على مساحة 165 مترًا.. رئيس هيئة النيابة الإدارية يفتتح النادي البحري فى الإسكندرية (صور)    "المصريين": ثورة 30 يونيو ستبقى علامة فارقة في تاريخ مصر    حماة الوطن: نجدد الدعم للقيادة السياسية في ذكرى ثورة 30 يونيو    تحديث مباشر.. سعر الدولار اليوم في مصر    تباطئ معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 2.22% خلال الربع الثالث من العام المالي 2024-2023    بن غفير ردا على كندا: إسرائيل ذات سيادة ولن تقبل إملاءات من أي دولة    حزب الله يهاجم بمسيرات هجومية موقع الناقورة البحري    إسبانيول: تفعيل ريال مدريد بند شراء خوسيلو وبيعه للغرافة القطري    فليك يطلب بقاء نجم برشلونة    حملات تموينية على الأسواق والمخابز والمحال بشمال سيناء    "مظاهرة حب".. أول حديث ل عمرو يوسف بعد إعلان مرض كندة علوش    كريم عبد العزيز يكشف موعد عرض فيلم الفيل الأزرق 3    ما هي الضوابط الأساسية لتحويلات الطلاب بين المدارس؟    إصابة 5 أشخاص فى حادث تصادم سيارة ميكروباص بعمود إنارة ببنى سويف    وكيل صحة الدقهلية يتفقد مستشفى نبروه المركزي (صور)    محمد مهنا: «4 أمور أعظم من الذنب» (فيديو)    أفضل دعاء السنة الهجرية الجديدة 1446 مكتوب    انطلاق مباراة الإسماعيلي والمصري في الدوري    قائد القوات الجوية الإسرائيلية: سنقضى على حماس قريبا ومستعدون لحزب الله    لطيفة تطرح ثالث كليباتها «بتقول جرحتك».. «مفيش ممنوع» يتصدر التريند    يورو 2024.. توريس ينافس ديباى على أفضل هدف بالجولة الثالثة من المجموعات    أيمن غنيم: سيناء شهدت ملحمتي التطهير والتطوير في عهد الرئيس السيسي    عبدالمنعم سعيد: مصر لديها خبرة كبيرة في التفاوض السياسي    فيروس زيكا.. خطر يهدد الهند في صيف 2024 وينتقل إلى البشر عن طريق الاختلاط    «الرعاية الصحية» تعلن حصاد إنجازاتها بعد مرور 5 أعوام من انطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل    مستشار الأمن القومى لنائبة الرئيس الأمريكى يؤكد أهمية وقف إطلاق النار فى غزة    «رحلة التميز النسائى»    أيمن الجميل: تطوير الصناعات الزراعية المتكاملة يشهد نموا متصاعدا خلال السنوات الأخيرة ويحقق طفرة فى الصادرات المصرية    مع ارتفاع درجات الحرارة.. «الصحة» تكشف أعراض الإجهاد الحراري    بائع يطعن صديقة بالغربية بسبب خلافات على بيع الملابس    هند صبري تشارك جمهورها بمشروعها الجديد "فرصة ثانية"    وزيرة التخطيط: حوكمة القطاع الطبي في مصر أداة لرفع كفاءة المنظومة الصحية    لتكرار تجربة أبوعلى.. اتجاه في الأهلي للبحث عن المواهب الفلسطينية    شوبير يكشف شكل الدوري الجديد بعد أزمة الزمالك    مواجهات عربية وصدام سعودى.. الاتحاد الآسيوى يكشف عن قرعة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026    حمى النيل تتفشى في إسرائيل.. 48 إصابة في نصف يوم    انفراجة في أزمة صافيناز كاظم مع الأهرام، نقيب الصحفيين يتدخل ورئيس مجلس الإدارة يعد بالحل    محافظ المنيا: تشكيل لجنة للإشراف على توزيع الأسمدة الزراعية لضمان وصولها لمستحقيها    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    بالصور.. محافظ القليوبية يجرى جولة تفقدية في بنها    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الإقليمي بالمنوفية    جهاز تنمية المشروعات يضخ تمويلات بقيمة 51.2 مليار جنيه خلال 10 سنوات    شيخ الأزهر يستقبل السفير التركي لبحث زيادة عدد الطلاب الأتراك الدارسين في الأزهر    21 مليون جنيه حجم الإتجار فى العملة خلال 24 ساعة    تفاصيل إصابة الإعلامي محمد شبانة على الهواء ونقله فورا للمستشفى    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    أمين الفتوى: المبالغة في المهور تصعيب للحلال وتسهيل للحرام    ضبط 103 مخالفات فى المخابز والأسواق خلال حملة تموينية بالدقهلية    أماكن صرف معاشات شهر يوليو 2024.. انفوجراف    بكاء نجم الأهلي في مران الفريق بسبب كولر.. ننشر التفاصيل    موسى أبو مرزوق: لن نقبل بقوات إسرائيلية في غزة    حظك اليوم| برج العذراء الخميس 27 يونيو.. «يوما ممتازا للكتابة والتفاعلات الإجتماعية»    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    الكشف على 1230 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    شل حركة المطارات.. كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية ب«القمامة»    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروشتة الماليزية.. حكاية شعب آمن بشعار «ماليزيا أيضا تستطيع»
نشر في التحرير يوم 28 - 08 - 2014

وفقا لبيانات البنك الدولى فإن ماليزيا، الدولة ذات الدخل أعلى من المتوسط، صنعت ما اعتبره البنك أداءً مذهلا، إنها شهادة تبدو مهمة خصوصا إذا كانت بحقّ دولة كانت شديدة الحذر فى ما يتعلَّق بالاستدانة من المؤسسات الدولية وتبنى شروطها فى أوقات كثيرة، بل وما زال مسؤولوها السابقون يوجِّهون كخبراء نصيحتهم إلى الدول النامية بأن تكون على حذر مماثل فى التعامل مع مثل تلك المؤسسات الدولية المانحة.
لقد أشاد البنك الدولى بتجربة ماليزيا وما زال، بأنها سجَّلت متوسط نمو أعلى من 7% خلال 25 عاما، ونجحت فى خفض نسبة الأسر التى تعيش تحت خط الفقر بها من 50٪ فى عام 1960 إلى أقل من 2% الآن. لقد تطور اقتصادها بشكل مذهل من الاعتماد على الزراعة وتصدير المواد الخام إلى الصناعة، وقد أخذ اقتصادها فى التوسع فى مجالات التجارة وصناعة التكنولوجيا حتى أصبح واحدا من أبرز الاقتصاديات فى شرق آسيا، بعد أن نجح فى تنويع مصادره واستغلال كل الإمكانات المتاحة أمامه لتحقيق معدّل نمو عالٍ، وتقليل معدل الفقر فى البلاد. إنها نظرة على تجربة أخرى (من الشرق) تقدمها جريدة «التحرير»، وربما تستحق قليلا من النظر والتأمل والدراسة.
الاستقلال أولا.. وقبل أى شىء
ماليزيا هى دولة تقع فى جنوب شرق آسيا مكوَّنة من 13 ولاية و3 أقاليم اتحادية، بمساحة كلية تبلغ 329، 845 كم2، والعاصمة هى كوالالمبور، فى حين أن بوتراجايا هى مقر الحكومة الاتحادية. يصل تعداد السكان بها إلى 29.7 مليون نسمة، وجغرافيا تنقسم إلى قسمين يفصل بينهما بحر الصين الجنوبى، هما شبه الجزيرة الماليزية وبورنيو الماليزية المعروفة أيضا باسم «ماليزيا الشرقية»، يحد ماليزيا كل من تايلاند وإندونيسيا وسنغافورة وسلطنة بروناى. عمليا لم تكن لماليزيا دولة موحّدة حتى عام 1963، قبل ذلك كانت بريطانيا تفرض نفوذها على مستعمرات الهند وجنوب شرق آسيا حتى أواخر القرن الثامن عشر. وقد تكوّن النصف الغربى من ماليزيا الحديثة من عدة ممالك مستقلة. عرفت هذه المجموعة من المستعمرات باسم «مالايا البريطانية»، حتى جرى حلها عام 1946 وإعادة تنظيمها ضمن اتحاد الملايو. لقد حصلت ماليزيا على الاستقلال فى وقت لاحق فى 31 أغسطس 1957، وقد دمجت كل من سنغافورة، ساراواك، وبورنيو الشمالية البريطانية واتحاد مالايا جميعها لتشكّل ماليزيا يوم 16 سبتمبر 1963. وقد شابت تلك الصيغة فى السنوات التالية كثيرا من التوترات داخل الاتحاد الجديد، أدت إلى نزاع مسلح مع إندونيسيا، ومن ثمّ خروجها، وكذلك طرد سنغافورة فى 9 أغسطس 1965.
أزمة ما بعد الاحتلال
يرى مؤرخون ماليزيون أن بريطانيا شأنها شأن أى دولة احتلال قد تركت وضعا بائسا فى بلادهم بعد رحيلها، أبرز سماته كانت حالة الاحتقان العرقى التى كانت سائدة وقتها فى ماليزيا، ففى عهد الاحتلال الإنجليزى تحوَّلت ماليزيا من مجتمع شبه متجانس إلى مجتمع متعدد الأعراق، وذلك بسبب العمال الوافدين الذين جلبتهم شركة «الهند الشرقية» من الصين والهند وإندونيسيا (هى شركة أسسها التاج البريطانى ومنحها سلطات احتكارية على تجارة الهند وجميع مستعمراتها فى جنوب شرق آسيا، وقد تحولت الشركة من مشروع تجارى إلى مؤسسة تحكم جميع الولايات والمستعمرات البريطانية فى المنطقة).
وخلال تلك الفترة كان داخل ماليزيا ما يشبه حالة الفصل العنصرى، فصلا فى المجتمعات والقطاعات الاقتصادية التى تعمل فيها تلك الأعراق المختلفة، فالمالاى مثلا كانوا يعملون بالزراعة فى المناطق الريفية، أما الهنود فكانوا يعملون فى مجال العقارات، بينما كان الصينيون يعملون فى قطاع الأعمال، وبعد الاستقلال كان المالاى المسلمون يمثِّلون ما نسبته 65%، بينما مثل الصينيون 26%، ومثل الهنود 8٪، ومثّلت الأقليات الأخرى 2%.
لم تكن تلك المشكلة العرقية هى المشكلة الوحيدة فى ماليزيا ما بعد الاحتلال البريطانى فحسب، فمع بداية الاستقلال كانت البلاد تتصف بمعدل مرتفع جدا من الفقر والبطالة، ومع تزايد عدد السكان لم يكن فى استطاعة «القطاعات» (المطاط ومناجم القصدير) سوى توفير عدد ضئيل من فرص العمل، وبغير خلق فرص عمل للماليزيين كان من الممكن أن يتحوَّل الاستقلال إلى استقلال لا معنى له، وتغزو المشكلات الاجتماعية الدولة وتحولها النزاعات العرقية إلى برميل من البارود قابل للانفجار فى أى لحظة.
ليسوا اشتراكيين ولا رأسماليين
وإن كان البعض يرى أن اتجاه ماليزيا لم يكن بمنزلة خروج عن المألوف بقدر ما كان اتجاها نحو الافتتاح الاقتصادى والسوق الحرة، يؤكِّد مهاتير محمد، فى إحدى المحاضرات التى ألقاها فى كلية الاقتصاد بجامعة «أواتاوا» فى ماليزيا، عدم اتّباع ماليزيا نهجا أيديولوجيا بعينه: «نحن لسنا اشتراكيين ولا رأسماليين فى ماليزيا، الحقيقة أننا عمليون، نختار أى نظام نجده أنسب لمجتمعنا، هناك تجارة حرة، لكن هناك قواعد وضوابط وقوانين للتأكد من أن التجارة الحرة لا تؤدى إلى استغلال العمال أو أسواق الرأسماليين».
ويضيف فى نفس المحاضرة: «لا تتبع إدارة الاقتصاد الماليزية أى أيديولوجية أو حتى نظرية اقتصادية تقليدية، إنها أكثر حرية من الاقتصاد الرأسمالى، وهى ليست بدرجة تصلب الاقتصاد الاشتراكى أو الشيوعى فى ما نتمتَّع به من مقاربة. إذا كانت هناك مقاربة تناسب احتياجاتها فى وقت ما نتبنَّاها، وإذا لم تعد تلك المقاربة مناسبة أو لم تعد تؤدى الغرض نتركها لمصلحة مقاربة جديدة أو معاكسة تماما أو خليط من المقاربات الأيديولوجية من الأيديولوجيات المختلفة».
الاهتمام بالبنية التحتية.. من أجل التصنيع
لقد لعب الاهتمام بالبنية التحتية دورا كبيرا فى التنمية الاقتصادية فى ماليزيا، فلم يكن لأحد أن يستثمر إذا لم تكن هناك طرق جيدة وسكك حديدية وموانٍ جوية وبحرية لخدمة الاقتصاد. وهو ما أدركه الماليزيون وأولوه اهتماما بالغا، ومع مرور الوقت تمكَّن الماليزيون من امتلاك بنية تحتية جاذبة للاستثمار، وتدريجيا أصبح لديهم القدرة على استثمار وتصنيع كل شىء تقريبا مما يصنعه المستثمرون الأجانب، بما فى ذلك المنتجات الإلكترونية.
يعطى مهاتير محمد مثالا عن هذا فى صناعة البترول مثلا، حالة «بتروناس» الشركة الوطنية للبترول، صاحبة البرجين الأشهرين فى جنوب شرق آسيا، ويقول: «لم تقم الشركة بجمع الإتاوة والأرباح من المشاركة فى الإنتاج، لكنها قامت أيضا بتعلم كل ما يمكن تعلّمه من صناعة البترول، من التنقيب إلى الإنتاج إلى تسويق المنتجات حول العالم، والشىء نفسه أيضا فى الصناعات البتروكيماوية. اليوم تعمل شركة (بتروناس) فى أكثر من 30 دولة فى كل فروع أعمال البترول، وأصبح اسمها فى قائمة (فورتشن 500) (قائمة أكبر الشركات بالعالم)».
وفى سعى لتسريع نمو الاقتصاد، قامت الحكومة بخصخصة كثير من المرافق والهيئات والشركات الحكومية، وهنا فرضت الإدارة الماليزية شرطين للخصخصة كى تتم وفقا لما تراه فلسفة رشيدة لا تهدر حقوق العمال، يتمثَّلان فى الآتى:
1- لا يمكن الاستغناء عن العاملين إلا بموافقتهم، ويجب حينئذٍ دفع مكافأة مجزية لهم.
2- يجب أن لا يكون مستوى المرتبات والمزايا للشركات الخاصة أقل مما كان عليه إبان ملكية الحكومة لها إذا أمكن أن يكون أفضل منه.
ويقول مهاتير فى تقييمه لبرنامج الخصخصة الماليزى: «لقد أسهمت الخصخصة فى الإسراع فى تنمية الدولة، لأن القطاع الخاص أصبح يبنى كثيرا من حاجات البنية التحتية بالطرق السريعة وخدمات الاتصال التليفونية الحديثة، ومحطات الطاقة.. أصبح ما تنفقه الحكومة على مشروعات البنية التحتية دون عائد مباشر يذهب إلى التنمية».
شعار التمسك بالحلم«ماليزيا أيضا تستطيع»
وفى كلمة ألقاها مهاتير محمد، أمام منتدى جدة الاقتصادى فى عام 2004، قال: «للحاق بالدول المتقدمة يجب أن يتمتع الماليزيون بالثقة فى النفس.. إنهم يتلقون تشجيعا للقيام بأى شىء قام به الآخرون أو يستطيعون القيام به، وأن يقوموا به بشكل أفضل. قام بحَّار ماليزى بالإبحار منفردا حول العالم محققا رقما قياسيا عالميا، تسلَّق الماليزيون قمة جبل إفرست، وهبطوا بالمظلات على القطب الشمالى، وقاموا بالسباحة فى النقال الإنجليزى (المانش)، إلخ.. بالنظر إلى أن ماليزيا تقع فى المنطقة الاستوائية فإن هذه الأعمال تمثل تحديا أكبر، وتساعد على إقناع الماليزى بأنه لا يقل عن أى إنسان آخر، فتم إطلاق شعار (ماليزيا بوليه) أو (ماليزيا تستطيع)، أى أن ماليزيا والماليزيين يستطيعون فعل أى شىء يفعله الآخرون. لقد ساعد ذلك الماليزيين على مواجهة أى تحديات سواء على مستوى الفرد أو الأمة. يحفظ دفتر ماليزى كل الإنجازات التى قام بها الماليزيون».
2020 هى خطة اقتصادية ل30 سنة.. لا تحدد الهدف فقط لكن الاستراتيجيات والخطوات
اكتساب المعرفة الإدارية والتقنية ونقلها
لقد اختبرت الأزمة المالية فى آسيا قدرات الماليزيين، لقد اكتسبوا معرفة مكنتهم ليس فقط من التغلب على التراجع المالى، ولكن أيضا من إدارة تنمية الدولة دون الاعتماد الزائف على السلف الخارجية. وهنا يقول مهاتير محمد: «لقد استلفنا فقط بقدر ما نستطيع أن نرد بالتوازى مع نمو ماليزيا اقتصاديا، اتفق كثير على بناء الطرق وقنوات الرى والمطارات والموانى ومحطات المياه والطاقة. يسهم بناء كل ذلك فى العمالة والأعمال إلى النمو الاقتصادى، بعد تشغيلها تساعد هذه الأعمال على خفض تكلفة المعيشة وتشجيع الأعمال وتحسين مستوى المعيشة».
وبمرور الوقت وتراكم رأس المال وأيضا الخبرات المحلية أصبح كثير من مكونات المنتجين التى تصنعها الشركات الأجنبية تنتج محليا بأيدى صناعات مملوكة للماليزيين، تستطيع الشركات الماليزية اليوم تصنيع غالبية المنتجات التى بدأت تصنيعها شركات مملوكة للأجانب، يستثمر الماليزيون اليوم فى الدول الأجنبية فى تصنيع منتجات ابتداءً من الأجهزة المنزلية إلى الشرائح الإلكترونية. لقد أصبحت القدرة والمعرفة للماليزيين مساوية تقريبا للمستثمرين والصانعين الأجانب.
لقد أصبحت ماليزيا اليوم دولة صناعية، يقلّ اعتمادها على الاستثمار الأجنبى المباشر أكثر فأكثر، بينما أصبح شعبها يمتلك رأس المال للاستثمار ولإدارة التصنيع، لذلك فبعد أن كانت صادرات ماليزيا عام 1981 من المواد الخام 5 مليارات دولار، بلغت قيمة صادرات الإلكترونيات فقط 100 مليار دولار فى عام 2003.. إنها نسبة كاشفة وبحق عما جرى فى تلك الدولة.
بريطانيا تركت ماليزيا فى وضع بائس أبرز مشكلاته الاحتقان العرقى والفقر والبطالة
مهاتير محمد: لسنا اشتراكيين ولا رأسماليين.. نحن عمليون نختار نظامًا مناسبًا لمجتمعنا
20% من الموازنة الماليزية مخصَّصة للتعليم.. ونسبة البطالة وصلت إلى 3%
المشروع الوطنى للتعليم
لقد بدأ المشروع الوطنى للتعليم بالاستماع إلى المعلمين وأولياء الأمور والطلاب والاستعانة بخبرات أجنبية وعقد اجتماعات ومنتديات للحصول على آراء الجميع فى نوعية التعليم الذى يريدونه، 20٪ من الموازنة الماليزية مخصصة للتعليم، وتم توجيه استثمارات ضخمة فى التعليم وفى تطوير المدارس وكفاءة المعلمين، بحيث تحوَّل التعليم فى حدّ ذاته فى ما بعدُ إلى قطاع للاستثمار حتى أصبح لدى الماليزيين واحد من أهم محاور الاستثمار فى التعليم فى جنوب شرق آسيا. ما يزيد على عشرين جامعة حكومية، ونسبة تقترب من المئة فى المئة فى ما يتعلق بالطلبة المنخرطين فى التعليم الأولى، بالإضافة إلى عدد من فروع أشهر الجامعات فى العالم، وهؤلاء يأتون للاستثمار فى قطاع التعليم فى ماليزيا ثقة فى اقتصادها. ومع تطور مستوى التعليم انتشرت فكرة «المعامل» لإيجاد الحلول للمشكلات التى تواجه ماليزيا فى مجالات عدة، حيث تتولى مجموعة من المتخصصين داخل غرف مغلقة العمل فترات طويلة فقط على إيجاد حلول ما لأزمة ما لديهم، وهناك معامل فى السياحة، وتجارة الجملة، والبترول والتعليم والطاقة، إلخ.. أما نتاج تلك المعامل فيكون عرضة للنقاش والدراسة فى منتديات أوسع بعد الانتهاء من إخراج الحلول.
هل نجحت ماليزيا فى أن تخلق تعايشا للثقافات؟
بعد استقلالها عن إنجلترا كان الوضع فى ماليزيا معبرا عن حرمان لأغلبية السكان الماليين، فأغلبهم كما قلنا كانوا يعملون بالزراعة فى حين تعمل الأقليات الأخرى من الصين والهنود فى مجال لأعمال العقارات، ورغم أن المالاى كانوا يمثلون الأغلبية فإنهم كانوا الأكثر معاناة وفقرا، لقد بدأ الأمر بأنه لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل كثيرا، خصوصا بعد أعمال الشغب العرقية التى انفجرت فى 13 مايو عام 1969، والتى عبرت عن غضب إزاء استمرار الأوضاع كما هى، ولقد سعت الحكومة بعد ذلك لتبنى سياسة تمييز إيجابى لصالح الأغلبية غير الممكنة، وأطلق رئيس الوزراء الأسبق عبد الرازق حسين، الملقَّب ب«أبو التنمية»، سياسات اقتصادية جديدة أثارت جدلا واستهدفت زيادة حصة «السكان الأصليين» (أغلبية شعب المالايو) بالمقارنة مع غيرها من الجماعات العرقية، وقد حافظت ماليزيا منذ ذلك الحين على توازن عرقى وسياسى دقيق، مع نظام حكم يحاول الجمع بين التنمية الاقتصادية الشاملة والسياسات الاقتصادية والسياسية التى تعزز المشاركة العادلة لجميع الأعراق المشكلة للبلاد، وهنا يرى مهاتير محمد أن «ما مكّن الثقافات المختلفة فى ماليزيا أن تستمر وتتعايش هو روح التسامح والعملية التى يظهر بها الجميع، يعلم الماليزيون أن أى محاولة لفرض ثقافة واحدة سوف تؤدى إلى ضيق وعدم تعاون، وربما مواجهة عرقية. ستصبح الدولة فى هذه الحالة غير مستقرة وغير قادرة على النمو.. إننا نعتقد فى ماليزيا أنه من الأفضل أن تكون لك قطعة من كعكة تكبر عن أن تكون لك كعكة كاملة تنكمش، لقد أدى التسامح إلى أن تصبح ماليزيا آمنة ومستقرة. هكذا أصبح النمو الاقتصادى سريعا وكبر نصيب كل شخص بكثير من ثروة البلاد الاقتصادية الأصلية».
لا تتبع ماليزيا وصفة للتكامل الثقافى أى قاعدة جامدة وسريعة، وكلها نتيجة لطريقة تجاوب تجاه مواقف معينة، لو كان الماليزيون جامدين وغير راغبين فى تعديلات لما أصبح تكامل الثقافات ممكنا.
بينما لا يمكن أن تطبق وصفة ماليزيا على كل الدول ذات السكان متعددى الأعراق، فلا شك أن روحا من السماحة يمكن أن تساعد على التكامل الثقافى، فلا تعلو ثقافة على الأخرى يجب اعتناقها بأى ثمن.
فى النهاية ينبغى التأكيد أن تجربة ماليزيا فى تحقيق تطور اقتصادى ليست تجربة خالية من السلبيات أو العيوب، خصوصا إذا تحدَّثنا عن مناخ الحريات ومظاهر الطائفية التى ما زالت قائمة ومتمثلة فى الأحزاب العرقية، وعدد من الإجراءات غير الديمقراطية التى تبدو أن حكومات قد انتهجتها فى وجه من رأتهم خصومها، بالإضافة إلى ما تسجله تقارير دولية عن عدد من العقوبات التى قد تجدها ما زالت قائمة هناك مثل الجلد والضرب وغيره، بالإضافة إلى سلبيات تجربة تمكين المالاوى التى قادت ربما الآن إلى احتياج فئات أخرى فى المجتمع من الأقليات أصبحت فى حاجة إلى أن تمكن هى بعد أن جرى تمكين المالاوى على حسابها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.