أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية التونسية التى أجريت 26 أكتوبر 2014 عديدا من المؤشرات والدلالات السياسية، التى ستؤثّر بلا شك على نتيجة الانتخابات الرئاسية التونسية: 1- أن هناك نجاحا حقيقيا فى تونس، وهو إقامة قواعد نظام سياسى جديد يستوعب كل قواها السياسية، وهذه القواعد تعود جذورها إلى عوامل أساسية فى تركيبة الدولة والمجتمع فى تونس، وفى مقدمة هذه العوامل الرئيسية طبيعة العلاقات المدنية العسكرية، وقوة المجتمع المدنى التونسى، واستناده إلى قاعدة شعبية واسعة قادرة على تغيير معادلات القوى دائما. 2- مُنيت حركة النهضة بهزيمة كانت متوقعة لأسباب موضوعية، أهمها هو تقييم الناخبين التونسيين لأدائها المتواضع فى السلطة، حيث حصلت على 69 مقعدا من أصل 217 مقعدا، حيث خسرت حركة النهضة المعركة حتى فى الدوائر التى تمثل نظريا معاقل لها. 3- أن هناك خسارة فادحة ل«الترويكا» شريكَى حركة النهضة «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية» الذى يتزعمه الرئيس الحالى المنصف المرزوقى، حيث حصل «المؤتمر» على 4 مقاعد فقط، بعد أن كان بحوزته 29 مقعدا فى المجلس السابق من إجمالى 217 مقعدا، و«التكتل الديمقراطى من أجل العمل والحريات» بقيادة رئيس المجلس التأسيسى المنتهية ولايته مصطفى بن جعفر، فحصل «التكتل» على مقعدين مقابل 20 سابقا، أى أن الحزبين فقدا معا ما يوازى 25% من إجمالى أصوات التونسيين، وبالتالى أن ما خسره شريكا «النهضة» ذهب مباشرة إلى خصمهما حزب نداء تونس. 4- وضعت نتائج الانتخابات التشريعية المرشحين الرئاسيين الرئيس الحالى المنصف المرزوقى الذى حصد حزبة المؤتمر -كما ذكرت- 4 مقاعد فقط من أصل 217، والمرشح الآخر مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسى الوطنى، الذى حصد حزبه مقعدين فقط فى موقف حرج فى ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها فى 23 نوفمير الحالى، وبالتالى زادت فرص زعيم حزب نداء تونس باجى قائد سبسى، وبالتالى هناك تخوف من هيمنة السبسى على الرئاسة بجانب البرلمان والحكومة. 5- أصبح حزب نداء تونس باستطاعته تشكيل ائتلاف حكومى بالشراكة مع أى خليط حزبى يؤمن له 25 مقعدا فقط، يصل بها إلى الأغلبية البرلمانية (109 مقاعد من أصل 217 مقعدا)، بعد حصوله على 85 مقعدا من أصل 217 مقعدا، وهو أمر سهل نسبيا فى ظل استعداد أحزاب معروفة بعداوتها التاريخية والأيديولوجية لجماعة الإخوان المسلمين للتعاون معه مثل «الجبهة الشعبية» صاحبة ال15 مقعدا وحركة الشعب (مقعدين)، فضلاً عن «الاتحاد الوطنى الحر» الذى حلّ ثالثا ب16 مقعدا للتعاون معه، والجدير بالذكر أن «نداء تونس» فاز ببعض الأعضاء السابقين لحزب التجمع وهو الحزب الحاكم لنظام بن على. 6- نجح حزب نداء تونس قى حملاته الانتخابية من تكثيف شعارات تتصل ب«الهُوية الوطنية» والتاريخ التونسى، وبالتالى تمكن من بناء اتجاه عام رافض لسيطرة الإخوان المسلمين على السلطة وتغيير الهُوية الوطنية. 7- أظهرت نتائج الانتخابات معادلات لقوى جديدة، وأقصد هنا «الاتحاد الوطنى الحر» و«الجبهة الشعبية»، حيث دخلوا فى صلب معادلة القوة الجديدة، مستفيدين فى ذلك بقدرتهم على تسهيل أو تعقيد المسار السياسى، بحكم امتلاكها نسبة مرجحة داخل البرلمان (36 مقعدا) بعبارة أخرى يمكن القول إن هزيمة حليفى «النهضة» «التكتل» و«المؤتمر» شكّلت فى جانب منها فرصة لتفاعل سياسى أكثر مرونة على عكس التفاعلات والتحالفات خلال السنوات الثلاث الماضية. 8- أن المنافسة بين القوائم فى الانتخابات التشريعية التونسية مبنية على تحالفات سياسية أكثر منها تحالفات انتخابية، وهذا يظهر فى البرامج والقضايا الأساسية فى الاقتصاد والأمن والصحة والتعليم... إلخ، كما أن الأحزاب التى شاركت بشكل منفرد دون الدخول فى أى تحالفات مُنيت بهزيمة ثقيلة مثل حزبى التكتل والجمهورى، كما أن تعدد القوائم أسهم بشكل كبير فى تفتت أصوات الناخبين باستثناء تحالف الجبهة الشعبية الذى حصد 15 مقعدا من أصل 20 مقعدا، استهدفها تحالف الجبهة الشعبية.