30 ساعة كاملة، استغرقتها الرحلة من القاهرة إلى طرابلس عبر تونس، لكن حدثا بحجم سقوط القذافى ونظامه، يهون أمامه طول الرحلة ومشقتها. عقارب الساعة تشير إلى الثالثة والنصف عصر أول من أمس (الخميس) 25 أغسطس، لحظة وصولى وزميلى المصور الصحفى عبد الناصر النورى، إلى فندق «كورنثيا باب إفريقيا»، حيث يقيم الصحفيون والإعلاميون من مختلف أنحاء العالم بمنطقة سوق الثلاثاء القديم، فى العاصمة الليبية طرابلس. الفندق المزدحم عن آخره، كان المكان الوحيد الذى يستقبل القادمين إلى المدينة، بينما يتولى الثوار تأمينه كما يتولون تأمين مداخل طرابلس. القتال والمعارك، على محورين هما منطقة بوسليم وحى الأكواخ (الطريق إلى المطار)، وبخلاف المنطقتين، فإن الثوار قد أحكموا السيطرة على جميع أنحاء طرابلس، بينما يتبقى هناك عدد من القناصة أعلى أسطح المنازل يشتبكون مع الثوار بين الحين والآخر، وتسمع دوى إطلاق النار لكن ليس بكثافة. عادل جعبور أحد أفراد كتيبة شهداء العاصمة، قال ل«التحرير» إن العاصمة الليبية طرابلس شهدت مساء أول من أمس (الخميس) أيضا خروج كتيبة من طرابلس إلى منطقة زوارة التى تبعد 170 كيلومترا تقريبا غرب ليبيا فى اتجاه تونس بالقرب من منفذ رأس جدير الذى يشهد اشتباكات بين الثوار وكتائب القذافى، مؤكدا أن الثوار الذين تمكنوا من السيطرة على طرابلس وتحريرها لا يتجاوز عددهم 2000 مقاتل فقط من بينهم مهندسون وأطباء. 14 ساعة كاملة كانت كافية لنصل إلى الحدود التونسية-الليبية، حيث معبر ذهيبة كما يطلق عليه التونسيون، أو وازن كما كان يسمى فى عهد القذافى، منفذ وازن أصبح شريان الحياة للثورة الليبية، كما يقول نادر يوسف المتحدث الإعلامى لثوار 17 فبراير. نادر شاب فى الثلاثين من عمره، لا يزال أعزب لسبب وحيد كما يقول «كله منه»، فى إشارة إلى القذافى. يعمل مدرسا للغة الإنجليزية فى نالوت المدينة القريبة من الحدود الليبية-التونسية ويقطنها 30 ألف نسمة. سافر نادر إلى أمريكا لمدة عام ونصف العام لدراسة الماجستير فى جامعة أيوا بالتعليم عند بعد وتصميم مناهج دراسية، وسافر إلى القاهرة مرتين لحضور مؤتمرات دولية. الثوار قرروا تغيير مسمى المنفذ ليتحول من منفذ وازن إلى منفذ جبل نافوسه، الحياة على هذا المعبر مختلفة، تشهد رواجا اقتصاديا، ترى شبابا فى العشرينيات من عمرهم يعملون فى تغيير العملة من الدولار إلى الدينار الليبى أو التونسى، كما تجد سائقى التاكسى وعربات الأجرة يتقاولون على توصيل القادمين إلى ليبيا والنازحين منها، لكن أسعار المواصلات ارتفعت إلى أكثر من ضعفين، نظرا لنقص البنزين الذى ارتفع سعره من 10 دنانير للبرميل إلى 60 دينارا.. عند المعبر أيضا تجد المصابين، 10 حالات إصابة كانت حصيلة يوم واحد لمصابين قادمين من الزاوية، أحدهم يعمل مسعفا، بعد ضرب سيارة الإسعاف التى يعمل عليها، فى الطريق إلى المعبر تلاحظ سيارات الإسعاف التى تنقل المصابين من داخل ليبيا إلى تونس، وتعزيزات ومواد تموينية للثوار قادمة من تونس. الطريق إلى طرابلس، بدأته «التحرير» بالوصول إلى العاصمة التونسية ومطار قرطاج ظهر الأربعاء الماضى، ومنه إلى مطار مدينة جربة التى تقع فى أقصى الجنوب الشرقى لتونس، كان الخيار بعدها إما المرور عبر معبر رأس جدير أو ذهيبة، لكن المعارك لا تزال حامية الوطيس بين الثوار وكتائب القذافى عند المعبر. المسافة من مدينة جربة إلى معبر ذهيبة استغرقت 5 ساعات تخللتها استراحة فى مدينة مدنين، تناولنا خلالها الإفطار، كان الشىء اللافت فى الرحلة البرية هو وجود العلم التونسى أعلى أسطح منازل المواطنين. طاهر نصر (سائق تونسى) من مواليد 1957، تولى قيادة السيارة التى تقلنا إلى المنفذ الحدودى، طاهر يحفظ أشعار أحمد شوقى، ومسرحيات عادل إمام، ويردد دائما يا عم دا أنا غلباااان، لا يزال يتذكر طاهر بكاء والده على رحيل جمال عبد الناصر، بينما كان عمر طاهر لا يتجاوز 17 عاما، فى الطريق توقفنا للاستراحة، فإذ بالمقهى التونسى تعلو فيه أغنية لأم كلثوم، فى الطريق إلى المنفذ يتم بيع العلم الليبى تحديدا فى قرية بئر 30 التابعة لمحافظة قطاوين الحدودية، عشق التونسيين. بعد الوصول إلى المنفذ الحدودى، أخذنا سيارة أجرة إلى نالوت التى تبعد 75 كيلومترا تقريبا عن المنفذ، كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل بقليل ليبدأ فجر يوم الخميس، الطريق كله مظلم بين الجبل، والقرى على الطريق ليس فيها أى وسيلة للإنارة، بل إن بعض القرى تركها أهلها وفروا من المعارك إلى تونس. فى مدينة نالوت استقبلنا الثوار وفروا لنا سكنا للمبيت حتى الصباح، فى التاسعة والنصف تقريبا حزمنا الأمتعة إلى طرابلس فى مسافة تجاوزت 6 ساعات بقليل، فى الطريق شاهدنا لافتات شكر إلى قطر والإمارات وفرنسا. فى الطريق توقفنا بمدينة الزاوية التى شهدت اندلاع الثورة فى ميدان الشهداء يوم 20 فبراير، الطريق يتولى الثوار تأمينه، بعضهم يرتدى ملابس عسكرية والآخر يلتف بعلم الاستقلال لكن جميعهم يحملون السلاح.