أعلنت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية سحب ممثليها من الجمعية التأسيسية للدستور، وجاء قرار الكنيسة بضغوط شديدة من المجلس الملى، وبتأييد كبير من قائمقام البطريرك الأنبا باخوميوس، وقد جاء انسحاب ممثلى الكنيسة بعد ثلاثة أيام من قرار الأزهر سحب مرشحه من الجمعية، وبذلك تكون المؤسستان الدينيتان الرئيسيتان قد سحبتا مرشحيهما من لجنة كتابة الدستور، فى وقت كانت القوى المدنية من ليبرالية ويسارية وشخصيات مستقلة قد سبق لها الانسحاب من هذه الجمعية ليقتصر الوجود حاليا على قوى الإسلام السياسى من داخل البرلمان، وعدد من الشخصيات القريبة منها، ومن خارج البرلمان على ممثلين لهيئات ومؤسسات جرى اختيار عناصر تنتمى للفكر الإخوانى عامة منها، ومن ثم يحسبون على الإخوان بأكثر مما يمكن اعتبارهم ممثلين لهذه المؤسسات والهيئات، ولا بد أن نشير هنا إلى أن القوى المدنية اتخذت قرار الانسحاب بعد أن فشلت كل الجهود التى بذلتها من أجل إقناع جماعة الإخوان بتمثيل عادل لكل ألوان الطيف فى الجمعية التأسيسية، واستمرت الجهود حتى اللحظات الأخيرة، ففى الوقت الذى أعلنت فيه هذه القوى انسحابها من الجمعية، فإنها لم تغلق الباب أمام الحوار فى محاولة للوصول إلى تفاهم، وجرت جلسات حوار بين ممثلى القوى المدنية المنسحبة وتفاهم ممثلى هذه القوى على مجموعة من الشروط التى تكفل تحقيق التمثيل العادل لكل فئات المجتمع، منها أن تكون حصة التيار المدنى فى الجمعية ما بين 30 و35%، وأن يجرى اعتماد مواد الدستور الجديد بأغلبية خاصة تتراوح ما بين 70 و75% وذلك لضمان تفاهم غالبية الأعضاء على هذه المواد، وهناك من أضاف شرطا ثالثا نابعا من فقدان الثقة تماما فى جماعة الإخوان، وهو أن يجرى كتابة وتوقيع ما يتم التوصل إليه من تفاهمات حول أسس عمل الجمعية التأسيسية فى حضور شخصيات عامة وممثلين عن المجلس العسكرى الذى يدير شؤون البلاد، وهناك من أضاف طلب ضمانات حول عدم تغيير أى مادة من مواد الأبواب الأربعة الأولى من دستور 1971. عموما توافق ممثلو القوى المدنية المختلفة على هذه الشروط، وجرت فى اليوم التالى جلسة حوار بين ممثلين عن القوى المدنية وآخرين يمثلون جماعة الإخوان والقوى القريبة منها فكريا، وقد رفض ممثل الإخوان (المبتسم دائما) عرض القوى المدنية وأعلن بحسم من هم فى مواقع السلطة أن هذه المطالب مرفوضة تماما، وأن غاية ما يمكن أن توافق عليه الجماعة هو استبدال عدد من الشخصيات المنتمية إليها بشخصيات من التيار المدنى، تحددهم الجماعة، أما مسألة الأغلبية الخاصة فهو خط أحمر لا يمكن للجماعة أن توافق عليه، وانتهى الحوار عند هذا الحد، فكان قرار القوى المدنية على اختلافها، الانسحاب النهائى من الجمعية التأسيسية لكتابة دستور مصر، لأنها لم تعد جمعية تأسيسية مصرية، بل باتت جمعية الإخوان وشركائهم لكتابة دستور مصر، وأدرك ممثلو القوى المدنية أن جماعة الإخوان لن تقبل بأى حلول توافقية، فالجماعة تمر بمرحلة «نهم» شديد للسلطة ورغبة فى الحصول على كل المواقع الممكنة، وأن هذه الظاهرة لا تتوقف عند الجماعة بل تنسحب إلى قادتها الذين دخلوا فى سباق مع الجميع ومع أنفسهم أيضا للاستحواذ على أكبر قدر ممكن من المواقع والمناصب، فبعد أن سيطروا على البرلمان، هيمنوا على جمعية كتابة الدستور، لم تتوقف محاولاتهم لتشكيل الحكومة، وظهر التطلع الأخير لاقتناص منصب رئيس الجمهورية بعكس ما كانوا يقولون حتى أيام قليلة مضت. مشكلة ما تقوم به جماعة الإخوان مؤخرا أنه يدفع الجميع إلى مباراة صفرية بمعنى الحصول على كل شىء أو لا شىء، وفى مباراة من هذا النوع هناك مؤسسات فى المجتمع وفى صدارتها العسكرية، قد ترى فى لعبة المباراة الصفرية فرصة سانحة لاستعادة ما بدا أنها على وشك فقدانه بفعل ثورة 25 يناير.