لا تضيف جنازات ضحايا حوادث الطرق جديدًا، هناك مَن أقنع الرئيس بأن الحل هو تغليظ العقوبات فى قانون كل مشكلته أنه لا يُطبَّق بالأساس، والجهاز القائم على تطبيقه لا يتمتع بالكفاءة الكافية لإنفاذه، مثله مثل باقى مكونات ما يسمى الجهاز الإدارى للدولة. هذه الحكومة المترهلة ليست عبئًا فقط بسبب عددها المهول، لكن الأهم بسبب كفاءة هذا العدد، وثقافته. عقلية الموظفين هى أهم تحدٍّ يواجه المستقبل، ويواجه حتى طموح أى رئيس يريد أن يصنع لبلاده شيئًا، وهى عقلية أشبه بنظام تشغيل الكمبيوتر «ويندوز». تلاحقت التحديثات والتطبيقات و«السيستم» لم يتغير بالتوازى مع هذه التحديثات، والأهم أن هناك مقاومة شاملة للتغيير، وأيضًا صعوبة تنفيذية فى هذا التغيير على المدى القصير. ما الحل إذن؟ نبقى كل عام نشاهد الدولة ترتبك مع حوادث الطرق، وتكرر ذات الكلام، وترتبك مع موسم حرق قش الأرز، وتقف بلا حيلة دون استراتيجية واضحة لإصلاح التعليم، أو الخدمات الصحية، أو حتى مواجهة المشكلات المتزايدة فى سيناء. فى مسألة مكافحة الإرهاب مثلًا، كان جيدًا تعيين مستشار لمكافحة الإرهاب، لا يمكن فى وقت تتزايد فيه الهجمات الإرهابية ترك المهمة لوزير الداخلية بمفرده، وهو المتضخمة مسؤولياته عن المرور والأحوال المدنية والجوازات والكهرباء والأمن الجنائى وعشرات المسؤوليات الأخرى. الملفات المهمة تحتاج إلى أشخاص متفرغين لإدارتها، لكن مَن هم هؤلاء الأشخاص وما صلاحياتهم؟ بوضوح تحتاج مؤسسة الرئاسة إلى بناء نظام داخلها مغاير لنظام الحكومة، قائم على الملفات وبصلاحيات مختلفة ونمط مختلف من التفكير. يحتاج الرئيس إلى تعيين مفوّض خاص فى كل ملف من الملفات المهمة، التى يراها أولوية، هذا المفوض لا بد أن يكون من خارج دولاب الدولة، حتى لا يفكِّر بذات العقلية، ويحصل هذا المفوض على صلاحيات رئيس الجمهورية فى نطاق ملفه، ليصبح لدينا على الأقل رئيس جمهورية بكل نفوذه وصلاحياته فى ملف التعليم، كل أجهزة الدولة المعنية تأتمر بأمره كما لو كان الرئيس، توفِّر له البيانات والمعلومات، وتنفِّذ ما يطلبه. مفوض للمرور، يصحو وينام ولا يشغله شاغل سوى قضية المرور، يستعين بمن يشاء من خبراء، يقترح التعديلات التشريعية، يمارس ولاية مستمدة من تمثيله لرئيس الجمهورية على كل الأجهزة ذات الصلة، من أول المحليات والطرق والكبارى وحتى وزارة الداخلية، ومفوض لملف سيناء، ينشغل بكل ما يخص سيناء ويقدر على بناء استراتيجية تربط بين التنمية والمشاركة ومحاربة الإرهاب، ويشرف على تنفيذ هذه الاستراتيجية، ومفوض للطاقة، لديه الصلاحيات للإشراف على ملف توفير الطاقة بكل أطرافها فى وزارات الكهرباء والبترول والبيئة والمحافظات، وأكثر من مفوض فى ملف الصحة، يحتاج كل مرض متوحش إلى رئيس جمهورية يدير ملفه «السرطان، الكبد، الأوبئة، إلى جانب إصلاح النظام الصحى». تخيل مثلًا أن طبيبًا مثل الدكتور شريف أبو النجا، الذى تمرَّد على «سيستم» الإدارة الصحية التقليدى فى مصر، ونجح مع زملائه فى تأسيس «سيستم» مختلف فى مستشفى «57» يربط الممارسة الطبية بالبحث العلمى، وحقوق المريض بكفاءة الخدمة بعد تأمين مشكلة التمويل، جرى تعيينه مفوضًا خاصًّا لملف مكافحة السرطان، هو بالفعل عضو أحد المجالس الاستشارية لرئيس الجمهورية، لكن تخيَّل أنه يملك صلاحيات الرئيس التى تجعله يضع استراتيجية مكافحة تمتد من أول الإشراف على وجبات التغذية للأطفال الصغار فى المدارس، حتى التوعية البيئية للوقاية، وتمتد إلى مراكز البحوث الطبية، والعلاقات الطبية الدولية وملف الدواء، وإدارة ومتابعة المراكز الطبية، وتأهيل وتدريب الكوادر، وهو دور لا يمكن أن يقوم به مجلس استشارى، أو حتى مستشار، فكم من استشارات عظيمة نامت فى الأدراج، لكن نظام المفوض الخاص يجمع بين كفاءة التخطيط ونفوذ التنفيذ، بالاستعانة بشخص متخصص فى كل ملف لا يشغله عن ملفه شاغل، ليس عضوًا فى مئة هيئة، ولا مسؤولًا عن عشرات الاختصاصات. تحتاج كذلك إلى مفوض لشؤون الاستثمار، ومفوض لشؤون المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومفوض لشؤون الاقتصاد غير الرسمى، ومفوض لكل مشكلة مزمنة نحكى عنها من عشرات السنين، وفشلت نظم الإدارة التقليدية فى مواجهتها. ستسألنى عن الحكومة ودورها، ستبقى جهة التنفيذ، لكنها بدلًا من أن تجد نفسها يتابعها ويضغط عليها ويوجهها رئيس جمهورية واحد، ستجد رئيس جمهورية فى كل ملف، وهنا يمكن الاستفادة من الميزة الدائمة للحكومات المصرية، إنها محترفة فى تنفيذ التوجيهات، لكن أداءها لا يرقى لمواجهة حقيقية مع ملفات الوطن الصعبة، ربما تمتلك النوايا، لكن نوايا جيدة مصحوبة بعقلية الموظفين، تعنى كوارث محققة، ولا يمكن الانتظار حتى إصلاح الجهاز الإدارى أو تطوير كفاءة الحكومة ووزاراتها، يمكن أن تسير عملية كذلك بالتوازى، لكن انتظارها دون حلول بديلة يعنى إهدار عقود جديدة من عمر البلد.