لقد خرج شعبنا العظيم (المارد الجبار) من القمقم الضيق الذى حُبسَ فيه على مدى عقود عدة! فمن الذى حبس شعب مصر كل هذه السنوات الطويلة؟! أو بتعبير آخر، وهو الأجمل: «مين اللى يقدر ساعة يحبس مصر؟!». قبل ثورتنا العظيمة فى يناير 2011، كان البعض يتساءل: متى سيهب شعبنا الحليم ويقضى على الطاغية وأعوانه؟! بينما آخرون يتساءلون: هل يمكن حقا أن يثور شعبنا الطيب؟! وثمة من يؤكدون أن قوات الأمن المدججة بالعتاد والسلاح، قادرة على سحق أى ثورة شعبية فى بضع ساعات! وقد حكى لنا أستاذنا العظيم نجيب محفوظ عن الزعيم محمد فريد، بعدما ترك مصر، وتغرب فى أوروبا، ثم علم بأنباء قيام ثورتنا الشعبية المدهشة فى عام 1919، فأخذ محمد فريد يضرب كفا بكف، وهو يقول: «إيه ده؟! هو المصريين بيثوروا؟!» وكان محفوظ يؤكد لنا أن شعبنا الصبور ثار عبر تاريخه ثورات عديدة، ولكنه (أى الشعب) هو الذى يقرر متى يثور على الظلم والظلمة، ومتى يضحى بالروح والدم وفلذات الأكباد من أجل هذا الوطن. وها هو شعبنا العظيم قد ثار ثورته العظمى، بمختلف طبقاته، وبكل طوائفه، وشتى اتجاهاته، لكن هذه المرة تختلف عن كل ثوراته السابقة، إذ تتميز عن كل ما حدث من ثورات عبر تاريخه الموغل فى القدم. فهذه ثورة الألفية الثالثة، ثورة ما بعد الحداثة، التى ستؤسس لنظام حكم ديمقراطى حقيقى مستقر، يرسى قواعد العدل فى أركان الوطن كله، كما يرسخ قيم حقوق الإنسان، ويحافظ على كرامة المصرى فى داخل مصر وخارجها، وإذا حدث أى نوع من الظلم، فلن يصمت شعبنا مرة أخرى، فقد دفع ثمن العدل والحرية والكرامة غاليا، ولن يتنازل عنها أبدا. لقد خرج المارد العملاق من القمقم، ولن يعود إليه ثانية، فمنذ يوم 28 يناير 2011، حين انتصر شعبنا الأعزل، بهتافه الحكيم: «سلمية.. سلمية» فى مواجهة القنابل والخرطوش والرصاص، حتى انتصر فى النهاية بقوة إيمانه على الطاغية والقتلة والمأجورين والبلطجية. هذا المارد العملاق يمتد ظله الآن على الوجه القبلى والبحرى، كما يغطى شرق مصر وغربها، ومن ثم يستحيل أن يعود إلى القمقم مرة أخرى. ولقد وجه المارد كلمته الحاسمة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولقد وصلت رسالته بالتأكيد عبر ملايين كثيرة من المصريين فى ميادين التحرير فى طول البلاد وعرضها، وفى مسيرات حاشدة فى شوارع المحروسة، وفى خارج أرض الوطن أيضا. وعلى المجلس العسكرى أن يستوعب هذه الرسالة جيدا، ويتصرف بناء عليها، لأن تجاهلها سيكون حماقة كبرى، لن يدفع ثمنها سوى قادة المجلس العسكرى أنفسهم. ولينظر أعضاء المجلس إلى الطريقة التى كنا -كشعب وثوار- نتحدث بها إليهم فى بداية تسلمهم السلطة، ويقارنها بهتافاتنا المدوية فى ذكرى الثورة.