المونديال شهر واحد يعيش معنا إلى الأبد ولكنه كالفتاة الجميلة تكلف المزيد من المال كأس العالم، مثل «حُب الصيف».. فقط شهر واحد، لكن يبدو أنه يعيش معنا إلى الأبد، ففى بعض الأوقات نعتقد أنه لن يأتى أبدًا، هناك أناس فى الشوارع يحتجون ضدها، قائلين إنهم لن يرحبوا بها. أشك فى أنها تستحق ذلك، فهى كالفتاة الجميلة، ولكنها غالية، تكلف المزيد من المال فى بعض الأحيان، مع وجود أشياء ليست بالمهمة، لكن الأسوأ أن تعيش من دونها.. إنها مثل «حُب الصيف»، وها هى تسير إلى مكان آخر وستجعل آخرين يقعون فى براثن حبها. نأمل أن نراها مجددًا مرة أخرى فى 2018، لكنها لن تصبح دافئة بعد الآن، فالطقس سيكون باردًا، لكنه لن يحتاج إلى الشمس كى يتألق بريقه. أجل، كان هناك الكثير من العوامل القادرة على إحداث تأثير جيد فى البرازيل. هناك الشواطئ، والناس المتحمسون لكرة القدم، والأطفال الذين يحلمون بالوقوف بجوار النجوم والأجانب الذين يحاولون أن يخطفوا الأضواء من المواطنين المحليين، إنه مثل «حُب الصيف»، حيث يكون لديك الكثير من الخيارات، لكنها اختارتنا نحن.. اختارت البرازيل. الشكر كل الشكر إلى تلك البطولة، رأيت فيها فوز كوستاريكا على أوروجواى، والتى بدأت لتكون مفاجأة قوية فى 2014. فى هذا اليوم، الناس فى فورتاليزا، اتجهت إلى ملعب كاستيلاو من أجل رؤية «السيليستى» (أوروجواى)، لكنهم حوّلوا اهتمامهم واتجهوا شيئًا فشيئًا لدعم وتشجيع المنتخب الكاريبى، حتى تمكن منتخب كوستاريكا من تحقيق الانتصار فى الجولة الأولى. شاهدت البرازيليين والكوستاريكيين وهم يغنون ويقفزون مع بعضهم بعضًا، وكأنهم أصدقاء مقربون، لم نكن نعرف فى ما بعد ما هو آت: فكوستاريكا فازت بعد ذلك على إيطاليا وتعادلت مع إنجلترا، وعبرت إلى دور ال16، وأسقطت اليونان، ولكنها خرجت على يد الفريق المرشح للبطولة هولندا فى دور الثمانية بركلات الترجيح.. يا له من أمر مذهل! شاهدت الماراكانا وهو يدعم البوسنة والهرسك ضد الأرجنتين. وإذا لم يكن هناك رجل اسمه ليونيل ميسى، كان يمكن أن نرى البوسنة وهى تصنع التاريخ فى هذا اليوم، ولكن ميسى هو ميسى، على الرغم من أن نظام أليخاندرو سابيلا لم يكن الأفضل بالنسبة إليه، سجل صانع الألعاب وقاد الأرجنتين إلى أول انتصاراتها. فى هذا اليوم تذكرت كيف يمكن ل(كرة القدم) أن تكون قادرة على صناعة المفاجأة بالنسبة إلينا، وهذا هو السبب الذى يجعل الناس يقعون فى براثن حبها. مَن يمكنه أن يتخيل أن البوسنة المنتخب الضعيف يمكنه أن يخلق مشكلة بالنسبة إلى منتخب عملاق مثل الأرجنتين؟ من يمكنه أن يتخيل أن الماراكانا يمكنه أن يصبح بوسنيا فى يوم من الأيام؟ الساحرة المستديرة فقط هى من يمكنها تحقيق ذلك الأمر. شاهدت كريستيانو رونالدو وهو يركض وحده على أرض الملعب، ومحاولاته ليضع البرتغال فى دور ال16 ضد غانا، فى برازيليا، فقد تمكن من التسجيل، لكن هذا لم يكن كافيًا. توقعت مشاهدة أفضل لاعب فى العالم وهو يتأهل فى المراحل التالية، لكنى أدركت أن أفضل لاعب فى العالم يحتاج إلى فريق جيد كى يتمكن من التألق، فالبرتغال، لسوء الحظ، ليس ريال مدريد. وكريستيانو رونالدو عاد إلى وطنه ودياره فى هذا اليوم. الساحرة المستديرة كانت تفعل أشياء من هذا القبيل: تدركين أن أفضل لاعبى العالم يستحقونك، لكن تعلميهم فى ما بعد أنك لست بسهلة، وأنهم بحاجة إلى أكثر من مجرد ابتسامة لطيفة كى يتمكنوا من السيطرة عليك. إنهم يحتاجون إلى أن يكونوا استثنائيين، إنهم يحتاجون إلى أن يكونوا عظماء وعمالقة. شاهدت الألمان والفرنسيين وهم يعانون من اللعب فى الساعة الواحدة ظهرًا فى الشمس الحارقة فى ريو دى جانيرو.. أنا من عشت وولدت فى البرازيل، ولم أعش فى مدينة غير ريو دى جانيرو، كنت أتصبب عرقا، وأشرب المياه المثلجة كل خمس دقائق تقريبًا.. فتخيل أولئك اللاعبين.. تخيل الألمان، الذين اعتادوا العيش وسط الثلوج. إنها لم تكن مباراة صحية بالنسبة إليهم، لكن كان لديهم جوعهم الخاص بهم، والرجال كانوا يعرفون كيف يحددون مستقبلهم، من دون أن يهتموا بالنجوم، الذين يهتمون بتقديم العروض الاستعراضية. أولئك الذين يتقاضون أجورًا مرتفعة، ولا يقدمون فى مقابلها جهدًا يذكر. بعد يوم واحد من انتصار الألمان، شاهدت الآلاف من الأرجنتينيين يجتاحون لبرازيليا، لقد جعلت (الساحرة المستديرة) الناس يفعلون أشياء مجنونة. فقط من أجل تلك الكرة وتلك الكأس، الناس يسافرون إلى بلدان أخرى من دون تذاكر أو أماكن للنوم أو الإقامة، إنهم لا يريدون إلا أن يروا تلك الكرة، ويشاهدوا تلك الكأس. الأرجنتينيون متعصبون تجاه منتخبهم الوطنى. فى ذلك اليوم لم أر ميسى يقدم مباراة جيدة، لكن إيجواين كان هناك يحاول أن يجعل شعب وجماهير الأبيض والأزرق سعداء. كان فوز الأرجنتين على بلجيكا مذهلا، وذهب إلى الدور نصف النهائى للمرة الأولى منذ 24 عاما، لكنهم أهدروا فرص (كرة القدم) مرارًا وتكرارًا. انتظرت ثمانية أيام كاملة كى ألاقيك مجددًا (كأس العالم)، وأعيش أجواءك بصورة حية، كنت متعبًا، وحاولت أن أشاهدك فقط من خلال شاشات التليفزيون، لكن انتظارى هذا كان يستحق. إنه مثل إحساس أن تعرف امرأة، وتقع فى حبها، ولكنك تعلم أن الأمر يتطلب المزيد من الوقت لرؤيتها مرة أخرى. وعندما حدث ذلك مرة ثانية، نسيت كل آلامى. عدت إلى الماراكانا، المكان والملعب الذى أحببته أكثر من أى مكان آخر فى ريو دى جانيرو. وشاهدت كيف أنت جميل (كأس العالم) بصورة لم أكن أتخيلها. كيف يمكن لى أن لا أبكى؟ كيف يمكن لكل تلك الذكريات أن تدور فى رأسى؟ لم أكن وحيدًا فى هذا اليوم، فقد كنت معك (كأس العالم). جدى، الذى التقى معك فى عام 1950 على نفس الملعب، لم يترك فكرى ولا عقلى لحظة. والدى، الذى لم يتمكن من الحصول على تذكرة لحضور اللقاء، كان أيضا معى. كل عائلتى، وأصدقائى، الذين شاهدوا كيف هو حبى لكرة القدم معى هنا فى الملعب، ولكن بخواطرى، إنه أمر من المستحيل أن ننساه. كنت أحب أن أشاهد ميسى كمارادونا، يراوغ جميع منافسيه، ويسجل أجمل أهداف فى تاريخ كرة القدم. كنت أحب أن أشاهد ميروسلاف كلوزة، يسجل ويهدف ليزيد سجل أرقامه القياسية من الأهداف. كنت أود أن أشاهد أكثر المباريات إثارة من أى وقت مضى. لكن من المستحيل أن نكره ما قدمت لى البطولة. ألمانيا استحقت اللقب، وتم تبنيها والسعادة بها من قبل كل الشعب البرازيلى، لقد سبق واحتضناك من قبل، وأردتك فقط أن تكونى لى أنا فقط. لكنى لست غيورًا. أنا أعلم أنك تنتمين إلى كل من يحب كرة القدم فى كل العالم.. وهذا هو السبب الذى جعل اسمك «كأس العالم».. أراك لاحقا يا «حُب صيف» جديد.. لن أنساكِ أبدًا.