مشاركة الرئيس السيسى فى الدورة الاستثنائية الحالية للأمم المتحدة، واللقاءات والمشاورات الهامة التى جرت خلالها، تثبت -قبل أى شىء آخر- أن شعب مصر قد نجح فى ترسيخ أركان النظام الذى أقامه بعد 30 يونيو، الذى استرد فيه الثورة وأسقط حكم الإخوان الفاشى، وخاض بلا هوادة حربا ضروسا ضد الإرهاب، بينما كانت دول كبرى وقوى إقليمية تهادن هذا الإرهاب، أو تدعمه لاستخدامه ورقة فى صراعاتها، غير مدركة أن ثعابين الإرهاب ستلدغها يومًا ما، ودون أن تتعلم من دروس سابقة انقلب فيها السحر على الساحر!! صمود مصر فى الأوقات الصعبة، ووضوح رؤيتها فى قضية الإرهاب منذ البداية، وتحملها الأخطاء، التى ارتكبتها قوى كبرى تصورت إمكانية الجمع بين الإرهاب والاعتدال، وأنها تستطيع التحالف مع «إرهاب معتدل لتحقيق أهدافها.. كل ذلك منح السيسى الثقة ل(تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى السكرتير العام للأمم المتحدة عن بعض الأوضاع فى مصر)، كما قال المتحدث باسم الرئاسة، ولكى يتحدث مع قادة أمريكيين التقاهم عن أخطاء السياسة الأمريكية تجاه مصر والمنطقة، ولكى يؤكد ثوابت السياسة المصرية وتمسكها باستغلال قرارها ورفض الضغوط أيًّا كانت.. كما أثبتت التجربة منذ 30 يونيو. تأكيد هذه الثوابت فى السياسة المصرية يزداد أهمية، بينما الأوضاع فى المنطقة تزداد خطورة يومًا بعد يوم. لقد بدأت أمس غارات التحالف بقيادة أمريكا على شمالى سوريا لضرب قواعد «داعش» وبعض المنظمات الإرهابية الأخرى. والسؤال هنا: ماذا بعد؟! وذلك فى غياب بديل مدنى قادر على التعامل مع الموقف، ومع وجود تعقيدات هائلة، حيث روسيا وإيران طرفان يدعمان نظام الأسد حتى الآن.. ومن هنا تبدو أهمية تأكيد الموقف المصرى الذى يتمسك بالحل السياسى، والقادر -بحكم علاقاته المتعددة بأطراف الصراع الرئيسية- على أن يكون عاملا مهما فى التوصل إلى هذا الحل، ومنع استكمال تدمير سوريا الشقيقة وهو نفس الأمر الذى ينطبق على ما يحدث فى ليبيا التى تزداد خطورتها على أمن مصر بحكم الجوار، وبحكم أن انتصار جماعات الإرهاب فيها سوف يكون أكبر تهديد لأمن دول الجوار وفى مقدمتها مصر. وليس بعيدًا عن ذلك، التطورات الخطيرة التى شهدها اليمن فى الأيام الأخيرة، حيث دخل الحوثيون العاصمة اليمنية وفرضوا سيطرتهم، وتكرر نفس سيناريو العراق، حيث تواطأت قيادات فى الجيش مع الحوثيين. وإذا كان الأمر قد توقف الآن عند حد توقيع اتفاق مصالحة تحت وطأة سيطرة الحوثيين على العاصمة، فإنه لن يكون إلا هدنة فى صراع لم يتم حسمه، يفتح الباب -إذا لم يجر التعامل معه بوعى وحكمة- أمام حرب أهلية لن تكون القوى الإقليمية الكبرى بعيدة عنها بأى حال من الأحوال، فالأمر يخص أمن الخليج العربى كله، كما يخص البحر الأحمر وتأمين باب المندب! لسنا بعيدين عن هذا كله. لكن لا ينبغى أن تغيب عنا للحظة واحدة الحقيقة الأساسية، وهى أن أسباب صمودنا ونجاحنا فى عبور أصعب الأوقات بعد 30 يونيو، هى نفسها ما نحتاج إليه لمواجهة تحديات المرحلة القادمة.. أعنى أن تمتين الجبهة الداخلية هو الأساس، والحفاظ على وحدة القوى الوطنية التى استعادت ثورتها فى 30 يونيو، ووقوفها مع جيشها الوطنى فى مواجهة الإرهاب وحماية مصر من محاولات الانقسام لسقوط الفاشية الإخوانية ومن دعموها وراهنوا عليها. معركتنا الأساسية ستظل أساسا داخل مصر. إخوان الإرهاب وحلفاؤهم لن يستسلموا بسهولة، بل سنشهد منهم صحوة الموت وعلينا أن نواجهها بكل حسم. محاولات إثارة الفتن الاجتماعية أو الطائفية ستستمر، وعلينا أن لا نساعدها بأخطاء جسيمة كما حدث فى «جبل الطير» التى لا بد من محاسبة قاسية لكل من شارك فيها. خطوات استعادة الثقة مع الشباب ينبغى أن تستمر رغم أى صعوبات. الكل ينبغى أن يتصرف على أننا فى حرب حقيقية لا خيار لنا إلا أن نكسبها. كل إنجاز سيتحقق من مشاركة الرئيس السيسى فى اجتماعات الأممالمتحدة فى نيويورك هو حصيلة نضال شعب مصر وتضحيات جيشها وانحيازه لإرادة الشعب وتوحده فى مواجهة الخطر. فليكن هذا هو الدرس الأهم، وليكن هذا هو الدليل إلى المستقبل.