ليس سرا على أحد أن ما بات يعرف ب«تنظيم القاعدة»، الذى نشأ على قاعدتى الجهاد والتكفير، وبدأ نشاطه فى أفغانستان عقب احتلالها من جانب القوات السوفييتية عام 1979، أسسه تحالف أجهزة استخبارات عالمية وأمريكية على وجه التخصيص مع أجهزة استخبارات عربية وسعودية بالأساس، وأن الأميرين بندر بن سلطان آل سعود، وقت أن كان سفيرا للمملكة العربية السعودية فى واشنطن، وابن عمه وصهره تركى الفيصل، رئيس جهاز الاستخبارات السعودية حينذاك، لعبا الدور الأبرز فى تأسيس هذا التنظيم، وتوفير كل احتياجاته من تمويل سخى وتسليح وتدريب، لكن المؤسسة الدينية فى المملكة كان لها الدور الأهم فى تحفيز الشباب العربى فى المملكة ودول الخليج وعديد من الدول العربية، وكذلك الشباب المسلم فى عديد من دول وقارات العالم، للانخراط فى «الدعوة الجهادية»، التى روج لها دعاة المذهب الوهابى «السلفى» باعتبار أن هذا الجهاد هو الجهاد الأكبر الذى يسبق ويعلو كل جهاد، وأن الاستشهاد فى أفغانستان يعلو ويسبق كل استشهاد حتى ولو كان فى فلسطين. كان هذا هو خطاب المؤسسة الدينية ودعاتها، وبعد أن انتهى الجهاد فى أفغانستان، وانسحب الاتحاد السوفييتى مهزوما، وانتصر الأمريكيون وتحول الجهاد فى أفغانستان إلى اقتتال على السلطة بين أمراء الحرب الأفغان الباشتون والطاجيك، أصبح الشباب المجاهدون فى أفغانستان، خصوصا العرب منهم، مطاردين من أجهزة الأمن والاستخبارات فى دولهم، وباتوا يحملون وصمة اسم «المجاهدون الأفغان» أو «العائدون من أفغانستان». هذه التجربة تكررت فى سوريا للالتفاف على الثورة الشعبية السورية، التى انطلقت فى مارس 2011 على أصداء ثورتى تونس ومصر، تطالب بإصلاحات سياسية واجتماعية، لكن التدخل الخارجى العربى والإقليمى والدولى انقض على هذه الثورة، وجرى تصدير المجاهدين من أفغانستانوالعراق ومصر ودول أخرى كثيرة، وأعلن نفير الجهاد فى سوريا ليعلو على كل جهاد، وعاد الأمير بندر بن سلطان يلعب الدور نفسه، وعادت المؤسسات الدينية ليس فقط فى السعودية، بل وفى قطر وجماعة الإخوان ورئيسهم محمد مرسى فى مصر يدفعون بالشباب إلى الجهاد فى سوريا، ونشأت التنظيمات الجهادية والتكفيرية كل حسب مصدر تمويله، نشأت «جبهة النصرة» وتأسس تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» (داعش)، ثم تأسست «الجبهة الإسلامية» من أكثر من عشرة تنظيمات جهادية، وتدفق المتطوعون للجهاد عبر بوابات العراقوتركياوالأردن برعاية من منظمات إسلامية فى تلك الدول، ودعم من السلطات السياسية والأمنية، حتى استيقظ الجميع أمام «الغول الجديد»، وانقلب السحر على الساحر، وتحولت «داعش» إلى خطر يتهدد الجميع، ويستدعى التحالف من الجميع. كل من قاموا باستحضار العفريت لم يعد فى مقدورهم أن يصرفوه، لسبب بسيط هو أن الجميع يتحاشى أن يقترب من جوهر الأزمة، وهى أن هذا الخطر نشأ وكبر وترعرع بتحالف مؤسستين كبيرتين: المؤسسة المذهبية التى تغذى الفكر والعقل بأفكار خاطئة تخترق بها عقول آلاف الشباب، وتدفع بهم للقتال، ليس دفاعا عن عقيدة كما يزيفون، بل دفاع عن قضايا وصراعات سياسية، والمؤسسة الأمنية المدعومة سياسيا، التى توفر الرعاية والتمويل والتسليح لهؤلاء المقاتلين من الجهاديين التكفيريين، ولن تنجح أى مواجهة مع «داعش» وأخواتها إذا لم تتوقف التغذية العقيدية المذهبية، التى تقوم بها المؤسسات الدينية الراعية لهؤلاء التكفيريين، التى تقوم بتفريخ الأجيال من الإرهابيين تحت دعوة الجهاد العقيدى، وإذا لم يتوقف التمويل والتسليح والرعاية الأمنية والغطاء السياسى عن هؤلاء التكفيريين. فالقرار الصادر عن مجلس الأمن ويحمل الرقم 2170، الذى يطالب «بمنع تجنيد وتسليح عناصر التنظيمات الجهادية الإرهابية» لا يكفى لتحقيق الهدف المنشود، لأنه يختصر «جبهة الإرهاب» الجديدة فى السعودية بأميرى «النصرة» عبد الرحمن الجهمى وعبد المحسن الشارخ، المعروف ب«سنافى النصر»، والمطلوب فى السعودية على لائحة ال86، وأحد أبرز الكوادر التى أرسلتها قيادة خراسان «القاعدية» فى أفغانستان للقتال فى سوريا، ولأن هذا القرار حصر المواجهة مع «داعش» و«جبهة النصرة» واستثنى «الجبهة الإسلامية»، كما أن هذا القرار لا يملك أى آليات تطبيقية لردع الدول والمؤسسات المالية والدينية التى تدعم وتسهل التمويل والتجنيد، لا سيما فى تركيا، ويترك أمر مراقبة الانصياع للقرار للجنة الأممالمتحدة فى العراق، وليس أيضا فى الأردنوتركيا اللتين يعبر منهما الآلاف من المقاتلين الأجانب إلى سوريا. ويظهر اقتصار القرار على ستة أسماء، أربعة منها خليجية، يتصل نشاطها بالتجنيد والتمويل مباشرة، على رغبة أمريكية مدعومة من دول خليجية، هدفها عدم الذهاب بعيدا فى مواجهة البيئة الخليجية الحاضنة للإرهاب الحكومية والشعبية والمسهلة له فى سورياوالعراق، فالقرار لم يشمل عشرات الجمعيات السعودية الشعبية والدعاة والشخصيات، التى تعمل عبر شبكات دولية فى دعم تنظيم «داعش»، وتوفر له شبكة مالية معقدة، وواجهات وجمعيات استفادت من تجربة «القاعدة» السابقة لتوفير ضخ التمويل اللازم. كما لم يشمل القرار أسماء شخصيات قطرية، كانت الولاياتالمتحدة قد وضعتها على لائحة الإرهاب كالشيخ عبد الرحمن النعيمى رئيس «منظمة الكرامة لحقوق الإنسان»، ولم ينل القرار من الشبكة المالية الكويتية، واقتصر على اسمى الداعيين: حجاج فهد العجمى، وحامد حمد العلى، ولم تأت على شريك العجمى شافى العازمى، الذى يتولى مع نواب فى مجلس الأمة الكويتى الدعوة إلى دعم «لواء أحرار الشام» بشكل خاص. تجفيف المنابع المغذية للإرهاب عقائديا وماليا وتسليحيا هو المدخل الحقيقى للحرب على الإرهاب، إذا كانت هناك نية وعزم حقيقيان، وإلا فالطوفان قادم.