لا تقتصر قيمة الأعمال الفنية على عناصرها الحرفية من إخراج وتصوير وتمثيل وموسيقى وغيرها فحسب، بل يستمد العمل الفنى قيمته أيضا من قربه من الواقع المجتمعى وقدرته على دفع المشاهد للتفكير، سجن النسا نموذج لهذه الأعمال، وهو مأخوذ عن نص مسرحى للكاتبة الراحلة فتحية العسال وسيناريو مريم ناعوم وإخراج كاملة أبو ذكرى، فكرته فى سرد درامى لقصص نساء من طبقات وخلفيات مختلفة منهن المظلومات والمجرمات، يجمعهن مرورهن بالسجن والعلاقات الإنسانية، التى تنمو به. قد يكون من الظلم تسويق المسلسل بأسماء ثلاث بطلات فقط (نيللى كريم ودرة وروبى)، لأن باقى القصص لا تقل أهمية وبراعة فى التمثيل، وهذا ما برع فيه النص الذى لم يركز على البطلة الوحيدة من البداية للنهاية أو تحول لمجرد قص ولصق لمشاهد باهتة دون تطور درامى للشخصيات، بل جمع النساء فى باقة درامية من القصص المتقاطعة ليغزل واقعا تليفزيونيا مشابها لما تعيشه ملايين السيدات من «كَسْرِة نِفْس» تحولهن تدريجيا لوحوش ليستطعن البقاء على قيد الحياة سواء خارج السجن أو داخله. لم تكن حدوتة المسلسل تقليدية فى فكرة قهر الرجل للمرأة، فى بعض القصص تقهر المرأة المرأة كذلك، مثل نوارة (ريهام حجاج) جارة غالية (نيللى كريم) التى شهدت زورا، وتسببت فى سجنها ظلما، وهربت مع زوجها أو قصة عزيزة (سلوى خطاب) وهنادى التى أغرت زوج الأولى بالزواج منها ثم تشويه عزيزة لها انتقاما، حتى قصص النساء خارج السجن تُظهرهن أسرى قيود المجتمع، فأخوات دلال (درة) المتهمة بالدعارة يضطررن للتبرى من أختهن حفاظا على مستقبلهن وسمعتهن، السجانة إحسان (سلوى عثمان) تخفى نبأ هرب ابنتها مع زوج غالية بحليها الذهبية عن الجميع درءا للفضيحة، والمريضة بالكلى شفيقة (نسرين أمين) تقع فريسة المرض والفقر بما يوقعها فى قبضة مافيا سرقة الأعضاء، بل وحياة (دنيا ماهر) التى قتلت أبناءها وزوجها بالسم ضحية جهل المجتمع الذى فشل فى الانتباه لمعاناتها من مرض نفسى يسهل علاجه بدلا من الدجالين. كما لمس المسلسل فى قصة روبى (رضا الخادمة) قضية عمالة الفتيات كعاملات نظافة فى البيوت، وهى مهنة لا تخضع لأى حماية أو تدريب لهن كما تغيب عنها القواعد والأصول الحاكمة للمهنة بما يؤدى لعواقب وخيمة مثل حرق رضا لابنة الأسرة التى تعمل لديها فى لحظة عدم اتزان عاطفى كرد فعل ناقم نتيجة إجبار والدها على العمل ومعارضته لزواجها طمعا فى الشهرية وعدم تقبلها لعتاب وسخرية ابنة صاحبة المنزل. يجسد المسلسل قصصا للا مساواة والظلم مهداة خصيصا لمرددى مقولة المرأة أخذت حقوقها كاملة، وأصبحت وزيرة وسفيرة -هذا لا ينفى أن ظلما يقع على الرجل أو أن المرأة تخطئ بالفعل- لكنه يؤكد غياب العدالة عن المجتمع بأكمله.