رغم الضبابية حول قانون الانتخابات، فإن اللافتات بدأت فى الظهور فى شوارع مصر، معلنة عن مرشح برلمانى محتمل فى الانتخابات المقبلة، يقابلها مصريون تارة بالسخرية وتارة بالجدية وتارة بالتجاهل وعدم الاكتراث، وتارة يلهو بها الصبية ويتخذونها مرمى لتصويب فوارغ طلقات مسدساتهم البلاستيكية، غير أن هناك مصريين ينتظرون هذا الموسم، لأنه يفتح لهم بابا للرزق. البانر قضى على لافتات القماش.. والقائمة قضت على «الفراشة» لافتات مرشحى الانتخابات البرلمانية قانون البرلمان.. نظام القائمة والفردى.. كوتة المرأة.. العمال والفلاحون.. تحالفات الأحزاب والقوى السياسية.. مع الانتخابات تروج هذه المصطلحات، لكنها ترتبط دائما بالنخبة المثقفة، لكن هناك وراء الكواليس من لا تمر انتخابات دونهم، «أرزقية» الانتخابات، أصحاب مهن تعد المعركة الانتخابية بالنسبة لهم موسما هاما للاسترزاق، ولا يمكن أن تمر انتخابات دون اللجوء إليهم. الدعاية الانتخابية للمرشح، والتى حددها قانون البرلمان الجديد، بنصف مليون جنيه للمرشح الفردى، ومليون للقائمة كحد أقصى، هى الأهم بالنسبة للمرشح، وأشكالها المختلفة تعتمد على أصحاب مهن أيضا مختلفة، فلا تمر انتخابات دون لافتات ومؤتمرات للمرشح، وصوره تملأ جدران وأرض دائرته الانتخابية، وسيارات محملة بمكبرات الصوت تطوف ربوع هذه الدائرة أيضا للتعريف به وبرمزه الانتخابى. فى شارع محمد على بميدان العتبة، حيث مكتبات الدعاية والإعلان، يتوجه مسؤول الدعاية الانتخابية ليتفق مع إحدى المكتبات هناك على الأعداد والأشكال التى يريدها، وعلى رأسها البانر. «راج الاعتماد على البانرات فى الانتخابات منذ انتخابات 2010، وزاد الاعتماد عليها فى انتخابات الرئاسة السابقة وما قبلها، حتى أصبحت هى الأهم، وقل بل ندر الاعتماد على لافتات القماش»، هكذا قال لنا باسم عامل فى أحد مطابع شارع محمد على، موضحا أن البانر يتميز عن اللافتة القماش بجودتها، فلا يوجد بها أخطاء، «كل الشغل بالكمبيوتر»، كما تتميز بمتانتها وصعوبة قطعها كالقماش، وبإمكانية وضع رسوم بها وإدخال ألوان عديدة، بالإضافة إلى وضع صورة المرشح على البانر، وهذا على وجه الخصوص يعد الأهم بالنسبة لأى مرشح يرى أن فى انتشار صورته انتشارًا له هو شخصيا، وكل هذه المميزات لا يجدها فى القماش. باسم أضاف أن بانر انتخابات مجلس الشعب يختلف عن بانر انتخابات الرئاسة، التى فيها يكون البانر فى الغالب كبيرًا يصل إلى 4 أمتار عرضا فى 4 أمتار طولا، وقد يصل إلى 5 فى 5 متر، وهذا يعد بانرًا كبيرًا جدا، ومكلف أيضا، لذا يطبع منه عدد قليل، وهذا لا يمكن أن يعتمد عليه مرشح مجلس الشعب الذى يرغب فى أكبر عدد من اللافتات، لذا فمرشح انتخابات مجلس الشعب نطبع له ما يسمى ب«الفلكس» عرضه متر وطوله 4 أو 5 أمتار. «سعر المتر فى البانر يتراوح من 18 و25 جنيها، يختلف باختلاف عدد الكلمات فى البانر وعدد الرسومات والصور المستخدمة، بالإضافة إلى الألوان، يحتاج المرشح من هذه البانرات من 50 و100 بانر، يدفع نحو 10000 جنيه بانرات»، يضيف باسم موضحًا أن الأمر بالنسبة للمرشح فى الشارع لا يقتصر على ذلك، بل يطلب طباعة «صورة 4 ألوان» منها ما يلزق على الحوائط، ومنها ما يكون خلف الصورة، بعض الملامح الخاصة بالمرشح ورمزه الانتخابى، يحتاج منها المرشح إلى نحو 30 ألف صورة، ويطلب المرشح نتائج وأجندات وإمساكيات رمضان، كل هذا يطبعه من قبل موسم الانتخابات عندما يكون لديه نية للنزول فى الانتخابات البرلمانية، فتكون تلك الأشياء بداية تعريف الناس بالمرشحين فى الانتخابات القادمة. باسم قال إن تكلفة مطبوعات الدعاية الانتخابية لكل مرشح تتراوح بين 150 و200 ألف جنيه، ويضيف: فى انتخابات مجلس الشعب السابقة جاءنا مرشح للانتخابات من أسوان، دفع نحو 300 ألف جنيه دعاية مطبوعات، وكانت طلباته جميعها مستواها مرتفع، وأعدادها كبيرة جدا، وكان هذا هو أقرب نموذج لأكثر مرشح تعامل معنا ودفع هذا المبلغ الكبير، مؤكدًا: «اللى كان عاوز يعمل له مستقبل كان يشتغل فى مطبعة أيام الانتخابات، فموسم الانتخابات كان بالنسبة لعمال وأصحاب المطابع أهم موسم، وكان الجميع يكسب فيه وبيزيد رزققه بدرجة كبيرة جدا، ولكن الأمر اختلف كليا منذ عامين، خصوصا فى هذه الانتخابات التى اقتربت دون أن نشعر، على الرغم من أن موسم الانتخابات بالنسبة لنا كان يبدأ قبل الانتخابات على الأقل ب4 أشهر، بالإضافة إلى شغل المرشحين طوال العام على طباعة الأجندات والإمساكيات». «الدى جى» آخر أيام الانتخابات صاحب مكتب: كنا بنكسب 10 آلاف جنيه فى 15 يومًا فى الانتخابات.. أما الآن فلن نتحصل على نصف هذا الرقم الدعاية الانتخابية للانتخابات البرلمانية سيارات محملة برجال وشباب يحملون ميكروفون وسماعات كبيرة تطوف الدائرة الانتخابية للمرشح، تنطلق منها الهتافات الخاصة بالمرشح، التى فى الغالب تحمل اسمه ورمزه الانتخابى، ثم يضيف أحدهم فى الميكروفون ببعض الكلمات المنوهة عن معاد الانتخابات، صورة تقليدية لا نراها إلا فى موسم الانتخابات. هانى عبود صاحب مكتب «دى جيه» فى منطقة دار السلام، قال لنا إن الاعتماد على مرور السيارات المحملة ب«الدى جيه» لا يكون إلا فى آخر 15 يومًا من الانتخابات، وتعد هذه هى آخر صور الدعاية الانتخابية للمرشحين قبل الإدلاء بالأصوات. عبود أضاف أن المرشح يذهب إليه ليؤجر «دى جيه»، و4 سماعات على الأكثر، بالإضافة إلى مولد كهربائى، سعر إيجار تلك الأدوات فى اليوم الواحد 400 جنيه، «بعض أصحاب مكاتب الدى جى يتعاقدون مع المرشح على توفير السيارة التى ستحمل هذه الأدوات وبعضهم لا يفضل أن يكون مسؤولا عن ذلك» كما أوضح لنا عبود، ولكنه هو من يوفر للمرشح السيارات بالمعدات ويكون إيجار السيارة 100 جنيه فى اليوم الواحد. عبود يرى أن موسم الانتخابات بالنسبة لهم هام، ولكن الأمر اختلف بعض الشىء عما مضى، ويجد فى انخفاض الحالة الاقتصادية للبلاد السبب فى ذلك، التى جعلت المرشحين على عكس ما مضى لديهم من الأموال ما ينفقون بها على دعايتهم الانتخابية، مضيفا أنه «كنا بنكسب 10 آلاف جنيه فى ال15 يومًا الخاصة بالانتخابات، ولكن الآن لن نتحصل على نصف هذا الرقم». لافتات القماش محل لا يزيد عرضه على متر وطوله على مترين، يعمل فيه الحاج السعدنى ما يزيد على 60 عامًا خطاطًا، فالسعدنى هو أشهر خطاطى منطقة المنيل ومصر القديمة، استشارى فى هيئة الآثار على المعاش، تعلم الخط فى مدرسة تحسين الخطوط عام 1960، ومن وقتها الخط مهنته. الحاج سعدنى تخصص فى لافتات الانتخابات طوال أعوام عديدة مرت، ولكن عمله قل منذ ما يقرب من 8 سنوات، منذ أن بدأ الكمبيوتر يدخل فى عمل اللافتات، حتى بدأ الاعتماد عليه كليا، ف«معظم الخطاطين حولوا محلاتهم إلى طباعة لافتات بالكمبيوتر بسبب الإقبال عليه، ف(البانر) البلاستيك قضى على القماش تقريبا»، هكذا أوضح عم السعدنى. السعدنى أضاف أنه كان يرسم نحو 100 لافتة لكل مرشح فى الانتخابات، وكان يتعامل مع قرابة 7 مرشحين فى الانتخابات، ثمن الواحدة 15 جنيها، لذا كان موسم الانتخابات بالنسبة له موسما هاما، ولكن الآن وبعد دخول الكمبيوتر فى عمل الخطاط، ورغبة المرشحين فى إبراز صورهم على اللافتات أصبح عمله بلا قيمة، فهناك من يعمل أكثر دقة منه، «بقالى سنتين ماعملتش ولا لافتة». عم سيد: المرشح الخاسر فى الغالب لا يدفع باقى حسابه.. ووضعت شرطين لتنظيم مؤتمر انتخابى بعد الثورة أشهر خطاطى المنيل: الشغلانة «انضربت بسبب «الكمبيوتر».. والبلاستيك قضى على القماش المؤتمر الشعبى يتكلف 4 آلاف جنيه.. والأمن ضمانة المرشح الدعاية الانتخابية اتخذت أشكال جديدة مؤتمرات المرشح، التى يخرج فيها ليعلن عما سوف يقوم به إذا أصبح عضوًا بالمجلس، تلك المؤتمرات ينظمها ويقيمها أصحاب محلات «الفراشة»، لديهم القماش والكراسى والمناضد، والذين يلجأ إليهم المرشح لتأجيرها مع العامل الذى سينظم كل هذا، فلا تخلو أى معركة انتخابية من هذه المؤتمرات التى يقيمها المرشح أو أى من مؤيديه على نفقتهم الخاصة، والحاج سيد عيد، صاحب محل فراشة بمنطقة المنيل، يقول لنا إن الأمر اختلف كليا، فلم تعد تلك المؤتمرات وسيلة التعريف والانتشار للمرشح الهامة والأساسية، «فنظام القائمة قضى على المؤتمرات نهائيا»، حيث تعتمد القائمة على أكثر من شخص، لا بد أن نختارهم جميعًا إذا اخترنا هذه القائمة على وجه الخصوص، ولا يمكن تنظيم مؤتمر للقائمة جميعها، ولكن يمكن ذلك فى النظام الفردى الذى يعتمد على مرشح واحد، لذا قل عمل «الفراشة» فى موسم الانتخابات. «الانتخابات بالنسبة لنا كأصحاب محل فراشة لا تعد موسما يمكن أن نكسب منه مبالغ كبيرة، فهى تأتى كل خمس سنوات، المرشح فيها يحتاج على الأكثر إلى 5 مؤتمرات، بالإضافة إلى نحو 20 بوابة، وهذه الأرقام كل خمس سنوات لا تعد مكسبا كبيرًا»، يضيف عم عيد، موضحا أن المؤتمر الصغير يحتوى فى الغالب ما بين 300 و500 كرسى ويتكلف نحو 1300 جنيه، وهذا فى الغالب طابع المؤتمرات فى الأماكن الراقية، أما المؤتمر الكبير فيحتوى على ما بين 1000 و1500 كرسى يتكلف نحو 4 آلاف جنيه، وهو فى الغالب مؤتمر فى مكان شعبى، وينظمه فى الغالب أكثر من محل فراشة، كما أن ثمن تلك المؤتمرات والبوابات لا يكون فى الغالب مدفوعا بالكامل، والمرشح الخاسر أيضا فى الغالب لا يدفع باقى حسابه، لذا نرى أن شغل الانتخابات ليس مجزيا كما يعتقد البعض». عم سيد أضاف أنه امتنع عن العمل فى تنظيم مؤتمرات الانتخابات منذ قيام ثورة يناير، بسبب عملها غير المضمون وغير الآمن، فكم من مؤتمر تحول إلى مشاجرة عنيفة وكسرت فيه عدة الفراشة. شرطان لعم سيد لتنظيم أى مؤتمر بعد الثورة، الأول أن يكون حاصلا على تصريح من وزارة الداخلية، حتى يضمن أنه سيكون فى مكان آمن، «فالداخلية لا تعطى تصريحا إلا إذا تأكدت من إمكانية تأمين المكان»، والشرط الثانى هو عدم إقامته فى أحياء شعبية، فتلك الأماكن، خصوصا بعد الثورة، لا يمر فيها مؤتمر بسلام، وذلك حفاظا على عدة الشغل، لا سيما أن المرشح لن يقدم تعويضا عن تلك الأشياء إذا تلفت أو حدث لها شىء فهو ليس مسؤولا عن ذلك.