من أهم مكاسب ثورة 30 يونية عودة التقارب المصري الروسي إلي سابق عهده، لكسر الحاجز الوهمي الذي أقامته الولاياتالمتحدةالأمريكية علي مصر منذ أكثر من أربعين عامًا عانت فيها مصر لعب دور الوصيف للدولة العبرية المدللة أمريكيًا والحفاظ علي التفوق الاستراتيجي لها بتصدير أسلحة خردة لمصر 'حسب تعبير إحدي الصحف الروسية' ناهيك عن الهيمنة الأمريكية علي كل قرار استراتيجي مصري يتجه لدعم الاستقلال الوطني وتعمد وضع مصر في ذيل القائمة. فالولاياتالمتحدة التي مارست تصعيدًا غير مبرر بعد عزل محمد مرسي وفقًا لإرادة الشعب بوقف المساعدات العسكرية واللوجيستية لمصر دفعت حلفاءها الأوربيين للهجوم علي الثورة المصرية وتشويه الجيش المصري وتصويره علي انه يطلق الرصاص علي المتظاهرين في الشوارع ما دفع القيادة الحالية للبلاد إلي الاتجاه شرقًا بتعزيز التعاون مع روسيا وفتح آفاق جديدة مع شريك الماضي الذي توقف عن دعم مصر نزولا علي رغبة الرئيس السادات الذي أوقف الدعم السوفيتي لمصر عام 1972 حتي تكون الحرب مصرية خالصة وحتي لا تتذرع إسرائيل بأن موسكو شاركت العرب الحرب وهو ما اعتبره الخبراء وقتها حقا مشروعا لمصر التي تعود الآن وبعد أكثر من أربعين عامًا لتعلن علي لسان وزير خارجيتها نبيل فهمي بأن وقف المساعدات الامريكية لمصر شأن لا يعنينا ومن حقنا ان نبحث عن مصادر أخري للتعاون معها.. وهو الأمر الذي لقي ترحيبا من موسكو التي أعلنت علي لسان كبار مسئوليها انها علي استعداد لدعم القاهرة لأنها تؤمن بحق المصريين في تقرير مصيرهم وتم تتويج هذه التصريحات بزيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين إلي مصر الاسبوع الماضي لتوثيق عري هذا التعاون ولإعادة التوازن الإقليمي للمنطقة مجددًا وشملت محادثات الطرفين بحث أوجه التعاون خاصة الدعم الاقتصادي ومشاركة موسكو للقاهرة في عدة مشروعات خاصة بالطاقة وإعادة الزخم لتدفق السائحين الروس للمدن المصرية خاصة ان السائح الروسي كان قبل ثورة يناير يحتل المرتبة الاولي بمشاركة السائح الالماني الذي تراجع قليلا بعد 2011. كذلك نقلت وكالة نوفو سيتي الروسية للأنباء عن الرئيس الروسي قوله أنه يتمني إنشاء صندوق لدعم مصر ودول الشرق الاوسط التي تشرع في إعادة تأسيس البني التحتية بعد الحركات الثورية التي اجتاحت المنطقة وذلك علي غرار الصندوق الذي أسسته موسكو لدعم دول شرق آسيا وحقق نتائج مذهلة في اقتصادات هذه الدول.. وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن الجانبين توصلا إلي اتفاق علي لقاء ثنائي علي مستوي الخبراء في مجال التعاون الصناعي قريبا وإعداد مقترحات بشأن التبادل في مجال العلوم والتعليم. وأن موسكووالقاهرة تدعوان إلي عقد مؤتمر دولي لإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط بأسرع ما يمكن، مُذَكّرًا بأن القرار بهذا الشأن قد اتخذ في عام 2010. إلا أن المحادثات الأبرز تلك التي جرت بين الفريق أول عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي سيرجي شويجو وتطرقت إلي بحث التعاون العسكري بين الطرفين وتسربت أنباء صحفية من موسكو عن ان الأخيرة تعتزم دعم القاهرة بصفقة أسلحة تقدر بملياري دولار يتم تسديدها علي دفعات وتشمل أنظمة دفاع صاروخية متطورة 'وهو الجانب الذي تتفوق فيّ روسيا علي الولاياتالمتحدة' وطائرات وذكرت وكالة نوفو سيتي أيضًا أن إحدي شركات الأسلحة الروسية عرضت علي مصر أنظمة دفاع جوي متطورة للغاية ناهيك عن إبرام عقود لإصلاح الآليات العسكرية الروسية التي مازالت حتي اللحظة هي حجر الزاوية في الجيش المصري. وبعيدًا عن وسائل الإعلام الغربية التي أدعت ان الزيارة جاءت لاستعراض عضلات روسيا في المنطقة فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستمنح موسكو الوقت الكافي للقاهرة لترتيب أوضاعها لتسديد قيمة هذه الصفقة خاصة انه من المعروف عن الروس ومن قبلهم السوفييت انه من رابع المستحيلات ان تمنح موسكو أسلحة للآخرين بعقود طويلة الأجل فمن المعروف عن شركات الأسلحة الروسية انها تشترط الدفع الفوري لصفقات السلاح التي تبرمها مع الآخرين أو علي الأقل تقسيط المبالغ إلي آجال قريبة؟!! الإجابة عن السؤال هي بالطبع بالنفي فليس معني ان روسيا أبدت استعدادها للتعاون مع مصر انها ستمنحها الأسلحة حبًا في الثورة المصرية أو نكاية في الولاياتالمتحدة فإلي هنا والجميع يبحث عن مصالحه الخاصة فقط لذلك كان لافتا ما نشرته 'المصري اليوم ' يوم الجمعة الماضي عن اللقاء الذي تم بين رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوي والسفير السعودي بالقاهرة أحمد سعيد قطان والذي سبق وصول الوزيرين الروسيين بعدها مباشرة تسربت أنباء من الرياض ومن عواصم عربية أخري ان المملكة العربية السعودية ستقوم بتحمل صفقة السلاح الروسية إلي مصر كذلك ردد البعض ان الامارات ستشارك في دعم الصفقة أيضًا تحقيقًا للوعد الذي قطعته الدولتان للمسئوولين المصريين بدعم مصر للخروج من أزمتها الحالية. وإذا كانت كل من الرياض وأبو ظبي خففتا من الضغط المالي علي مصر بتحمل قيمة الصفقة الروسية فإن السؤال يطرح نفسه عن مدي قيام موسكو بدعم مصر بأسلحة متطورة خاصة في مجال الطائرات فإذا كان الروس يعتزمون إمداد مصر بأنظمة دفاع جوي متطورة فإن الأمر لا يبدو كذلك بالنسبة لقطاع الجو، ذلك لأن كل منتج جوي أمريكي له ما يقابله في روسيا وهذه حرب من نوع آخر لا يعلم عنها أحد أي شيء فعلي سبيل المثال تقوم الولاياتالمتحدة بإنتاج طائرات إف 15 التي تقابلها في القوة طائرة الميج 21 وطائرة إف 16 التي تقابلها الطائرة الروسية المتطورة جدا ميج 23 وهذه الأنواع توردها الدولتان إلي حلفائهما ومن يستطيع الدفع.. اما طراز إف 35 التي يطلق عليها الأمريكيون اسم 'توم كات' فهي طائرة يقول عنها الخبراء إنها فائقة التطور فهي قاذفة ومقاتلة في الوقت ذاته ولها القدرة علي حمل أطنان هائلة من المتفجرات بالإضافة إلي قدرتها علي المناورة والاشتباك في الجو وهي مميزات لا تتوفر في أنواع الطائرات الروسية سوي في طراز ميج 29 التي تبدو موسكو حذرة جدًا في امداد أي دولة بها حتي الآن 'بإستثناء أنباء لم يتسن التأكد من صحتها عن إمدادها بهذا النوع من الطائرات للعراق أثناء حكم الرئيس الراحل صدام حسين' وهو الحذر نفسه الذي تتبناه واشنطن في التعامل مع إف 35 التي تلح إسرائيل في طلبها من الولاياتالمتحدة وهو الأمر الذي قد يلقي الآن قبولاً لدي الأمريكيين كنوع من الضغط ورد فعل سريع للرد علي مصر بعد تقاربها مع روسيا. وعلي ذكر رد الفعل الأمريكي، فالغريب أن أقوال المسئلين الأمريكيين خاصة المتحدثين منهم باسم وزارة الخارجية لا تتفق مع السياسة الأمريكية المراوغة والمعلنة تجاه مصر فالسيدة الناطقة باسم الخارجية الأمريكية 'جين بساكي' قللت من زيارة وزيري خارجية ودفاع روسيا إلي مصر وأشارت إلي أن بلادها تتابع التقارب المصري الروسي لكنها لم تتخل عن دعم الاقتصاد في مصر والغريب ان كلام المسئوولة الأمريكية التي شكا عدد من الصحفيين المقيمين في واشنطن من قلة خبرتها جاء في اعقاب زيارة يمكن وصفها بالوقائية لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري فور الإعلان عن الزيارة المرتقبة للمسئولين الروس لمصر والتي أشارت تقارير صحفية وأخري رسمية إلي ان لغة الحوار التي تخللتها تقترب من وصلة الغزل في مصر وشعبها. ولأن الولاياتالمتحدةالأمريكية دائمًا تكيل بميكالين فقد سربت وسائل إعلام أمريكية معروفة بأنها وثيقة الصلة بدوائر صنع القرار الأمريكية ان التقارب المصري الروسي يضر مصر ولن يفيدها وقالت إن موسكو تمارس نوعًا من التدليس علي مصر لأنها سبق لها ان اتفقت مع حلفائها الآسيويين خاصة الهند ومن خلال الصندوق الذي أسسه الرئيس الروسي علي إحياء ما يسمي بطريق الحرير الذي يربط بين آسيا وأوربا عن طريق القطار وهو ما يصيب قناة السويس بخسائر فادحة. وفي حقيقة الأمر ان من يمارس التدليس هي الولاياتالمتحدة وليست موسكو أو الهند أو الصين فهذا المشروع قديم قدم الدولة العثمانية وتسبب في مشاكلات لا حصر لها للدول التي يمر بها خط السكك الحديدية ولم يعد هناك من يتحمل إعادة إحياءه مجددًا ناهيك عن التكلفة الضخمة لهذا الأمر والتي لن تتحملها لا روسيا ولا الهند، كما ان الصراعات المسلحة التي طرأت الآن علي بعض الدول التي يمر بها القطار تعرض المشروع كله للخطر وهو ما يساهم في فشله قبل ان يبدأ. *** وفي النهاية فإن الأبعاد غير المعلنة لزيارة الوفد الروسي إلي مصر والتي يمكن قراءتها بين السطور بعيدًا عن صفقات السلاح وعقود الشراكة وما إلي ذلك تتلخص في أن مصر الآن أصبحت قادرة علي تحمل مسئوولية قرارها وتوفير مصادر أخري لتسليح جيشها ودعم بنيتها التحتية.. وأكثر من ذلك هناك من يستطيع الآن قراءة خارطة التحالفات الدولية والإقليمية والتعامل معها بحرفية من خلال محددات قرار مصري يراعي في المرتبة الأولي مصالح الشعب والجيش ولا يستجيب لضغوط دولية دفعت مصر إلي التراجع إلي الوراء طوال الثلاثين عامًا الماضية.