قبل ظهور الإنترنت، الموبايل، أجهزة الكمبيوتر المكتبية، والمحمولة، الآت الجيب الحاسبة، والساعات الرقمية، أجهزة ظبط نبضات القلب، وأجهزة الصراف الآلي، نظام تثبيت السرعة في السيارة، وكاميرات المراقبة، أجهزة كشف الحركة، وألعاب الفيديو، ملايين الأجهزة، لم تكن لتظهر سوى بفضل نابغة، أطلق عليه زملائه لفظ "الفائق" احترامًا لسرعة بديهته، وتقديرًا لذكائه الخارق، ذلك الرجل الذي ساهم باختراعه للدوائر المتكاملة ورقائق المعالجات في فتح حياة تكنولوجية كاملة، نعيش فيها، ولا نعرف بأن فضلها، يعود إلى "روبرت نويس"، العظيم الذى لولاه لما رأينا ترفيهًا، ولا تقدمًا تكنولوجيًا. ولد روبرت نويس في مثل هذا اليوم، 12 ديسمبر لعام 1927، بولاية برلنجتون الأمريكية، وظهرت معالم شخصيته ورغبته الدائمة بالفوز في حادثة صغيرة التفاصيل كبيرة المعنى، استطاع فيها روبرت إلحاق الهزيمة بوالده في "جيم بينج بونج"، وبعد هذا الفوز ذهبت له أمه قائلة "عيب، أليس كان من الأفضل أن تسمح لوالدك الأكبر منك بالفوز"، ليشعر معها الإبن الصغير بالإهانة، قائلًا "إذا كنت تريد اللعب، فالعب من أجل الفوز"، كلمات نجح من خلالها روبرت في تأسيس شخصية احتاجها العالم وانتظرها، حتى تمضى الحياة إلى مرحلة، لم يتخيلها هو شخصيًا. وفي أثناء طفولته، وتحديدًا في سن الثانية عشر، نما حب روبرت إلى الاختراعات، فقام ببناء طائرة صغيرة الحجم، بالاشتراك مع شقيقه، لحقها ببناء جهاز راديو، من نقطة الصفر، والتعديل على زلاجته الترفيهية، بإضافة مروحة، ومحرك من غسالة قديمة، في سلسلة من الابتكارات ساهمت في تهيئته إلى مرحلة الدراسة، والتي نجح فيها أن يكون طالبًا "دحيحًا"، لا يعرف النجاح نظريًا فحسب، بل عمليًا أيضًا. وخلال مراحله الدراسية، خاصة فى المدرسة الثانوية، أظهر روبرت مواهب كبيرة فى الرياضيات والعلوم، وكان دخوله الكلية بعد ذلك بمثابة مفتاح السعادة، أثبت فيها لكل من حوله أهمية وجوده، واستحالة الاستغناء عنه، وظهر ذلك فى عدة مواقف، بداية من وقوف رئيس الكلية في صفه، بعدما كان من المفترض طرده من الكلية، لإضلاعه فى إحدى الحوادث، مرورًا بتكريمه من قبل زملائه بوصفه "الرجل الذى حصل على أفضل الدرجات، بأقل مجهود"، ونهاية بتخرجه من الكلية، حاصلًا على درجة البكالوريوس فى الفيزياء، والرياضيات، منتقلًا بعد ذلك، إلى مرحلة أخرى هامة فى مسيرته، هناك فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. حصل روبرت، على درجة الدكتوراة في الفيزياء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وانتقل بعدها إلى إحدى الوظائف كمهندس أبحاث، وسرعان ما تركها بعد تلقيه عرضًا لا يرفض، من مخترع الترانزستور، وصاحب جائزة نوبل "ويليام شوكلى" للعمل معه، فى المختبر الذى أسسه لأشباه الموصلات، وأثناء عمله هناك لم يشعر روبرت بالراحة النفسية، ليقرر معها بالاشتراك مع ثمانية من زملائه في الهروب، وترك الشركة فى عام 1957، لتأسيس شركتهم الخاصة التي سُميت ب "فايرتشايلد سيميكونداكتور"، الشركة التي تنامت في عشرة سنوات، وضمت أكثر من 11 ألف موظف، وحققت 12 مليون دولار من الأرباح. وفي عام 1959، توصل روبرت إلى واحد من أهم الاختراعات فى القرن العشرين، فقام بوضع العديد من المكونات الإلكترونية كالمقاومات، والترانزستورات على شريحة واحدة، مع طبقة من أكسيد السيليكون، مقدمًا لنا "الدوائر المتكاملة"، أو"رقائق المعالجات"، كما يطلق عليها في هذه الأيام، والتي لولاها، لن تجد تلك الأجهزة الإلكترونية التي نعمل عليها "مخًا" يديرها، وربما لم تكن لتظهر من الأساس. وبحلول عام 1968، أسس روبرت بالاشتراك مع إحدى زملائه شركة إنتل، والتي تعد من أشهر شركات التكنولوجيا فى القرن الحالي، وازداد التقدم التكنولوجي بعدها، وتطور عدد الترانزستورات التي يمكن وضعها على الشريحة الواحدة من ألف فى عام 1969، إلى 32000 فى عام 1975، وأخيرًا وليس آخرًا 3.1 مليون ترانزستور فى عام 1993 على رقاقة، لا يتعدى حجمها 2.15 بوصة، تضاعفت معها مبيعات شركة إنتل حتى وصلت إلى مليار دولار، ووصل معها روبرت إلى موعد، تعرض فيه إلى أزمة قلبية، لم يقدر معها على استكمال الحياة، ليتوفى عن عمر يناهز الثلاثة وستون عامًا، فى مسيرة حافلة قدم فيها 15 براءة اختراع مختلفة، أفاد بها العالم قبل أن يستفيد منها، ويسدل الستار على الرجل الذى يطلق أدى كامل مهمته فى "تعمير" الأرض، ونشر العلم بين جنباتها.