«إمبارح المغربية بكيت مع حصانى رخرخت له لجامه زى ما ابويا وصّانى وقعدنا فى الضل نبكى، صديق يبوح لصديق عوايدنا نبكى سوا فى الفرحة أو فى الضيق أنا عربجى.. آه.. وده حصانى وانا صاحبه مصاحبه مطرح ما ياخدنى وانا ساحبه واكمنّى شايله ف عيونى عمره ما عصانى» هذا الموال من قصيدة بديعة نشرتها مجلة «صباح الخير» فى 21 أكتوبر 1965 للشاعر الشاب سيد حجاب، ولم تكن هذه هى القصيدة الأولى التى تنشرها المجلة له، بل كان العظيم صلاح جاهين يقدم الموجة الجديدة من الشعراء الجدد الشباب منذ مطلع ستينيات القرن الماضى، فقدّم عبد الرحمن الأبنودى وفؤاد قاعود وفريدة إلهامى ومحمود عفيفى ورزق هيبة وغيرهم، واحتفى بسيد حجاب بشكل كبير، وكانت كلماته لهذا الشاعر الشاب خير تشجيع له على التقدم والاستمرار، بل أصبحت كلمات جاهين كأنها شهادة تخرج للشاعر، أو شهادة تفوُّق تلزم هذا الشاعر أن لا يخزل الرائد، وكانت مواهب حجاب الطازجة والبكر والطموح، وثقافته المتنوعة والواسعة تؤهله لكى يفى بتحقيق الشهادة الجاهينية، هذه الشهادة التى جاءت مصاحبة لقصيدته الفاتنة «ابن بحر»، والتى نشرها جاهين فى عام 1961 فى بابه الذى كان يقدمه تحت عنوان «شاعر يعجبنى»، وقال فى مقدمتها «عندما أبحث عن كلمات أقدم بها هذا الشاعر الجديد.. لا تلبينى إلا الكلمات العاطفية.. ولوكان هناك حب من النظرة الأولى.. أكون أنا قد أحببت شاعرنا هذا.. من أول نظرة.. اسمه سيد حجاب.. تذكروا هذا الاسم، فإنه سيعيش طويلا فى حياتنا المقبلة.. وسيكون له شأن عظيم.. هو طالب فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة.. لم يتم بعد عامه الواحد والعشرين.. ولكنه بلغ سنّ الرشد الأدبى بسرعة..»، واستعرض جاهين بعض ما جاء لسيد حجاب فى رسالة أرسلها له، وكان يحلم بأن يكتب قصيدة طويلة عن البطل حسن طوبار الذى أشعل الثورة فى وجه الفرنسيين قبل ثورة القاهرة بشهرين، ويشيد جاهين بهذا الطموح الذى يشعل جذوة الشاعر الجديد، ويدفعه نحو الفن العظيم بقوة، وكان قد دار حوار بين حجاب وجاهين، وكان الشاعر الكبير الرائد والأستاذ قد أشار على الشاعر أن يعدّل بعضًا من قصيدته المنشورة «ابن بحر»، ولكن سيد حجاب الشاعر الشاب يرفض التعديل بلطف، وينشر جاهين القصيدة معجبًا بالشاعر وعناده، ويعتبر عناده «عاملا من العوامل التى ستجعل من هذا الشاعر الجديد.. شاعرًا عظيمًا.. شاعرًا يكتب إحساساته بلغة الشعب.. اللغة التى تحمل كل آلامنا الماضية.. وآمالنا المقبلة.. شاعرًا يحمل فى شجاعة مسؤولية الكلمة». هذه الكلمات الصائبة، والتى لم يغامر بها جاهين، كأنها رؤيا واضحة العيان فى حق الشاعر الشاب، كانت دافعًا قويا له ولمشواره الذى كان قد بدأ قبل ذلك بسنوات، وكان الصبى السيد أحمد محمد الشيتوى حجاب، والذى اختصر اسمه إلى سيد حجاب فى ما بعد، والذى ولد فى 23 سبتمبر عام 1940، كان قد غاص فى مكتبة والده، وهو فى سن مبكرة، وعرّج قليلا على جماعة الإخوان المسلمين، ولذلك كان يناديه أهل المطرية بالشيخ سيد، ولكن بعد دراسته وتفوقه والتحاقه بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، وتعرفه على مجموعة من شعراء ومثقفى الإسكندرية مثل عبد العليم القبانى وعبد المنعم الأنصارى وغيرهم، خرج من حالة المشيخة إلى الحياة الأعرض. وهناك كتب الشعر الفصيح، وكان مبدعا فيه، ثم أغواه شيطان الشعر، وداعبته نداهته، فتمرد على كلية الهندسة، واقترح على والده أن يترك الكلية ليتفرغ لكتابة الشعر، ولكن هذا الاقتراح قوبل بعاصفة من الرفض، فالوالد المستور، والذى كان يعول عشرة من الأبناء، ويصرّ على إكمال تعليمهم، لا يمكن أن يقبل فكرة أن واحدًا من أبنائه لم يحصل على المؤهل العالى، ولكن الشاعر الذى لمسه شيطان الشعر، خفّض من غلواء اقتراحه، وعدّله إلى الانتقال إلى القاهرة، ليدخل قسم المعادن والمناجم، بدلا من قسم العمارة. وبالفعل انتقل إلى هندسة القاهرة، وسكن مع شقيقتين له قرب دوران شبرا، كما يذكر سيد خميس فى دراسةجيدة، وفى عامى 1958 و1959 تعرف على التنظيمات اليسارية، وانتظم فى أحد هذه التنظيمات، وكان لا زال يكتب الشعر الفصيح، وقدمته الإذاعية المرموقة سميرة الكيلانى فى برنامج «كتابات جديدة»، وأشاد بشعره وموهبته الناقد الكبير الدكتور محمد مندور، ولكن الشاعر العنيد فى هذا العام ترك شعر الفصحى، وكذلك لم يمكث سوى سنة واحدة فى كلية الهندسة، وكذلك تم اعتقال معظم أبناء اليسار، فوجد نفسه وحيدًا دون التنظيمات التى كانت تبث الأحلام والنشاط فى ذلك الشباب الفائر. وكان قد تعرّف على النقاد فاروق عبد القادر ومحمد عفيفى مطر وكامل الكفراوى، ورجل كان يبيع الكتب القديمة، وكانت قد قطعت يده فى حادثة، ثم علّم نفسه، وحصل على ليسانس الآداب ثم الماجستير والدكتوراه وعمل كمخرج ومقدم برامج فى إذاعة «البرنامج الثانى» وكان من أهم إنجازاته ترجمة كتاب «الخيال الرومانسى» لموروا، وتعرّف حجاب على آخرين اشتبك معهم فى الحياة القاهرية، وارتبط ارتباطا وطيدًا بمثقفى وندوات ولقاءات القاهرة، ومن هؤلاء طبعًا الشاعر الصعيدى الذى كان يحضر الندوات بملابسه العسكرية، حيث كان يؤدى الخدمة العسكرية، وهو الشاعر الموهوب بشدة عبد الرحمن الأبنودى، وأصبح حجاب والأبنودى وقاعود، هم الثلاثى الذى لاحت ثورتهم الشعرية فى الأفق، إذ كان العظيمان صلاح جاهين وفؤاد حداد، قد كتبا سطرًا خطيرًا فى تطور شعر العامية المصرية، وكان من العسير أن تنبثق التربة المصرية عن شعراء متجاوزين فى ذلك الوقت، ولكنهم فعلوها، وراحوا يبدعون جديدًا حالمًا ومتجاوزًا، وتقلَّب حجاب فى عدة وظائف لم تناسبه، حتى أصدر ديوانه الأول «صياد وجنيّة» عام 1966، وأخرجه الفنان عدلى رزق الله، وكتب كلمة الغلاف الشاعر العراقى عبد الوهاب البياتى، وكان قد تزوج من فنانة الخزف السويسرية «إيفلين بوريه». وفى سبتمبر أى بعد صدور الديوان بقليل دخل سيد المعتقل مع رفاقه الغيطانى وصبرى حافظ وإبراهيم فتحى وغالب هلسا وآخرين، وخرج منه ليسافر إلى الخارج، ويعود فى العام 1971 ليتوسع ويرتبط اسمه بأجمل وأعذب الكلمات والأغانى والفنانين والمسلسلات، ليصبح الشاعر رقم 1 فى تفعيل وصياغة وجدان المصريين من خلال أعذب الكلمات وأرقّها وأكثرها شجنًا.