محافظ كفرالشيخ يشهد نموذج محاكاة لمواجهة الأزمات والكوارث من مركز الشبكة الوطنية للطوارئ    صندوق النقد الدولي يخفض توقعاته لأداء الاقتصاد الألماني في 2025    «النواب» يقر منحتين ب11 مليون يورو لدعم حماية الطفل وتصنيع اللقاحات بمصر    كلية علوم التغذية بجامعة حلوان تنظم ندوة حول الذكاء الاصطناعي والتغذية العلاجية    بعد زيادة أسعار البنزين والسولار.. موعد زيادة الأجور والمعاشات والفئات المستفيدة    قيادي بحركة حماس: سنواصل المقاومة حتى وقف العدوان الإسرائيلي وإنجاز صفقة تبادل جادة    باحث سياسي: الاحتلال أرجع غزة عشرات السنوات للوراء    فليك مدرب برشلونة: لا أهتم بالماضي قبل مواجهة بايرن ميونخ    المحكمة تنظر استئناف المتهمين في قضية مؤمن زكريا 29 أكتوبر    الثقافة تدشن قافلة لطلاب المدارس بأسيوط ضمن مبادرة "بداية".. صور    قوات الاحتلال تدفع بتعزيزات نحو نابلس بعد اكتشاف قوات خاصة في البلدة القديمة    ولاء الشريف في أحدث ظهور لها من تأدية مناسك العمرة    فيديو.. فيفي عبده تساند الشعب اللبناني والفلسطيني بطريقتها    الطب الشرعي يفجر مفاجأة في اتهام موظف مدرسة إعدادي بالتح.رش بالطالبات    وصول عدد من الخيول المشتركة فى بطولة مصر الدولية للفروسية    حتى عام 2027.. مفاجأة بشأن تجديد عقد محمد صلاح مع ليفربول    حبس المتهمين في واقعة تزوير أعمال سحر ل مؤمن زكريا لمدة 3 سنوات    القاهرة الإخبارية: اعتداءات بالجملة على المزارعين والأراضي الفلسطينية    بسبب القصف الإسرائيلي.. نادين الراسي تغادر منزلها بالبيجاما    صور من كواليس مسلسل "وتر حساس" قبل عرضه على شاشة "ON"    خبير اقتصادى: وجود مصر فى مجموعة "بريكس" له مكاسب عديدة    وزير الصحة يشهد جلسة نقاشية حول التعليم كركيزة أساسية لتحقيق التنمية البشرية المستدامة    النائب العام يلتقي نظيره الإسباني لبحث التعاون المشترك    الدفاعات الجوية الأوكرانية تسقط 42 مسيرة روسية خلال الليلة الماضية    بعد تحريك أسعار البنزين.. هل أتوبيسات المدارس الخاصة تتجه للزيادة؟    طرق طبيعية للوقاية من الجلطات.. آمنة وغير مكلفة    غادة عبدالرحيم: الاستثمار في بناء الإنسان وتعزيز الابتكار أهم ما تناولته جلسات مؤتمر السكان    وزير التعليم العالي: بنك المعرفة ساهم في تقدم مصر 12 مركزًا على مؤشر «Scimago»    وزيرة التضامن ب«المؤتمر العالمي للسكان»: لدينا برامج وسياسات قوية لرعاية كبار السن    حبس سيدة تخلصت من طفلة بقتلها للانتقام من أسرتها في الغربية    رئيس القومي للطفولة والأمومة: 60%؜ من المصريات يتعرضن للختان    ذوي الهمم في عيون الجامع الأزهر.. حلقة جديدة من اللقاء الفقهي الأسبوعي    لهؤلاء الطلاب بالأزهر.. إعفاء من المصروفات الدراسية وبنود الخدمات - مستند    طلقت زوجتي بعد خيانتها لي مع صديقي فهل ينفع أرجعها؟.. وعضو الأزهر للفتوى تجيب- فيديو    وزير التعليم العالي يبحث مع سفير الأردن دعم التعاون الأكاديمي والبحثي بين البلدين    مقابل 3 ملايين جنيه.. أسرة الشوبكي تتصالح رسميا مع أحمد فتوح    رسالة غريبة تظهر للمستخدمين عند البحث عن اسم يحيى السنوار على «فيسبوك».. ما السر؟    ألمانيا تسجل أول حالة إصابة بفيروس جدري القرود    حقيقة الفيديو المتداول بشأن إمداد المدارس بتطعيمات فاسدة.. وزارة الصحة ترد    السجن المشدد 6 سنوات ل عامل يتاجر فى المخدرات بأسيوط    رئيس لجنة الحكام يحسم الجدل.. هل هدف أوباما بمرمى الزمالك في السوبر كان صحيحيًا؟    بث مباشر.. وزير التربية والتعليم يلقي بيانا أمام الجلسة العامة لمجلس النواب    منافس الأهلي - كريسبو: شباك العين تتلقى العديد من الأهداف لهذا السبب    الرئيس الإندونيسي يستقبل الأزهري ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    برغم القانون الحلقة 28.. فشل مخطط ابنة أكرم لتسليم والدها إلى وليد    مجلس النواب يوافق على تشكيل لجنة القيم بدور الانعقاد الخامس    رئيس الوزراء الباكستاني يوجه بإرسال مواد إغاثية فورًا إلى غزة ولبنان    أمين الفتوى: احذروا التدين الكمي أحد أسباب الإلحاد    وزير الزراعة يطلق مشروع إطار الإدارة المستدامة للمبيدات في مصر    انعقاد مجلس التعليم والطلاب بجامعة قناة السويس    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    إسرائيل تعلن القبض على أعضاء شبكة تجسس تعمل لصالح إيران    بعد إعلان التصالح .. ماذا ينتظر أحمد فتوح مع الزمالك؟    حريق هائل بمخزن شركة مشروبات شهيرة يلتهم منزلين فى الشرقية    الأمم المتحدة تدين القصف الإسرائيلي العنيف للمناطق الحضرية والسكنية في لبنان    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    إبراهيم عيسى يكشف سبب مطالبة الرئيس السيسي بمراجعة برنامج صندوق النقد    ثروت سويلم: قرعة الدوري ليست موجهة.. وعامر حسين لا يُقارن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مئات الآلاف من البوسترات لرجلين لا فرق بينهما
نشر في التحرير يوم 07 - 06 - 2012

استيقظت فجأة لأجدنى فى بلد عجيب.. بلد عمرى ما تصورت أصلا أنه موجود حتى داخل كتب السحر الأسود.. كل الساعات متوقفة كلها بدون استثناء بما فى ذلك ساعة الجيب التى أظل أتوهم أنها أثرية بينما هى فى الواقع قديمة فقط.. ولم أكن نائما فكيف داهمنى الإحساس بأننى استيقظت؟ شىء ما له علاقة بالضوء أشعرنى بأننا لسنا على أى حال بالنهار أو بالليل ربما فى أواخر المساء نظرا لأن الألوان الزاهية التى من المفترض أن ترتديها البنات فى هذه السن الربيعية بدت شديدة القتامة ضد ما هو منطقى كما لو أن ما بداخلهن من الإحساس بالقهر أو المهانة انتقل إلى الثياب. كُنّ يجرجرن أقدامهن المحشورة داخل شباشب السابو.
يجرجرنها من التعب أو اليأس بينما الرجال يسيرون أمامهن كالديوك المنفوشة على الآخر. كنت منقبضا بلا سبب أعرفه: أنا فين؟ لا أذكر بأى لغة طرحت السؤال أو لماذا أو على من.. الشىء الوحيد المؤكد هو أن صوتى لحظتها بالتحديد بدا لى غريبا كما لو أن شخصا آخر هو الذى يتكلم. إيه اللى جابنى هنا؟ تمتمت فى سرى ساخرا: قال يعنى كنت عرفت إيه اللى جابنى هناك!
وعلى الجدران مئآت الآلاف من البوسترات لرجلين لا فرق بينهما خُيل إلىّ أننى رأيهما من قبل لكننى لم أتذكر أين أو كيف أو متى أو لماذا أو فى أى المناسبة. الشعور الذى استبد بى هو أنهما لا يبعثان على الارتياح، وأن شيئا ما فى ملامحهما ينذر بالشؤم. أحدهما بدا لى على نحو ما صورة طبق الأصل من حسن الترابى أو الملا عمر. الثانى يشبه إلى حد ما دكتاتور بيرو: ألبيرتو فوجيمورى الذى جاء بالانتخابات ثم ذهب بثورة شعبية. جماعات من الملتحين يهللون للأول على حين تهتف الجماهير العادية باسم الآخر. لم أفهم شيئا من كل هذا الصياح.
عبثا يحاول الناس الذين يعانون من سوء التغذية أو تشكيلة الأمراض المتوطنة الأخرى أن يتفادوا الوقوع فى الحفر أو البالوعات أو على الأقل تجنب الاختفاء داخلها. كل من تصادف وجودهم بالقرب من هذه الوزارة أو تلك انهالت عليهم هراوات جنود الأمن المركزى أو الشرطة العسكرية أو البنادق السريعة الطلقات التى يقال دائما إنها لا تُستخدم، وأن هناك طرفا ثالثا يسميه أفراد الشعب باللهو الخفى هو الذى يصوب الرصاص الحى إلى الصدور والمطاطى إلى حبات الأعين. المتظاهرون أو الثوار لهم معاملة أخرى لا تختلف كثيرا أو قليلا عن جستابو هتلر، هنا أيضا يرتكبون هذه الفظائع! الظاهر أننا لسنا الوحيدين الذين يعيشون فى هذا الجحيم. هل تتشابه المناظر من بلد إلى آخر بكل هذه الجزئيات التفصيلية؟ أنقاض المبانى التى أشعل البلطجية فيها النار خلال الليلة الماضية بكل ما تخفيه تحتها من أحياء يطلبون النجدة بأصوات مختنقة سرعان ما تنطفئ الواحد تلو الآخر، ما عاد منظرها الكئيب لحسن الحظ يضايق المسؤولين عن البلد، فلقد دارتها عن العيون جبال الزبالة التى يحميها رجال الأمن الوطنى، مباحث أمن الدولة سابقا، من اقتراب الفضوليين ممثلى منظمات حقوق الإنسان أو كاميرات التليفزيون ذات الأجندات الأجنبية لولا أن ربات البيوت يصورن كل شىء بالموبايل ليظهر بعد دقائق على اليوتيوب، كأنى عشت أحداثا كهذه بالضبط فى مكان ما! صدق من قال إن الدنيا أصبحت قرية صغيرة. بل ربما حارة ضيقة يسمع الجيران من خلف الحوائط كل ما يجرى من أمور بالغة الخصوصية فى الشقق الأخرى.
حكى لى سائق تاكسى فى العقد السادس من عمره أو ربما أكثر أنه كلما ظهر أن الاختيار الوحيد أمام من يتصارعون على السلطة هو إما أن يتصرفوا كالرجال الذين يتمتعون بالحد الأدنى من الوطنية أم لا فإن الإجابة دائما هى لا. قال إنهم يفعلون ذلك بكل إباء وشمم. ثبات على المبدأ أثار إعجاب العدو قبل الصديق، تمسك بالموقف أذهل حتى المتخصصين فى سيكلوجية القتلة بالريموت كونترول، إصرار غير عادى قلما يجود الزمان بمثله على الاستماتة دفاعا عن المكانة الفريدة التى انتزعوها بكل استحقاق فى قاع بالوعة التاريخ، فلقد تمكنوا من ابتداع منظومة أخلاقية خاصة تجبّ كل ما عرفه الإنسان على مدى تاريخه الطويل، منظومة أخلاقية تعتبر أن الكرامة تهور، وأن الحرية استهتار، وأن الثورة مغامرة وخيمة العواقب. منظومة أخلاقية تؤمن بأن الصدق يكمن فى ما يحقق المصالح الفردية أو الجماعاتية الرخيصة. منظومة أخلاقية ترى أن الوصول إلى الحكم هو أغلى أمانيهم وأن الوفاء بالعهود بلاهة تؤخر التكويش على حتى أرواح الناس وأن الخطوة الأولى نحو النصر هى خداع الآخرين وأن إلقاء مفاتيح المدن والقرى وبيوت الآمنين وحضانات الأطفال تحت قدمَى صاحب الجلالة المرشد ملك قبيلة الإخوان هو الموقف الذى يليق بضحايا هذه الخرافات من الشباب المغيبين. لا أدرى لماذا بينما أنا أستعرض العناصر الأساسية فى منظومة هؤلاء الأخلاقية الخاصة خطر على بالى: اسم مهنة.
المرأة الأربعينية التى لوحت لى من داخل سيارتها فى الإشارة خُيل إلىّ أننى أعرفها. الظاهر أن من أجرى لها جراحة تجميل فى الأنف كان نجار مسلح، فلقد استبدل مشربية الوجه بالألوميتال، العينان البنيتان الغامقتان كحبات الكستناء عندما تنضج، اخضرتا بفعل العدسات اللاصقة. قريبة الشبه كانت من المرأة التى أعرفها لكنهما ليستا نفس الشخص.
الشرطة تسرع بضرب الناس قبل أن تبدأ المظاهرة أو حتى يتجمع المشاركون فيها، ثم يعلن المتحدث الرسمى باسم الداخلية أن شباب الثورة كانوا يعتزمون بزجاجات الماء البلاستيكية اقتحام مقر الوزارة.
من جهاز راديو صغير مع فتاة يجرى خلفها أربعة جنود، أسمع أم كلثوم تصرخ: يا دولة الظلم انمحى وبيدى! لا هى انمحت ولا بادت. إذن فنحن فى مصر: عملتوا فيها إيه يا ولاد ال…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.