متعاطفة للغاية مع حركة «مقاطعون»، وأتفهم دوافعها النفسية والسياسية، نحن بالفعل نستحق أن نختار بين بديلين أفضل مما طرحته الجولة الأولى، وبالفعل لسنا أحرارا، طالما وُجدت ضغوط بنيوية على قراراتنا، وهذا ما يحاول أنصار المقاطعة أو إبطال الأصوات شرحه للناس، ففى رؤيتهم الحالمة يرفضون الثنائية الإجبارية لأنهم يرفضون الإطار بأكمله ويقلبون الترابيزة على رأس صانعها، لكن بعد المقاطعة ماذا نحن فاعلون؟ هل ستسفر المقاطعة عن اعتراف النظام السياسى والمرشحين بعدم شرعيتهم؟ أو أن يقولوا «يا خبر، الشعب مش عايزنا، أنا اتقهرت، وسأنسحب»، قبلنا من البداية المسار الانتخابى- القانونى منذ فخ الاستفتاء للأسف، إذن لا مجال للحديث عن عدم نزاهة القضاء (كان من الأول)، فى نفس الوقت لا ينفى ذلك الاستمرار فى اللعب على وتر المقاومة والعمل الثورى على الأرض لأكون واضحة، فالمخاطرة بالتحول الديمقراطى قائمة فى حال فوز أى من المرشحين، إذن إبطال الصوت مجرد إخلاء مسؤولية من عودة للديكتاتورية المباركية بالنكهة العسكرية أو اعتراض على احتمالية الفاشية الدينية. المقاطعة حماية للذات من اتخاذ قرار مؤلم ومحير، وأتفهم إحساس بعض الثوار بالإهانة والخيانة الشخصية من الإخوان (الذين أساؤوا إليهم بترديد اتهامات الأمن الوطنى، ووصفوهم بالمخربين والمحرضين على العنف فى موقعة فانديتا، وهو ما لم تعتذر عنه جماعة الإخوان حتى الآن، رغم أن الاعتراف بالخطأ فضيلة وخير الخطائين التوابون)، ما الذى يضمن أن لا يكرروا بيع الثوار مرة أخرى بعد الوعود المعسولة، الحقيقة، مافيش ضمانات، ولأن جماعة الإخوان تعلم علم اليقين أن الثوار الحقيقيين يفضلون قطع أيديهم عن انتخاب شفيق، يعلمون أن جعجعتنا ضد الإخوان فى النهاية لن يتمخض عنها قرار ملزم لهم، طالما سرنا فى طريق الانتخاب المعيوب. من جانب آخر، يروج للمقاطعة أنصار النظام القديم لأنهم يعلمون أن لجمهورها المستهدف من المتعاطفين مع الثورة الذين لن يعطوا أصواتهم لشفيق بطبيعة الحال، كما أننا هنلبس رئيس بموافقتك أو بدونها، والمقارنة بالعريس أو العروس على طرافتها غير مجدية، لأنك فى الحالتين سوف تربط مصيرك بمن لم تختره، بل اختارته أغلبية غيرك، كما أن الانتخاب ليس علاقة غرامية بين الناخب والمرشح، (بصراحة لا أحب أيا من المرشحين، وكلاهما به من العيوب، مثل ضعفهما فى مجال الخطابة) كذلك لا يمكنك أن تعترض على نتائج عملية رفضت المشاركة فيها أو محاولة التأثير عليها من الداخل. ورغم صعوبة القرار أجد نفسى مضطرة إلى أن أنتخب، يبقى سؤال: هتنتخب مين؟ ج: باختصار «لو عليّا، ولا واحد من الموجودين»، لكن الحقيقة أن البرادعى نجح فى إعطائى دفعة من الأمل فى إمكانية إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبقدر ما كان الأسى والاعتراض واضحا فى حديثه مع لميس الحديدى، وتصريحه أنه مقاطع العملية، إلا أنه مستعد لقبول نتيجة الانتخابات والتعامل معها، فلم يأمر أنصاره بإجراء معين ولم يخن من ينتخب، بل قال إنه مستعد لمقابلة مرسى إن رغب فى ذلك، وغير مستعد لمقابلة شفيق، لأنه رمز لعهد معين، كما اختار نشطاء ثوريون لا غبار على وطنيتهم مثل «6 أبريل» وبعض الاشتراكيين الثوريين المشاركة الصعبة ببراجماتية سياسية بحتة وفقا لمنطق انتخاب «أخف الضررين»، وذلك ليس عن حب أو عداوة مع الإخوان، على الرغم من بعض مواقفهم الشللية. أما المرشح شفيق المدنى بخلفية عسكرية (هذا إن لم يتم عزله) فيعِد بالأمن والرخاء الاقتصادى على طريقة رئيسه المخلوع، ولا يتورع عن مقارنة نفسه بلولا دى سيلفا، بل تلفت حملته الذكية النظر إلى نكتة البلوفر، وهى سياسة أثيرة للنظام فى احتواء معارضيه بلطف، ثم بالقمع لاحقا، لكن نلحظ مع اقتراب موعد التصويت اتهام الإخوان عينى عينك، بتدبير موقعة الجمل، ولنا أن نتخيل التهم السريالية التى ستوجه للثوار المدنيين من بعدهم، فى حال صحوة أجهزة الأمن القمعية من سباتها بكل شماتة إن فاز شفيق. من جانب آخر لا أستبعد نسف السياق المعيوب، بمعنى إن فاز مرسى وقامت ثورة خير وبركة، وإن فاز شفيق وقامت ثورة خير وبركة، فلنتعلم من أخطاء المرحلة الماضية ونفرز قيادة ثورية فورا، وممكن نثور عليها لاحقا أيضا، الخلاصة أن الانتخابات ليست نهاية العالم. الديمقراطية ليست كوشة وزفة، بل سعى حثيث متواصل، لن تأتى الديمقراطية الحقة إلا عندما يتسق القرار الانتخابى لكل مواطن مع اتجاهاته دون حشد عاطفى من عينة «عشان الشهداء» أو «عشان الأمن»، ودون هجوم وتقريع من عينة تبقى خاين أو جبان أو فلول أو إخوانجى أو الحصول على ميزة من مرشح، سواء ورقة بخمسين جنيه أو زجاجة زيت وشوال بطاطس. نحن نستسهل البحث عن إجابات جاهزة، تربينا على إجابات «كراسة الأول» و«سلاح التلميذ»، فالتساؤل والاعتماد على الذات مرهق للذهن وللنفس، لكننا نريد النتائج دون فهم العملية، وبهذه الطريقة نجد السؤال الشائع «يا عم الإجابة النموذجية للانتخاب إيه؟» وأنا أقول لك «إن كنت تريدها ديمقراطية، المفروض تفكر بنفسك!!».