مع تشكيل ملامح المشهد السياسى فى مصر بإجراء الانتخابات البرلمانية وتحقيق أغلبية للإسلاميين يتساءل المراقبون فى واشنطن: تُرى متى يأتى الإخوان إلى واشنطن؟ ومَن الذى سيأتى من قياداتهم؟ وتُرى مَن سيكون فى استقبالهم؟ وماذا سيقولون عن مواقفهم وسياساتهم؟ وأسئلة أخرى مماثلة بدأت تتردد بشدة خلال الأيام القليلة الماضية فى أرجاء العاصمة الأمريكية خصوصا بعد لقاء ويليام بيرنز نائب وزير الخارجية، الدكتور محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان المسلمين، وأيضا بدأ الحديث المعلن وغير المعلن عن «تحول استراتيجى فى السياسة الأمريكية بالانفتاح على الإسلاميين» والإشارة إلى «التزام إخوانى بالتعهدات الدولية واتفاقية السلام مع إسرائيل» ومن ثَم.. ترددت أقاويل واستقراءات عن «عدم ممانعة» أو «رعاية» أو «مباركة» أمريكية لصفقات تمت أو ستتم بين الإخوان والعسكر فى الوقت الحالى وربما أيضا فى الفترة المقبلة فى عملية التحول الديمقراطى من الآن حتى شهر يونيو المقبل. وفى الحكايات ذاتها يُطرح أحيانا اسم عمرو موسى كرئيس للبلاد! والأسئلة المطروحة رغم ما قد تحمله من «دهاء سياسى» أحيانا فهى فى محلها خصوصا بعد أن كسب الإسلاميون فى الانتخابات البرلمانية. لذلك من المتوقع أن يقوم إخوان البرلمان وقياداتهم على وجه الخصوص وبعد بدء الدورة البرلمانية بتلبية دعوات زيارات إلى برلمانات العالم ومنها بالتأكيد الكونجرس الأمريكى. كما أن مراكز الفكر فى واشنطن من جهة أخرى «متلهفة» لدعوة الإسلاميين فى ندوات ومؤتمرات وجلسات نقاش للتعرف عليهم أكثر والأهم تقديمهم إلى الأمريكان من صناع القرار وإلى الرأى العام. وبرصد تحركات ونشاطات وأبحاث تلك المراكز أو «خزانات الفكر» (تينك تانكس) فى الشهور الماضية يرى المراقبون اهتماما مكثفا ومعمقا بالإسلام السياسى ودوره المتنامى مع الربيع العربى. معهد كارنيجى الشهير -على سبيل المثال- أصدر فى الفترة الأخيرة تقريرين، الأول «السلفيون والصوفيون فى مصر» لجوناثان براون، والثانى «عندما يصبح النجاح خيارا: جماعة الإخوان المسلمين تواجه النجاح» لناثان براون. وبالطبع إذا كان الإسلاميون مستقبلا يريدون أن يتحركوا سياسيا وإعلاميا فى الساحة الأمريكية، بالتأكيد ستتم الاستعانة بشركات علاقات عامة لتساعدهم فى هذه المهمة الشاقة من تحسين لصورتهم وتقديم لرسالتهم بوضوح وبساطة وسلاسة (إن أرادوا ذلك). وهنا يُطرح سؤال آخر حول من ستناط به هذه المَهَمّة الهامة التى قد يطلبها ويلجأ إليها الإخوان فى المرحلة المقبلة. بالمناسبة الزعيم الإسلامى التونسى البارز راشد الغنوشى كان فى واشنطن فى شهر ديسمبر الماضى ولقاءاته المهتمين والخبراء كانت عديدة ومتنوعة و«فرصة للتعارف والتعرف». وقد انصبت أسئلتهم غالبا حول القضايا المتعلقة بالديمقراطية وحقوق المرأة وحقوق الآخر وقبوله. وفى إطار التعارف أو التقارب أو ربما «التودد» الأمريكى إلى الإسلاميين جاءت مقالات نيكولاس كريستوف وتوماس فريدمان الأخيرة فى «نيويورك تايمز» من خلال لقاءات لهم فى القاهرة مع إسلاميين وقيادات إخوانية ووجوه من حزب الحرية والعدالة. فريدمان فى مقال بعنوان «الإسلام السياسى بدون النفط» نجده التقى ضمن من التقى بهم فى مصر عصام العريان الذى قال له إنه يأمل أن يجذب الإخوان السلفيين إلى جانبهم وأن لا يحدث العكس وأن تجذب الاثنين احتياجاتُ الناس. أما خيرت الشاطر فقد أكد له «أن العولمة لم تعد أمرا تختاره أن تكون معها أو تكون ضدها إنها واقع» وجاء نادر بكار (متحدث باسم حزب النور) ليذكر لفريدمان أن نموذج الحزب فى الاقتصاد هو البرازيل. من ناحية أخرى كتب الكاتب والمحلل السياسى فريد زكريا فى العدد الأخير من مجلة «تايم»: «إذا كنا متخوفين ومرعوبين من الإسلام السياسى فإننا بذلك نتجاهل التهديد الحقيقى الموجود على أرض الواقع. وأن التهديد فى الشرق الأوسط ليس أن الإسلام يُفسِد بل أن السلطة تُفسِد». وأضاف زكريا «أن التهديد الحقيقى فى الشرق الأوسط ليس فى الأحزاب السياسية الإسلامية وإنما فى حكامها المستبدين الأقوياء. و.. أن التهديد يأتى من الشعور الاستبدادى المستمر لدى مَن هم فى السلطة من أحزاب سياسية ومن العسكر». زكريا وهو يتحدث عن التهديد (حسب وصفه) تناول حالات مصر والعراق وتركيا وما شهدته من استبداد وقمع واستغلال للسلطات ومن ثَم انتهاك لحقوق إنسانية. ولوحظ فى زيارة بيرنز الأخيرة أن واشنطن فى الوقت الحالى تركز على الإخوان.. إذ لم يلتق السلفيين. وقد قامت الخارجية بتقديم تبرير لعدم لقاء بيرنز قيادى سلفى قائلة «ضيق الوقت». إلا أن هذا لا يمنع من أن تقوم السفارة بمهمة إيجاد قنوات اتصال وتواصل فى ما بعد. وفى حديثه التليفزيونى مع لميس الحديدى بقناة «سى بى سى» وضع ويليام بيرنز نائب الوزير الأمريكى النقاط فوق الحروف قائلا «نحن لدينا اتصالات مع الإخوان المسلمين منذ عدة عقود عبر سفارتنا فى القاهرة. وإن الرئيس أوباما والوزيرة كلينتون قد أوضحا أن الولاياتالمتحدة سوف تتعامل مع أى حزب ديمقراطى ملتزم بالمبادئ الديمقراطية ويلعب بقواعد اللعبة الديمقراطية التى تشمل التعهد بعدم استعمال العنف واحترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الأقليات» ثم أضاف «إذن اهتمامنا هو ليس أى حزب سياسى يكسب أو يخسر الانتخابات وإنما عما إذا كانت الديمقراطية تكسب أم تخسر. وإننا سنواصل الاتصال بأى حزب ديمقراطى يظل ملتزما بتلك المبادئ الديمقراطية». واشنطن من خلال تصريحاتها المعلنة تكلمت عمّا قالته من قبل للقيادات الإخوانية وما قاله بيرنز فى أثناء وجوده فى القاهرة، إلا أن فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، عندما حاصرتها أسئلة «عما سمعته واشنطن تحديدا من الإخوان» بجانب ما تردد فى وسائل الإعلام وخصوصا الصحف الأمريكية الكبرى مثل «نيويورك تايمز» (وحديثها مع عصام العريان) و«واشنطن بوست» (وحديثها مع سعد الكتاتنى)، ذكرت نولاند أنه من الأفضل أن يعلنوا هم بأنفسهم عما قالوه للسياسى البارز فى الإدارة الأمريكية. ويعد بيرنز أكبر مسؤول فى السُّلم القيادى والسياسى فى الإدارة يقابل قياديا بارزا من الإخوان. وكان كلٌّ من جيفرى فيلتمان مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وجيك والاس نائب مساعد الوزير، قد قابلا قيادات من الإخوان من قبل. ومعروف أن السيناتور جون كيرى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ قد قام بزيارة لمقر حزب الحرية والعدالة والالتقاء بقياداته يوم 10 ديسمبر الماضى. ويعد التعامل الأمريكى مع الصعود الإسلامى ملفا حساسا للغاية ومثيرا للشك والتردد، خصوصا أن واشنطن غالبا ما اعتادت التعامل مع هذا الملف الشائك من خلال ما كان يسمى «فزاعة» الإسلاميين، وكانت أنظمة الحكم الصديقة والحليفة لها (مثل نظام مبارك) تتعاون مع واشنطن فى «حملتها الشرسة ضد الإرهاب» من خلال منظومة أمنية مخابراتية تسعى إلى تحجيم وتكميم أو حتى إسكات الخطاب الإسلامى. كما اعتادت واشنطن النظر أيضا من خلال منظور إسرائيلى ليس فقط يحذر من الخطر القائم أو القادم بل يحذر من الانخداع أو الوقوع فى فخ خطابهم السلمى والمسالم. وما نراه ونعيشه الآن هو تحول بل انقلاب أسقط وأطاح وخلع ما اعتادت عليه واشنطن لعقود مضت. وبالتالى الأسئلة أكثر من الأجوبة والتكهنات أكثر من التأكيدات واحتمالات التغير والتبدل أكثر من سيناريوهات الاستقرار والاستمرار.. وقد تأتى رياح التغيير مرة أخرى بما لا تشتهيه وترغبه وتسعى إليه واشنطن!