كانت الصيحة الكبرى فى ميدان التحرير وميادين مصر كلها خلال ال18 يومًا الأولى لثورة 25 يناير 2011م، وحتى إجبار حسنى مبارك على الرحيل هى: «الشعب يريد إسقاط النظام»، وكلمة النظام فى علم السياسة تعنى مجموعة القواعد المُنظِّمة لأداء فعال فى العملية السياسية داخليًّا أو خارجيًّا، وهى القواعد التى يقوم على تنفيذها والتخطيط لها أشخاص، وتنتج عنها سياسات، ولذلك فإن المقصود بإسقاط النظام أى إسقاط وإزاحة الرموز أى الأشخاص الشاغلين لمناصب قيادية والمنتمين لهذا النظام وقيادته العليا، وتغيير السياسات التى أنتجها هؤلاء الأشخاص، وإسقاط قواعد الحُكم والسُلطة المعمول على أساسها، والتى تتحرك السياسات فى إطارها، ومن ذلك تداخل السلطة والمال بلا ضوابط صارمة كما كان متبعًا فى نظام مبارك الفاسد. وفى ضوء ذلك، وعلى خلفية أن الثورة تستهدف التغيير الجذرى لا تغيير الشكل أو اللون، فإن جزءًا من هذا التغيير هو الاستبعاد الحتمى لرموز نظام مبارك والمرتبطين به والذين عملوا معه وشاركوا فى صنع سياساته «سياسيًّا وحزبيًّا وتنفيذيًّا وتشريعيًّا» لأن كل هؤلاء مسؤولون عن توليد الغضب فى نفوس الشعب، والدفع بهم للثورة على النظام، لأن هؤلاء فاشلون إجمالاً ولا يُستثنى أحدٌ على الإطلاق تحت دعاوى أن هذا كان «حلوًا وجميلا وغير فاسد ودمه خفيف وناعمًا»، والبعض يوصف بأنه كان يعارض مبارك من الداخل وسرًّا!! كما أن هؤلاء متهمون من الشعب بأنهم جميعًا «فاسدون سياسيًّا»، وجميعهم بلا استثناء حصل على مزايا عينية ومادية بلا حدود، لدرجة أن المنصب الذى حصل عليه كان مكافأة له على عمل أو أعمال أداها لخدمة النظام واستمراريته، بل والمساهمة فى محاولة «التوريث» بنقل السلطة من «مبارك الأب إلى مبارك الابن»، ولم يحدث أن اعترض أحد من هؤلاء على الإطلاق، وليكشف لنا من يزعم أو يفكر فى أن يزعم بذلك، عن قصاصة ورق صحيفة أو حديث إذاعى أو تليفزيونى له يؤكد ذلك!! فما يجرى من محاولات مستميتة لغسل سمعة البعض والترويج لهم عبر وسائل الإعلام هو أمر مستفز للجماهير، كثيرًا ما اشتكى لى كثيرون منهم وكل من يقابلنى يحملنى مسؤولية كشف هؤلاء والمنطق الثورى فى فضحهم وكشفهم ومبررات إزاحتهم كما أوضحت، ولذلك فإنه فى سلسلة من مقالات سابقة ومقالات قادمة نتعهد أمام الرأى العام بتناول ذلك، مهما كان الثمن الذى تعودت على دفعه باستمرار، وأريد أن أقول مقدمًا، من لم يقل «لا» صريحة فى وجه مبارك، و«لا» صريحة ضد التوريث، فى أثناء حكم مبارك الشكلى وحكم نجله فى الواقع، لا يوثق بكلامه الآن وهو منزوع المصداقية بلا شك. ويستهدف مقال اليوم الكشف عما يجرى فى وزارتى التعليم، بالإصرار على استحضار رموز مبارك بمباركة الحكومة، فالسؤال ماذا يفعل هؤلاء؟ ولماذا يتم استحضارهم؟! ففى وزارة التعليم، استبدل فى عهد الإخوان خصوصًا الوزير الإخوانى إبراهيم غنيم الذى كان ينتمى إلى الخلايا النائمة، رجال الإخوان برجال مبارك، وتم اللعب فى المناهج بما يخدم الإخوان، مع سقوط الإخوان فى 30 يونيو، جاء وزير ينتمى إلى الحزب الوطنى، وأول ما فعل أتى بأحمد زكى بدر الوزير الأسبق للتعليم فى عهد حسنى مبارك ليضمه إلى المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى، ردًّا للجميل حيث كان د.زكى بدر قد استعان بمحمود أبو النصر مستشارًا وعضوًا من قبل وفى عهده!! وبدأ استبعاد الإخوان واستبدال رموز مبارك بهم، وأى وزير تعليم يريد كثافة إعلامية يقترب فورًا من الثانوية العامة للتعديل وإثارة قلق البيوت والأسر والشعب لكى ينشغلوا عما هو أهم فى المجتمع!! ففضح الوزير ملف امتحانات التأهيل للجامعة تحت مسميات مختلفة «القدرات.. إلخ»، أما فى وزارة التعليم العالى، فحدِّث ولا حرج فالوزير وأغلب قيادات الوزارة إن لم يكن كلهم فى المقدمة د.أشرف حاتم، ينتمون إلى نظام مبارك وحزبه، وهم لا ينكرون ذلك!! فبعدما ترشحوا ونجحوا فى ظل نظام الانتخابات وأصبح أحدهم «الوزير» نجدهم ينقلبون عليه، وإلى الأسوأ ومن دون معايير ليأتوا برجال الحزب الوطنى مرة أخرى، وقد سبق أن نبهت إلى ذلك فى مقال واضح كل الوضوح، وكأن الأمر أصبح أرجوحة إما رجال مبارك وإما رجال الإخوان!! وهذا المشهد يكشف عن «اللا ثورة». مثلًا هناك اتهام لوزير التعليم العالى الأسبق هانى هلال بإهدار 70 مليون جنيه، وتم نشر ذلك وأحالها حسام عيسى وزير التعليم العالى الأسبق أيضًا إلى النيابة العامة، وما زال هلال ورجاله يعملون داخل اللجان المختلفة بالوزارة وتحت إشراف الوزير الحالى، الذى نبهته إلى ذلك فور توليه، لكى ينفض يده من الحزب الوطنى، ووعدنى دون تنفيذ!! الأمر كله محصور فى أن سياسات الصندوق والبنك الدولى، ما زالت تعمل داخل الوزارة وما تم إعداده فى عهد هانى هلال ما زال تنفيذه جاريًا، وما يترتب عليه من مكافآت وديون على البلد وإفساد التعليم، هل يعلم هؤلاء أن نظام مبارك ورجاله هم سبب تخلف العملية التعليمية وفسادها؟! لكل ذلك فإن الثورة مستمرة حتى النصر بإذن الله، بإسقاط نظامى مبارك والإخوان، احترامًا لدماء الشهداء ولإرادة الشعب فى التغيير وفقًا لثورتى 25 يناير، 30 يونيو، وكلنا أمل فى أن يكون عبد الفتاح السيسى رأس الحربة لترجمة هذه الإرادة، وإلا فالعوض على الله فى ثورتى الشعب، وما زال الحوار متصلًا.