطار" 1952 للمخرج يوسف شاهين، و"بلال مؤذن الرسول" 1953 للمخرج أحمد الطوخي، و"حرام عليك" 1954 للمخرج عيسى كرامة. الانطلاق رغم الأدوار التي قدّمتها سناء جميل في بداية حياتها، إلّا أن انطلاقتها الحقيقة جاءت حينما أسند لها رائد السينما الواقعية صلاح أبو سيف، دور البطولة في رائعته "بداية ونهاية" عام 1960، وهو الفيلم الذي تلقّت فيه الصفعة الثانية في حياتها والتي أثرت على حاسة السمع لديها، حيث كان لها مشهد مع النجم عمر الشريف، والذي كان حينها في قمة تركيزه، فما كان منه إلّا أن انفعل فصفع سناء جميل على وجهها بمنتهى القوة، ظلت تعاني على إثرها من مشاكل في السمع حتى وفاتها. بعدها شاركت سناء جميل في عدد محدود من الأفلام بلغ 3 أفلام فحسب، حتى جاءتها فرصتها الثانية مع صلاح أبو سيف أيضًا، حينما أسند لها دور "حفيظة" في رائعته الزوجة الثانية، وكان معروفًا في الوسط الفني آنذاك أن صلاح أبو سيف، ديكتاتورًا في العمل؛ فلا يقبل أن يناقشه ممثل في توجيهاته، وكاد أن ينشب خلاف بين صلاح أبو سيف وسناء جميل، حينما طلب منها هي "بنت المدارس الفرنسية" أن تمشي حافية كالفلاحات على فضلات الماشية، وأن تتغلب على تقززها من الأمر، وهو ما رفضته سناء جميل، رفضًا قاطعًا، لكن توصل الاثنان لحل وسط، وهو أن تقوم سناء جميل بلصق "بلاستر" على قدميها حتى تقوم بإتمام هذا المشهد. علامات مضيئة كانت سناء جميل، فنانة انتقائية للغاية فكانت لا توافق على أي عمل يرسل لها، إلّا إذا أقنعها ورأت فيه سمات العمل الجيد، وهو الأمر الذي جعل حصيلة أعمالها قليلة مقارنة بحجم موهبتها، ورغم ذلك تركت سناء جميل إرثًا فنيًا ثمينًا، فتعد أدوارها علامات مضيئة في مجال التمثيل؛ سواء أمام كاميرا السينما أو على خشبة المسرح، فمن ينسى دورها في فيلم "بنك القلق" 1972 للمخرج عبدالقادر التلمساني، وفيلم "الشوارع الخلفية" 1974 للمخرج كمال عطية، و"فيلم توحيدة" 1976 للمخرج حسام الدين مصطفى، و"فيلم المجهول" 1984 للمخرج أشرف فهمي، وفيلم "البدرون" 1987 للمخرج عاطف الطيب، وغيرها من العلامات المضيئة في الشاشة الكبيرة. ورغم عدم استيعاب الشاشة الكبيرة لموهبة بحجم سناء جميل، إلّا أن التلفزيون كان نافذة أرحب تطل به علينا، تركت من خلاله العديد من الأدوار الرائعة، منها أدورها في مسلسلات "عيون" 1980 للمخرج إبراهيم الشقنقيري، و"سور مجرى العيون" 1993 للمخرج كرم النجار، و"خالتي صفية والدير" 1996 للمخرج إسماعيل عبدالحافظ، و"البر الغربي" 2001 لإسماعيل عبدالحافظ أيضًا، و"الرقص على سلالم متحركة" 2002 للمخرج مصطفى الشال، ودورها الأشهر "فضة المعداو" في مسلسل "الراية البيضا" 1988 مع المخرج محمد فاضل. وفي المسرح قدّمت العديد من الأدوار، كان من أبرزها دورها في مسرحية "زهرة الصبار" 1967 للمخرج والممثل كمال ياسين، وهو العرض الذي دفع عدد من النقاد لإطلاق لقب ملكة المسرح عليها. أمنية أخيرة في منتصف التسعينات؛ حينما علمت سناء جميل بإصابتها بسرطان المعدة، كانت لها أمنية وحيدة صرحت بها لزوجها الكاتب الصحفي الكبير لويس جريس، بأنها تتمنى أن تمثل أمام أحمد زكي، وقامت بطلب ذلك من زكي بنفسها، فما كان منه إلّا أن أجابها قائلً ا"هو إحنا نطول يا ست الكل" وأرسل لها سيناريو سواق الهانم الذي أخرجه حسن إبراهيم، عام 199، وسيناريو "اضحك الصورة تطلع حلوة" 1998 للمخرج شريف عرفة، ليحقق بذلك آخر أمنيات سناء جميل الفنية. وفي 22 ديسمبر ،2002 توفيت الفنانة سناء جميل، بعد صراع مع المرض، لكن المأساة لم تنته؛ فكانت عائلتها قاطعتها لعملها بالمجال الفني، الأمر الذي دفع زوجها لويس جريس، بتأخير دفنها لمدة 4 أيام، وقام بإعلان خبر وفاتها في جميع الصحف ووسائل الإعلام؛ طمعًا في أن يشاركه أحد أفراد عائلتها مراسم دفنها، لكن لم يظهر أحد، لترحل سناء جميل كما عاشت دون عائلة أو أشقاء.