قليلون هم الفنانون الذين يلتزمون بالتعبير عن قضايا أوطانهم، ويجعلونها همّهم الرئيسى، ومنهم الفنان التونسى الكبير، لطفى بوشناق، الذى يجمع بين الإبداع والصوت الجميل، وبين التعبير عن نبض جماهير الوطن العربى، بوشناق كُرِّم مؤخرا فى مهرجان «الإسكندرية الدولى للأغنية» فى دورته ال11، ومن المقرر أن يُحيى حفل الختام متنازلا عن أجره لصالح صندوق «تحيا مصر»، حول هذا التكريم ورأيه فى ما وصل إليه حال الغناء فى الوطن العربى، وخطواته القادمة، كان هذا الحوار: ■ بدايةً، نرحِّب بك فى مصر، ونرجو أن نعرف ماذا يعنى لك هذا التكريم؟ ولماذا تنازلت عن أجرك لصالح صندوق «تحيا مصر»؟ - التكريم فى مصر هو شرف لأى فنان عربى، لأن مصر هى صاحبة الريادة الفنية فى المنطقة العربية كلها، وكلنا تعلَّمنا من الفن المصرى، وأنا شخصيا تعلَّمت وتأثَّرت بكثير من الفنانين المصريين، من سيد درويش وصالح عبد الحى وأم كلثوم، وصولا إلى محمد الموجى وبليغ حمدى وأحمد صدقى الذى كان له فضل كبير علىَّ وعلى مسيرتى الفنية، حيث لحَّن لى أغنيتين، هما «دلال حبيبى» و«إيه جرى للناس»، وكذلك سيد مكاوى الذى غنَّيت من ألحانه «كل مرة لما أوعدك»، لذا فالتكريم فى مصر له طعم خاص، كما أنه لا يمكن أن أحصل على مقابل مادى لغنائى فى حفل مخصص لصندوق «تحيا مصر»، فجميعنا يتمنى أن تمرّ مصر من هذه الفترة الصعبة، لأنها هى عمود الخيمة العربية، لذلك فقد تبرَّعت بعدد من الأغنيات لهذا المهرجان، وأدعو كل فنان عربى مهموم بمصر أن يتبرَّع بألبوم غنائى لصالح المهرجان ولصالح صندوق «تحيا مصر». ■ لكن البعض يرى أن الريادة الفنية ذهبت إلى دول الخليج ولبنان. - هذا ليس صحيحا بالمرة، فمصر هى صاحبة 8000 سنة حضارة وثقافة وفن، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى، وستظلّ صاحبة الريادة فى الوطن العربى، بتاريخها وحضارتها وفنونها وثقافتها وشعبها. ■ هناك مَن يرى أن الفن يجب أن يلتزم الحياد فى القضايا السياسية الحالية، حتى لا يخسر الفنان جزءا من جمهوره. - مَن لا موقف له لا وجود له، والفن برأيى لا بد أن يعبِّر عن قضايا الوطن، ولا بد أن يعبِّر الفنان عن رأيه تجاه هذه القضايا، ولا يهمّه بعد ذلك إن كان سيكسب جمهورا معينا أم سيخسره، لا أبحث عن موقع فى هذه الساحة، بقدر ما أبحث عن موقف وعمل يذكره لى التاريخ، لأن «كل مَن عليها فان»، وإرضاء الناس غاية لا تُدرك، المهم أن أكون صادقا فى التعبير عن مواقفى، خصوصا أن الفن يلعب دورا كبيرا، ولا بد من استغلاله. ■ وما هذا الدور برأيك؟ - الأمة العربية تعيش أسوأ حالاتها منذ آلاف السنين، فلا نملك سلاحا ولا تكنولوجيا تُضاهى الغرب، الثقافة والفن هما السلاحان الوحيدان اللذان تبقيا فى يد العرب لإثبات الهُوية، وتوصيل الرسالة وتلميع الصورة ودعم الثورات، ولو نظرنا إلى أمريكا رغم قوتها الاقتصادية فإنها تعتمد بالدرجة الأولى على الثقافة لبسط سيطرتها ونفوذها على العالم، والأغنية شاركت على مرّ التاريخ فى تبليغ رسالة الشعوب المضطهدة، وفى دعم الثورات من أجل الحرية والعدالة والاستقلال. ■ بمناسبة مهرجان «الإسكندرية الدولى للأغنية»، كيف ترى هذه المهرجانات؟ وهل تلعب دورا فى النهوض بالغناء العربى؟ - هذه المهرجانات مهمة جدا من وجهة نظرى، ذلك أنها تحافظ على الفن الأصيل، لذلك أناشد المسؤولين الإكثار من هذه المهرجانات باختلاف مستوياتها، فلا يمكن بناء الأمم إلا من خلال الثقافة والفنون، فهى ترهف الإحساس وتُثقل الروح، وتهيِّئ الإنسان للحرية والحب، ونحن فى أمسِّ الحاجة فى هذه الظروف إلى الحب والتسامح والعمل والانضباط. ■ كنت دائم المشاركة فى أوبريتات جماعية لكنها اختفت مؤخرا، فما سبب اختفائها وهل تفضِّل عودتها؟ - بالتأكيد أتمنى عودتها والمشاركة فيها، لأنها تلعب دورا كبيرا فى تجميع الشعوب العربية على الكلمة، إلا أنها تحتاج إلى ميزانيات كبيرة، والميزانيات المخصصة للفنون والثقافة فى الوطن العربى قليلة جدا. ■ أنت من المطربين القلائل فى المغرب العربى الذين حققوا شهرة فى مصر قبل المجىء إليها من خلال أغنية تونسية، وهى «لامونى اللى غاروا منى»، فهل كنت تتوقَّع نجاحها بهذا الشكل؟ - هذه الأغنية فى الأصل للمطرب التونسى الهادى الجميل، وأنا أحبها بشدة، وقررت إعادة تقديمها مرة أخرى، ولم أكن أتوقَّع لها هذا النجاح الكبير، وهو شىء إلهى. ■ لك أغنيات كثيرة ناجحة، لكن الأغنية الأخيرة «خدوا المناصب والمكاسب وادُّونى الوطن» حققت نجاحا كبيرا، وأبكت شعوب الوطن العربى، فهل تفكِّر فى تقديم أغنيات مشابهة؟ - عندى طوال الوقت أغنيات تتناول حال الشعوب العربية، لكن الجمهور العربى لا يعرف عنى، ولا يستمع من الأغنيات التى قدَّمتها إلا نحو 20% فقط، وهذه الأغنية حققت هذا النجاح لأنها وصلت عبر الصورة، ونحن الآن نعيش عصر الصوت والصورة الحقيقية، أنا مقلّ فى تصوير أغنياتى لكنه ليس تقصيرا منى، لكن اختياراتى الفنية لا تتماشى مع الاختيارات التى تفرضها شركات الإنتاج، فأنا أرفض تصوير الكليبات التى تقترحها الشركات، حيث من المفترض أن أظهر ومعى 4 فتيات جميلات على حمام سباحة أو ما شابه، وأنا أؤمن أن الفنان لا بد أن يظلّ حرا فى خياراته، ولا يخضع لشروط السوق. مؤخرا سجَّلت أغنية تتناول حال الوطن العربى بعد ثورات الربيع العربى، مطلعها «ابنى سألنى.. يا أبى أسمع كلام عن السياسة.. يا أبى خبرنى شو معنى السياسة»، وهى من كلمات مازن الشريف أيضا مؤلف أغنية «خدوا المناصب»، كما سجَّلت 17 أغنية عن المهن المختلفة، مثل الحلوانى والخباز والنجار، من تأليف الشاعر المصرى ماجد يوسف. ■ قلت إن مصر صاحبة الريادة الثقافية والسياسية كذلك، لكن تونس مؤخرا كانت صاحبة الريادة، حيث كانت ثورتها شرارة ثورات الربيع العربى. - قد تكون الشرارة قد انطلقت من تونس، لكن المنطقة كانت فى حالة مخاض وكانت مهيَّأة للثورة، والأهم برأيى من انطلاق الثورة هو مَن يخطط لمستقبل وتحقيق أهداف الثورات، وهى الحرية والديمقراطية والعدالة، لوضع هذه الثورات فى الطريق الصحيح، وأنا أثق فى أن مصر هى التى ستفعل ذلك، وعلينا جميعا أن ندعمها، لأننا لا نملك رفاهية الفشل. ■ هل كان لهذه الثورات تأثير على الفن فى البلاد العربية؟ - لم يظهر تأثيرها بعدُ، لكننى أرى أن المسؤول الأول عن الفن هو الفنان، وعليه أن يدقق فى ما يُقدِّمه للجمهور، ولا ينتظر وزيرا أو مسؤولا، لأن ميزانية وزارة الثقافة فى كل بلدان الوطن العربى زهيدة جدا. ■ ماذا عن تنظيم الإخوان فى تونس؟ - فى موضوع تنظيم الإخوان أو غيره أنا أؤمن بمبدأ مهم، وهو اختلف معك، لكن هذا لا يعنى إقصاءك، وهذا هو هدف الثورات التى اندلعت فى الوطن لعربى من أجل احترام الآخر، فحريتك تقف عند بداية حريتى، وأنا كذلك. ■ كانت تونس أكثر البلاد العربية تحقيقا للحرية، فهى بلد ليبرالى تماما، فهل اختلف ذلك بعد الثورة؟ - لم يختلف، بل على العكس أرى أن مساحة الحريات قد زادت، وهذا واضح فى الشارع التونسى وفى المشهد الإعلامى كذلك. ■ ما رأيك فى برامج اختبار الأصوات؟ - المشكلة ليست فى اختيار الأصوات، فالوطن العربى ملىء بالأصوات الجميلة، المهم هو كيفية تقديمها ودعمها، وهذه البرامج تختار الأصوات، ثم تتركها بعد ذلك دون أى دعم، فتختفى تماما من على الساحة، لذلك فإن الأهم برأيى هو وضع سياسة فى اتجاه خدمة الفن، وخدمة الأمة فى تاريخها وحاضرها وقضاياها، وليس فقط اكتشاف الأصوات.