أمين "البحوث الإسلامية": نصر أكتوبر نموذج حي للإصرار والتحدي    الأكثر ضراوة منذ حرب 1948.. كيف وثقت صحافة العالم حرب 6 أكتوبر قبل 51 عاماً؟    البابا فرانسيس يستقبل أسقف تورينو وروما للأقباط الأرثوذكس    أسعار النحاس بالسوق المحلية اليوم السبت 5/ 10/ 2024    بسبب سيارات ذوي الهمم.. أكثر من 44 ألف بطاقة تكافل وكرامة مهددة بالسحب    حدث في 8 ساعات| السيسي يترأس اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وفتح المتاحف العسكرية مجانًا    محلل سياسي يكشف مفاجأة بشأن شكل الرد الإسرائيلي على إيران    أوكرانيا: روسيا أسطقت إحدى مقاتلاتها بطريق الخطأ    غزل المحلة يخوض مرانه الأول خلال معسكر الإسماعيلية استعدادا للدوري الممتاز (صور)    ماينز يحقق انتصاره الثاني في الدوري الألماني    حجازي غادر مصابا.. نيوم يفض اشتباكه مع الحزم في دوري الدرجة الأولى السعودي    تحرير 455 مخالفة تموينية في حملات الأسبوع الأول من أكتوبر بالفيوم    ضبط سائق دهس طفلا أمام كارفور المعادي    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة خلال الأسبوع الجاري    قرار عاجل من النائب العام في واقعة نشر ديوان شعري يتضمن ازدراءً للأديان    مهرجان أيام القاهرة للمونودراما، تعرف على الفائزين بجوائز الدورة السابعة (صور)    أمجد الحداد: فصل الخريف اسوأ من الشتاء في انتشار عدوى أمراض الجهاز التنفسي    حقيقة تحديث فيسبوك الجديد.. هل يرسل إشعارات لمن يزور حسابك؟    تحذير برلمانى من انتشار مواقع وتطبيقات المراهنات: تهدد السلم الاجتماعى    قبل إحيائه ب12 يومًا.. ريهام عبدالحكيم تشارك جمهورها اختيار أغاني حفل «الموسيقى العربية»    دعم غير مشروط لفلسطين ولبنان فى افتتاح مهرجان وهران للفيلم العربى ال 12    «أكتوبر» فى الذاكرة المصرية    بالأسماء.. حركة تنقلات رؤساء الوحدات المحلية ب الدقهلية    تأجيل محاكمة المتهم في قضية الهجوم الإرهابي على فندق الأهرامات    محافظ الغربية ووزير الرياضة يفتتحان الملعب المنجل بمركز شباب الفرستق    11.7 تريليون جنيه ودائع مصريين وزيادة 181% في حساباتهم بالبنوك مقارنةً بعام 2016.. «البنك المركزي» يفحص 3210 شكاوى وطلبات    إصابة 13 شخصًا فى حادث انقلاب سيارة بالإسماعيلية    قبرص: وصول أول رحلة تُقِل مواطنين أستراليين من لبنان    رواتب تبدأ من 6500 جنيه.. رابط التقديم على فرص عمل في القاهرة والتخصصات المطلوبة    الإمارات تُطلق حملة إغاثة لدعم لبنان ب 100 مليون دولار    «الإفتاء» تنظم البرنامج التدريبي «التأهيل الفقهي» لمجموعة من علماء ماليزيا    الجامعة الألمانية بالقاهرة تحتفل بتخريج دفعة جديدة    الصحة: فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يتفقد مستشفى الغردقة العام ويحيل واقعة تقصير للشئون القانونية    إسرائيل تشن 5 غارات على ضاحية بيروت الجنوبية خلال الساعة الأخيرة    محافظ الجيزة يواصل لقاءاته الدورية مع المواطنين لبحث الطلبات والشكاوى    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 103 ملايين خدمة مجانية خلال 65 يوما    صندوق مصر السيادي على طاولة "النواب" الأثنين المقبل    «إسلام وسيف وميشيل».. أفضل 3 مواهب في الأسبوع الخامس من كاستنج (فيديو)    خبيرة: مشروع رأس الحكمة أحدث استقرارا نقديا انعكس إيجابيا على مناخ الاستثمار    رئيس الضرائب توضح تفاصيل جديدة بشأن إصدار فواتير إلكترونية    موعد مباراة منتخب مصر ضد موريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا    تناول الطعام في الوقت المناسب يقلل من الإصابة بمرض السكري    أوروبا تعتمد فرض رسوم جمركية إضافية على السيارات الكهربائية الصينية    في حوار من القلب.. الكاتب الصحفي عادل حمودة: "أسرار جديدة عن أحمد زكي"    شاهندة المغربي: أتمنى تحكيم مباراة الأهلي والزمالك في دوري الرجال    فضل الصلاة على النبي محمد وأهميتها    السد يعلن تفاصيل إصابة يوسف عطال.. ومدة غيابه    «ترامب» و«هاريس» يتنافسان لكسب أصوات العمال في الانتخابات الأمريكية    وزير البترول يناقش مع رئيس شركة توتال توسع أنشطتها الاستكشافية بمصر    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    تقرير أمريكي: السنوار اتخذ مواقف أكثر تشددا.. وحماس لا ترغب في المفاوضات    نائب وزير الصحة يتابع مستجدات العمل بمنظومة سلاسل الإمدادات الدوائية    «تنمية المشروعات» يضخ 2.5 مليار جنيه تمويلات لسيناء ومدن القناة خلال 10 سنوات    إصابة 13 شخصا في انقلاب ميكروباص بطريق «كفر داوود السادات» بالمنوفية    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    برج القوس.. حظك اليوم السبت 5 أكتوبر: اكتشف نفسك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مثقفو مصر وأزمة الانفصال عن سوريا
نشر في التحرير يوم 08 - 10 - 2014

اليوم 8 أكتوبر عام 1961، وما زالت أزمة الحركة الانفصالية التى قادها بعض الضباط السوريين ضد الوحدة السورية المصرية ناشبة أظفارها فى عنق القيادات السياسية، وما زال الأمر غامضًا ومعلقًا، ولا يعرف أحد بالضبط ماذا سوف تفعل القيادة المصرية فى مواجهة الأحداث المتلاحقة؟ وهل بالفعل سوف يرسل جمال عبد الناصر بعض فرق المظلات إلى سوريا لتأديب السوريين، أم أنه سينتظر ما سوف يقرره الشعب السورى بعد إجراء استفتاء حول ما حدث؟ وكانت إذاعة دمشق قد بثت خبرًا بأن عبد الناصر أرسل قوات مصرية من المظلات لإنزالها فى الأراضى السورية لمواجهة حركة الانفصال هذه، ويبدو أن ذلك لم يكن صحيحًا، ولكن الإذاعة السورية من دمشق لم تقل ذلك بالضبط، ولكنها أعلنت أن عبد الناصر أعاد قواته من منتصف الطريق، وكان العالم يشاهد ما يحدث بقلق شديد، وكان تلاحُق الأحداث يعطى فرصًا قوية لأعداء ناصر لمهاجمته وتمزيقه إعلاميا، والحديث عن فشل سياساته التوسعية فى البلدان العربية، وهذا يعنى ليس فشل مشروعه الوحدوى فقط، بل يعنى فشل الثورة المصرية على الإطلاق، وعلى الطرف الآخر كان كثيرون ومحبون ومتعاطفون ومؤيدون للتجربة المصرية، يشيدون بالموقف المصرى تجاه الأحداث، نظرًا لحالة ضبط النفس التى يبديها الطرف المصرى، وكان المثقفون المصريون السند الأقوى فى دعم الموقف الرسمى، وعلى رأس هؤلاء الدكتور طه حسين، الذى لم ير للوحدة السورية المصرية أى سبب ليستفيد منها المصريون، بل كان إنشاؤها وبالًا على الشعب المصرى، وكما قرأنا فى مقاليه عن الوحدة، راح يعيِّر السوريين الانفصاليين بأوضاعهم التى كانوا يحتاجون فيها إلى مشروع الوحدة، وعندما تحققت لهم الأغراض التى كانوا يسعون إليها من الوحدة تمردوا وأعلنوا الانفصال، وسمى ذلك «بطّرا»، وإذا كان طه حسين المفكر والأستاذ الأكاديمى العظيم والمعلّم والمنهجى كان يقول ذلك، فما بالك بالمثقفين الآخرين الذين يشكلون قاطرة خلفية طوال الوقت لتبرير كل ما تتخذه السلطة من قرارات دون قراءة المشهد بعمق أو بحياد أو بموضوعية، ولكن الزمن كان كفيلا بإيضاح كثير من الملابسات السياسية والفنية -على مستوى الإدارة- على أوجه عديدة، لذلك كتب الأديب والمترجم المرموق زهير الشايب روايته الرائعة «السماء تمطر ماء جافا» عام 1979، وصدرت عن دار المعارف، وهو كان قد عاش تجربة الوحدة كمواطن مصرى تقليدى، فلم يكن قائدًا ولم يكن التحق بأى صحيفة أو مجلة، وربما لم يكن قد نشر حرفا واحدًا من قصصه ومقالاته وترجماته فى ذلك الزمن البعيد، وزهير الشايب شاءت الأقدار أن يعيش مظلومًا ومطاردًا ومغضوبًا عليه فى حياته، وظل أنيس منصور -رئيس تحرير مجلة «أكتوبر» آنذاك، والتى كان يعمل فيها الشايب- يطارده ويحاصره، حتى فصله من المجلة، فيذهب الشايب إلى إحدى دول الخليج ليعمل فى إحدى المؤسسات الصحفية هناك، ولكن لم يجد سوى المهانة تلو المهانة، فيعود فورًا إلى مصر ليقضى نحبه عام 1982، ويظل رحيله معلقا فى رقبة أنيس منصور الذى أصدر سلسلة أوامر وقرارات لقتل زهير الشايب.
وفى كتابه «بارونات الصحافة» يحكى جميل عارف تفاصيل القصة كاملة، فضلا عن أن الوسط الصحفى الذى عاش فى ذلك الوقت يعرف هذه القصة بكل مفرداتها المحزنة، رغم أن زهير الشايب هو أحد المقاتلين بضراوة فى مجال الثقافة والأدب، وفضلا عن مجوعتيه القصصيتين «المطاردون» و«المصيدة»، واللتين تعتبران إحدى علامات الكتابة الستينية، فإنه هو الذى شرع -وحده- دون دعم أىٍّ من المؤسسات الثقافية العملاقة التى كانت تطبع وتنشر الغث من الكتب، ليترجم الموسوعة الخطيرة التى كتبها الفرنسيون فى أثناء الحملة الفرنسية، وهى موسوعة: «وصف مصر»، وبالفعل أنجز تسعة أجزاء من هذه الموسوعة، وطبع مجلدين منها على نفقته الخاصة، وبقية الأجزاء نشرها الحاج محمد مدبولى، هذا عدا ترجمات أخرى لكتب عن الفترة المملوكية، ومسرحية لجان بول سارتر، فضلًا عن مقالاته التى كان يكتبها فى مجلة «أكتوبر»، وإذا كان أنيس منصور ظلمه فى حياته، فزهير الشايب لم تنصفه مؤسسة بعد رحيله للاحتفال به، ورد الاعتبار له، ولترجماته العظيمة، حتى لجنة الترجمة التى كان عضوًا بها لم تلتفت له على الإطلاق.
هذا اختصار مخل وشديد التكثيف لمحنة زهير الشايب، الذى كتب روايته عن مسألة الوحدة المصرية السورية التى عاشها من الألف إلى الياء عندما أوفدتها الإدارة المصرية إلى سوريا ليعمل فى التدريس هناك فى محافظة حماة، وبالتحديد فى منطقة «السلمية»، وكان قد شارك زهير هنا فى القاهرة للتصويت على موضوع الوحدة إثر إعلانها فى 22 فبراير 1958، ولم يكن يفهم شيئًا، بل كانت سيارات الاتحاد القومى هى التى تسير فى الشوارع لتحريض الجماهير على تأييد الوحدة وتأييد جمال عبد الناصر، وعندما ذهب إلى سوريا وهو يحمل آمالا كبيرة فى حياة آمنة ومستقرة، وعلاقات سلسة مع السوريين هناك، واعتقد أنه سيلقى رضا غامرا عن مسألة الوحدة، فلم يجد إلا تشككا وقلقا وارتباكا، فالسوريون لم يكونوا مطمئنين بأى شكل من الأشكال لهذه الوحدة مع المصريين، وكانت إذاعة الأردن تبث برامجها التى تقول للسوريين ليلا ونهارًا «اطردوا المصريين الذين جاؤوا لاستعماركم»، وكان الدروز والإسماعيليون والشيعة متذمرين من القرارات التى اتخذتها السلطة وتتعلق بإرسال أبنائهم للدراسة فى الأزهر الشريف «السُّنّى»، إذ كانت التعقيدات الطائفية والعرقية فى سوريا لا تستطيع استيعاب هذه الوحدة المتعجلة التى فرضتها السلطات من أعلى، ولتعقيدات كثيرة أخرى فشلت الوحدة، وتطوى صفحتها إلى الأبد دون التفكير فى استعادتها بشكلها الذى كان مطروحًا، ولكن الحوار بشأنها لا ينتهى، ويظل مشرعا ومفتوحًا طوال الزمن، وتبقى رواية الأديب والمترجم الراحل زهير الشايب شهادة فريدة فى تقديم وجهة نظر معرفية لطبائع الشعب السورى وتقاليده وتارسخه العريق، بعيدًا عن الملاسنات الحادة السياسية التى تداولها الطرفان آنذاك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.