أصدر العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز، بيانًا ناشد فيه مصر بالتجاوب مع الجهود المبذولة للم الشمل العربى والمساعدة فى إنجاح جهود الرياض لتحقيق المصالحة الخليجية مع قطر، ومن ثَمَّ المصالحة المصرية-القطرية، وردَّت رئاسة الجمهورية فى مصر ببيان مصاغ بعناية فائقة فيه تقدير وتبجيل للعاهل السعودى ودوره، وفيه إشادة بحكمته وحنكته، وتضمَّن البيان تجاوبًا كاملًا مع مناشدة العاهل السعودى. شمل بيان الرئاسة المصرية مناشدة وسائل الإعلام وقادة الرأى المساعدة فى إنجاح جهود لم الشمل العربى. أثار بيان الرئاسة المصرية دهشة واستغراب وسائل الإعلام المصرية التى رصدت تواصل العداء القطرى لمصر من خلال استمرار الدعم لجماعة الإخوان وفلولها الهاربة إلى قطر، واستمرار قنوات «الجزيرة» القطرية، فى حملاتها العدائية ضد النظام المصرى بل وضد مؤيديه والذين يمثّلون غالبية الشعب المصرى. تساءل بعض وسائل الإعلام المصرية عن الجديد الذى دفع رئاسة الجمهورية إلى إصدار بيانها، وتشكَّكت فى التزام قطر بأى تفاهمات تم التوصل إليها، وهناك مَن وصلت به الحال إلى القول بأن بيان رئاسة الجمهورية الذى صدر تجاوبًا مع رغبة العاهل السعودى مثَّل ضررًا بالغًا لمصر ومكانتها، لا سيما أن البيان التزم بالتهدئة، فى حين لم تلتزم قطر بها. فى تقديرى أن بيان رئاسة الجمهورية جاء تثمينًا وتقديرًا لدور ومكانة العاهل السعودى وجهوده المتواصلة فى دعم ومساندة مصر فى أصعب الظروف، ويكفى أن نشير هنا إلى بيان العاهل السعودى فى دعم مصر، والذى حذَّر كل مَن يقف ضدها ويعاديها، وقد وصل التحذير إلى الإدارة الأمريكية، وكذلك الحال بالنسبة إلى الجهود التى بذلتها السعودية لتغيير مواقف دول عديدة من ثورة الثلاثين من يوينو، هذا إضافة إلى الدعم المادى الذى قدَّمته ولا تزال تقدّمه المملكة لمصر. لكن بيان الرئاسة المصرية لم يصدر فقط تجاوبًا مع مناشدة العاهل السعودى، بل من رغبة حقيقية هادفة إلى إنهاء الخلاف مع قطر، فمصر وهى أكبر دولة عربية وتعلم تمامًا أنه لا توجد عداوات دائمة ولا صداقات دائمة فى العلاقات الدولية، بل توجد مصالح للدول تقتضى من حين إلى آخر تبديل وتغيير التحالفات، وتفرض أحيانًا تسوية الخلافات بل والصراعات، تدرك مصر أهمية وقف الدعم القطرى لجماعة الإخوان ووقف عمليات التحريض ضد مصر. أيضًا تدرك القيادة المصرية أهمية الفصل بين قطروتركيا، فالأخيرة تستفيد كثيرًا من التعاون مع قطر، ومن ثَمَّ فمصلحة مصر هى فك التحالف القطرى-التركى والعاطفية لمواجهة تركيا سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا. كشفت مصادر سعودية عن أن أمير قطر قدَّم تعهدًا مكتوبًا للعاهل السعودى بتغيير سياسة بلاده تمامًا فى غضون شهر، ومن بين هذه التعهدات وقف حملات الكراهية ضد مصر، وأحسب أن قطر يصعب أن تناور طويلًا فى هذه القضية، لأن العقاب السعودى-الإماراتى سيكون قاسيًا، ومن ثَمَّ فإن قطر سوف تغيِّر مواقفها تدريجيًّا، ولا يتوقَّع أن يبدأ التغيير فى الساعة التالية لتقديم التعهدات للعاهل السعودى، بل أتصوَّر أن التغيير يمكن أن يبدأ فى غضون أسبوعين من تقديم التعهدات، وعلى نحو تدريجى، ومن ثَمَّ علينا التريُّث والانتظار، فإن غيَّرت قطر سياساتها تجاه مصر فسوف يكون ذلك مكسبًا كبيرًا على الأقل من زاوية إضعاف نفوذ الجماعة هناك وفك التحالف القطرى-التركى، وإن لم تغيِّر قطر سياساتها فسوف تتعرَّض لعقاب خليجى -تحديدًا سعودى إماراتى- وعلى نحو يشل قدرات قطر فى الفترة القادمة.