هل بدأ انتقام جهاز أمن الدولة؟ هل تتشكل الآن عصابات للإرهاب، وربما فرق اغتيالات سياسية؟ هل يعرف اللواء منصور العيسوى ماذا يفعل ضباط أمن الدولة المبعدون؟ هل تابع نشاطهم؟ هل أصدر أوامره بتفكيك شبكات أداروها لصالح «مراكز قوى نظام مبارك» بمنطق يشبه العصابات الدولية، وبمفاهيم تعتمد أنهم الدولة وأنهم الذين يمنحون معنى الوطنية والولاء؟ كيف فكرت وزارة الداخلية فى «تفكيك» وإبطال فاعلية العناصر النشطة من الجهاز؟ الجهاز..؟ دون شروح كبيرة سيعرف من يعيش فى مصر ماذا يعنى عندما تشير فى حوار عابر إلى «الجهاز»، إنه اختصار مثير فى اسم رسمى: جهاز مباحث أمن الدولة، اختصار يعبر عن تضخم فى الدور والمكانة وحجم السيطرة، إلى درجة امتصت كل التفاصيل والهوامش والمعانى الأخرى، ليصبح هو «الجهاز» الذى يمنح المعنى للكلمة، ولكيان تضخم ومعه أصبح «أمن الدولة» أكبر من الدولة نفسها. الأمن أصبح الدولة، و«الجهاز» يعمل بانفصال شبه كامل عن دوره وحجمه إلى درجة غاب عنها الدور فسقطت الدولة التى يحميها. اكتشف «الشعب» لحظة اقتحامه مقرات أمن الدولة هشاشة «الجهاز»، وأن صانع الرعب ليس قويا ليحمى نظامه إلا بتفاهات من عصور بدائية تكسر الروح بإهانة الذكورة عند رجال يجبرهم الضابط على ارتداء فساتين الرقص الشرقى، والدوران فيما يشبه حفلات رقص، يردد فيها المعتقل: أنا مَرَة. لم يفهم الذين اقتحموا مقر أمن الدولة فى مدينة نصر لماذا عثروا فى مكتب الضابط على بدلة الرقص؟ هل كانت أدوات حفلات متعة تشحن الوحوش من أجل حفلات التعذيب..؟ أم أدوات إذلال بالضبط مثل تصوير اللقاءات الجنسية وتسجيل مكالمات غرامية؟ وهى أدوات حولت المخابرات فى عهد عبد الناصر إلى «كباريه سياسى» يقوده عقل مهووس بالألعاب الجنسية، والمخابرات كانت «جهاز» عبد الناصر كما أن «أمن الدولة» «جهاز» مبارك. وعلى اختلاف الزعيم عن الموظف مع تضخم الاحتياج إلى الأمن دون سياسة، انتهى كل جهاز إلى نفس المصير: السقوط المهين. سلالة واحدة تقريبا تولد من الديكتاتوريات الكبيرة، حين يصبح الشعب هو الهدف، والرأى جريمة تستلزم إنشاء جهاز أمنى خاص بها. الاستعمار علم الديكتاتوريات «المحلية» أن ترويض الشعوب لا يأتى إلا عبر أجهزة قهر تطارد الرأى وتراقب التمردات الصغيرة على «الصف». الاستعمار البريطانى فى مصر أنشأ سنة 1913 أول جهاز أمن سياسى تحت اسم «القلم المخصوص» وكانت عقيدته هى: الاستقلال عن بريطانيا خراب لمصر. عقيدة اعتبرت الاستقلال فكرة شريرة، على الأمن مطاردة أصحابها، واعتبرت الوطنية هى القبول بالاحتلال. ومن يومها ومع كل الأجهزة التى ورثت الجهاز فى عصور التحرر الوطنى.. استمرت عقيدة الأمن السياسى: نحن الوطن.. وضباطه يؤدون مهمتهم تحت ستار أنهم حراس الوطنية وحماة البلد. أين ذهب هؤلاء بتركيبتهم المعقدة نفسيا؟ هل يعرف وزير الداخلية؟ هل يتابع أحد من قادة الشرطة الجدد مصير هذه الحالات البشرية التى ذاب الفرق عندها بين الضابط والمجرم؟ «جهاز أمن الدولة» فى عهد العادلى وصل إلى القمة فى أسلوب «كسر الروح» و«إدارة الأمن للحياة السياسية لا مراقبتها فقط»، لتترسخ دعائم دولة بوليسية كما نفذت بكتالوج مصرى، توسع فيه دور الأمن بدرجة خرجت عن السيطرة، وقادت النظام كله إلى لحظة السقوط الكبير. الجهاز كشف عن هشاشة متوحشة، اعتمدت عناصره على نشر الرعب، لا الكفاءة فى الأداء، ربما لأن الحماية هنا ظلت تضيق إلى درجة لم يعد «الجهاز» يرى إلا نفسه، بناياته تتضخم، ومركزه بنى على شكل هرم مقلوب لا يمكن اكتشاف رأسه إلا بالدخول فى متاهته. ماذا فعل الضباط بعد الهروب من متاهة السقوط؟ هل أصبحوا زعماء عصابات تروع السياسيين وتحرك الواقع السياسى بالاغتيالات؟