دائمًا ما يكون هناك، فى محكمة، أو مكتب تحقيق، إلى جوار مظلوم، متهم فى قضية رأى، سياسى تدفع به مواقفه إلى قفص الاتهام، عامل ذهب عرقه إلى كروش لا تشبع، تُضيق عليه الرزق وتُحرم عليه الشكوى. وهو أمر مفروغ منه، يتسق مع فطرة سوية لإنسان كونه إنسانًا، لكنه يكون هناك أيضا، حيث يقبع متطرف فى القفص يباهى بجريمته، ويردد من قفصه أن الدم الذى أزهقه والفوضى التى أحدثها باسم الله وبأمره وللقربى منه. لماذا يساند متهمًا يراه شخصًا كافرًا وخارجًا عن الملة؟ هو يساند العدالة أكثر، حين يبحث للجميع عن حق معلوم فى التقاضى النزيه، حين يطالب بتحكيم الدستور على السلطة والمواطنين، على المذنب والبرىء. العدالة لا تتجزأ.. وإذا كان من العدل أن تستعيد لمظلوم حقه، فمن العدل أيضًا أن تحاكم الظالمين بعدل. لكن تجربته الممتدة لعقود من النضال والاعتقال والجولات القضائية فى المحاكم، تثبت أن السلطة أيًّا كان صاحبها، وأيًّا كانت خلفيته، أكثر مَن يخرق الدساتير وقيم العدالة، وأكثر مَن يحمى الظالمين، ويمنع وقوفهم من الأصل أمام منظومة العدل. لم يكن يومًا فى خصومة مع الدولة، لأنه ينازعها سلطانها، ولا الأحزاب الحاكمة، لأنه يطمع فى مقاعدها، ولا التيارات الدينية، لأنه يحسدها على تنظيماتها التى فشل كل رفاقه فى اليسار فى بناء ما يشبهها، كانت خصومته مع الظلم والتمييز أيًّا كان مصدره، وأيًّا كان الطرف الذى يتعرض لهذا الظلم، لا يقيس الأمر بمنطق سياسى، فيتضامن مع مظلوم، لأنه صديق، ويدعم ظلما آخر، لأنه عدو، حتى إنك تضبطه أكثر من مرة يدافع عمن يكفرونه، ويدعم من يخونونه، ويطلب العدل وحكم القانون فى من كانوا يعذبونه. أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح حمد، أو سيف الإسلام «بتاع اليسار» كما يحب أن يُعرف نفسه، للتفريق بينه وبين محامٍ آخر يحمل اسم سيف الإسلام أيضا، لكنه ابن جماعة الإخوان وابن مؤسسها حسن البنا، هو المحامى الزاهد، أحد رموز الحركة الحقوقية البعيدة عن الضوء منذ بداية الثمانينيات، وهى حركة مهمة رغم أى تحفظات على أداء بعض أطرافها، وفى غياب المعارضة الحقيقية خلال عهد مبارك، خاضت معركة قانونية ممتدة مع سلطة مبارك، وفتحت ملفات التعذيب والخصخصة، وتبنت حقوق العمال ودافعت عن حرية الرأى، ودفع هو ثمنًا لذلك من عمره سنوات اعتقال كثيرة. تجربته مع التعذيب الذى تعرض إليه فى سجون مبارك، وتجربتان بالسجن وهو طالب يتصدر مظاهرات تحرير الأرض فى عهد السادات، كوّنت مبادئه فى دعم الحرية ومناهضة التعذيب والتمييز، بينما تركت فى داخله قدرًا متسعًا جدا من التسامح وقبول الآخر حين يكون الأمر متعلقًا بالعدل والعدالة. حين كنت أساجل محاميا أصوليا فى عام حكم الجماعة، كان يتحدث طويلًا عن مواجهته كمحام لنظام مبارك فى المحاكم، وكنت أضرب المثل بسيف الإسلام وأسأله: كم قضية ترافعت فيها عن سجين رأى ليس من تيارك ولا ينتمى إلى أفكارك؟ لم يستطع أن يذكر شيئًا، بينما ذكرت له عشرات القضايا التى وقف فيها سيف الإسلام يدافع عن أصوليين، حتى وهم يتفننون فى تفصيل الفتاوى التى تطعن فى عقيدته. الذين يعرفونه الآن، يعرفون أنه والد المحبوسين علاء عبد الفتاح، وسناء سيف، ووالد محبوسة محتملة هى منى سيف، وزوج ليلى سويف، وأنا لا أحدثك عن عائلته التى علَّم كل فرد فيها أن يدفع ثمن مواقفه، وأن يدير قناعاته بالشكل الذى يراه مناسبًا، أحدثك عن رجل ناضل من أجل العدل لعقود، وعمله الصالح فى إعمال أهم وأجل وأعظم مقاصد الشريعة الإسلامية وهى تحقيق العدل، تكفيه ليكون سيفًا حقيقيًّا للإسلام.. إسلام المقاصد العظيمة، لا إسلام المظاهر الفارغة. وهو يقضى هذه الآونة أيامًا صعبة غائبًا عن الوعى فى غرفة العناية المركزة، أكتب هذه السطور، لعلك تجدها فتتضامن بالدعاء من أجل رجل قضيته العدل.