مر عامان على المجزرة العنيفة التى أحدثتها يد الإرهاب الغاشمة والغدَّارة ضد الجنود المصريين برفح المصرية، المجزرة التى راح ضحيتها 16 شهيدا لم يرتكبوا إثما سوى إخلاصهم لبلدهم ودفاعهم عن ترابه وأداء واجبهم نحوه، شأن كل مصرى يقدر قيمة أرضه. المجزرة التى وقعت يوم 17 رمضان لم تخلف وراءها شهداء فقط، بل خلفت عائلات تلبسها الحزن للأبد، كما خلفت يتامى فى سنواتهم الأولى للحياة. الحزن يتضاعف عند الأهالى لأن القوات المسلحة والسياسة المصرية لم تثأر لهم، لم تقبض على الجناة، ولم تقدمهم للمحاكمة، لم تحكم بما شرع الله فى النفس التى تقتل نفسا بلا ذنب. وربما كان هذا المطلب الأبرز لأهالى الشهداء، لم يطلبوا دية ولا أرادوا مساعدات مالية، وإن كان على السلطات أن تفعل ذلك من تلقاء نفسها، بل طالبوا بالعدل، بالقصاص من القتلة، الذين سولت لهم أنفسهم قتل جنود أبرياء، ذهبوا ليؤدوا خدمتهم العسكرية، فلم يعودوا. والد شهيد سمالوط: في انتظار القصاص اليوم ال17 من رمضان هو اليوم الأسود الذي لم يمح من ذاكرة المصريين، حيث شهد حادثة إرهابية أليمة استهدفت 16 من أبناء القوات المسلحة، فوقعوا ضحايا بأعيرة نارية على يد مجموعة إرهابية على الحدود المصرية برفح. كان مركز سمالوط بالمنيا الأكثر حزنًا، حيث فقد اثنين من أبنائه من قريتى ساقية داقوف والقمادير، ورغم مرور عامين على الحادثة فإن حالة الحزن لا تزال تسيطر على أهالى الشهيدين. إلى قرية ساقية داقوف، مسقط رأس الشهيد محمد أحمد عبد المنعم، الشهير ب«طه أبو كف»، انتقلت «التحرير» والتقت والده، الذى وصف لنا الحزن الذى يسيطر على أسرته منذ رحيل الشهيد وقتله وهو صائم، بصحبة 15 من زملائه، دون الوصول إلى الجناة وتقديمهم إلى المحاكمة والقصاص منهم، رغم الوعود المتكررة من قيادات القوات المسلحة أو من قيادات الرئيس المعزول. والد الشهيد قال إنه رغم رحيل ابنه فإنه ما زال بينهم فى صورة حفيده عمر الذى يبلغ الثالثة من عمره، وكلما أنظر إلى عينيه أشعر بنظرات اللوم منه لعدم الثأر لوالده حتى الآن، خصوصا بعد أن تركه وهو رضيع لم يتجاوز العام الواحد. والد الشهيد حكى أن ابنه كان الأقرب إلى قلبه وكان محبا لوطنه ورفض الهروب من أداء الخدمة العسكرية، كما طلب منه البعض من أهالى قريته، وسعد كثيرا عندما جاء سلاحه بمنطقة رفح الحدودية. والد الشهيد قال إن ال17 من رمضان هو اليوم الأسود فى حياته، وإن ابنه كان دائم الحديث معه فى كل إجازة عن الأوضاع المضطربة بمنطقة رفح وانتشار الأسلحة والعناصر والبؤر الإجرامية، كأنه كان يشعر بأن مصيبة قريبة ستحل على هذه المنطقة، حتى إنه فى آخر زيارة له طلب منه ومن والدته الدعاء له ولزملائه. والد الشهيد قال: كل ما أطلبه من القيادة العسكرية والسياسية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسى هو ضرورة الكشف عن مرتكبى الحادثة، حتى تبرد النيران المشتعلة داخل قلوبنا، وأن تجف أعيننا من الدموع ويريح 15 أسره أخرى طال انتظارها. والد الشهيد قال أيضا، إننا مستعدون أن نقدم أرواحنا فداء لهذا البلد، وما نريده هو القصاص العادل والثأر من الخونة، وأننا مستعدون لحمل السلاح والذهاب لأى مكان حتى نشفى غليلنا. أهالى الدقهلية ما زالوا يلبسون الأسود على الشهداء حالة من الحزن لا تزال تعيشها قرية تيرة التابعة لمركز نبروه بمحافظة الدقهلية بعد عامين من حادثة رفح الإرهابية التى أودت بحياة أحد شباب القرية، وهو حامد عبد المعطى عبد العزيز، 22 سنة، والذى استشهد فى حادثة الاعتداء الإرهابى على النقطة الحدودية القريبة من معبر رفح قبل زفافه ب20 يوما، وما زالت قريته وشارعه يكتسيان بالسواد حزنا على عدم القصاص ممن قتلوه غدرًا. الحاج عبد المعطى، والد الشهيد، لم تختف عن وجهه علامات الحزن والحسرة على فقدان ابنه الذى كان يجهزه لكى يتزوج، مؤكدا أنه وأبناءه فداء لكل ذرة تراب من مصر، وعلى الرغم من افتقاده لابنه فإنه فخور بأنه استشهد من أجل الوطن، مشيرا إلى أنه يشعر بخيبة ومرارة لعدم القصاص له من قتلته على الرغم من مرور عامين على الحادثة. عبد العاطى أكد أنه لن يفرح إلا بعد أن تجف دماء ابنه بعد القصاص ممن قتلوه غدرا، متمنيا من القوات المسلحة والرئيس عبد الفتاح السيسى أن يسعوا بكل جهدهم للقصاص منهم. عبد العزيز، الشقيق الأكبر للشهيد، أكد أن حامد كان فاكهة القرية، وكان «ابن بلد أوى وجدع»، عشق مصر وأحبها، وكان يتمنى الشهادة من أجلها رغم حبه الكبير لخطيبته، وهى جارتهم، وكان يستعد لزفافه لكن رصاص الغدر اغتال فرحته. أحمد سليمان، أحد جيران حامد، قال «لقد كان قمة التدين والأخلاق، وكنا منذ الصغر نستشيره فى أمور عديدة، ونعتبره حكيما لرجاحة عقله وتدينه وحبه الخير لكل الناس. رحمه الله هو وكل الشهداء ونطالب بالقصاص لروحه وزملائه من الخونة والمجرمين». وفى قرية الشتايتة، التابعة لمركز المنزلة مسقط رأس الشهيد محمد إبراهيم إبراهيم عبد الغفار، 22 سنة، لم يختلف المشهد كثيرا بالسؤال عن الشهيد، والكل أجمع على حسن سيرته، وأنه كان من أفضل شباب القرية. حالة الحزن ما زالت موجودة فى شوارع القرية وتزداد كلما اقتربنا من منزله، لنجد نساء شارعه ما زلن يرتدين الأسود انتظارا للقصاص ممن قتله. محمد عبد المنعم، صديق الشهيد، أكد أن محمد كانت أحلامه بسيطة جدا، وكان يتمنى أن ينهى مدته فى الجيش ويجد فرصة عمل جيدة يستطيع منها الزواج، وكان دائما ما يراوده حلم الأبوة، إلا أن رصاص الغدر قضى على حلمه. محمد طالب المسؤولين بعدم نسيان دماء محمد وزملائه الذى استشهدوا غدرا منذ عامين وأن يتم القصاص ممن قتلتهم. أما فى قرية بساط كريم الدين التابعة لمركز شربين مسقط رأس الشهيد وليد ممدوح زكريا إبراهيم، 22 سنة، والحاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية، فبعد مرور عامين على وفاته أدركت الأسرة أخيرا أن وليد لن يعود بعد أن زالت الصدمة عن الأهل، حيث ظل شقيقيه محمد وكريم غير مصدقين لخبر وفاة شقيقهما منتظرين عودته لفترة طويلة قبل أن يتأكدوا من استشهاده. الحزن لم ينته حتى الآن فى منزل وليد -بحسب وصف الحاج إبراهيم جار الشهيد- الذى أكد أن الأسرة كلها وجيران وليد الذين لمسوا طيبته وأخلاقه الكريمة ينتظرون لحظة القصاص من قتلته الذى لم يراعوا حرمة دم ولا حرمة شهر رمضان، متخوفا من أن تنتهى ذكرى المذبحة مع الزمن، وأن يخفت صوت المطالبين بالقصاص. شهيد فُوَّة.. اسم فى ميدان يبحث عن قاتله فى ميدان المحكمة، وسط مدينة فوة بمحافظة كفر الشيخ، لافتة يزينها اسم شهيد الجيش، السيد محمد محمد أبو طالب، 21 سنة، الذى اسْتُشهد فى شهر رمضان قبل الماضى فى أحداث رفح برصاصات الغدر، ليخلف وراءه أُما حزينة أعياها الدهر وأحنتها السنوات بفقد الزوج أولا، ثم فقد آخر أبنائها السبعة. الشهيد كان يعمل ترزيا، وشيَّد حياته الزوجية التى تكتمل ليفارق الحياة فى شهر الصيام والتعبد. شقيقا الشهيد «شعبان وهانى» قالا إن أخاهما كان مثالا للأخ البار الطيب الخلوق، وحكيا أنه أصغر أشقائه، وله شقيقان ذكور و4 من الإناث، وأن والدنا متوفٍّ. الشقيقان قالا إن الدولة قامت بإطلاق اسم الشهيد على ميدان المحكمة وسط مدينة فوة تخليدا لذكراه، وليظلّ اسمه عالقا فى أذهان كل الأجيال، وشاهدا على الغدر والخيانة من أعداء الوطن. أهالى شهداء الشرقية: لا أحد يتذكر أرواح أبنائنا إلا القوات المسلحة الشرقية تُعدّ من المحافظات الحزينة، إذ إنه لا تقع حادثة إرهابية تستهدف ضبَّاط القوات المسلحة إما بالقتل أو الخطف، بدايةً من استشهاد الجنود فى ما عرف إعلاميا باسم «مجزرة رفح الأولى»، إلا وكان للشرقية نصيب الأسد منها. تلك العمليات الإرهابية وقعت فى فترة حكم المعزول محمد مرسى، وأيضا عقب الإطاحة به وبنظام جماعته الإرهابية، وكانت البداية باستشهاد 16 جنديا من قوات حرس الحدود خلال إفطارهم بمقر نقطة الماسورة القريبة من الحدود المصرية مع الأراضى الفلسطينية المحتلة، والمقابلة لمنطقة معبر كرم أبو سالم بين مصر وإسرائيل جنوبى معبر رفح. وكانت محافظة الشرقية صاحبة النصيب الأكبر فى تلك المجزرة، حيث فَقَدَت 5 من أبنائها، وهم: المجند حمادة عيد أحمد عبد الرحمن، 22 سنة، مقيم بقرية عرب العيايدة التابعة إلى مركز بلبيس، والمجند محمد أحمد مهدى محمد، 21 سنة، مقيم بقرية سلمنت التابعة إلى مركز بلبيس، والمجند محمد رضا عبد الفتاح رمضان، 21 سنة، مقيم بقرية المحمدية التابعة إلى مركز منيا القمح، والمجند حمدى جمال محمود على، 21 سنة، مقيم بقرية شنيط الحرابوة التابعة إلى مركز كفر صقر، والمجند ثروت سليمان محمد رضوان، 21 سنة، مقيم بعزبة حنا بمنشأة أبو عمر التابعة إلى مركز الحسينية. طالب رضا عبد الفتاح، والد الشهيد محمد رضا عبد الفتاح، المشير عبد الفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، بالضرب بيدٍ من حديد ضد هؤلاء الإرهابيين الخونة، والقصاص لأبنائهم الذين قُتلوا فى شهر رمضان، ومحاكمة المسؤول عن هذه المجزرة، مشيرا إلى أنه على أتمّ استعداد أن يتقدَّم مع أبنائه للدفاع عن الوطن، مؤكدا أن نجله الشهيد «محمد» لم يكن مجرد نجله الأكبر، لكن كان شقيقه الصغير الذى يُعينه على الحياة فى تربية شقيقَيْه «عبد الفتاح وعبد العليم»، لافتا إلى أنه بعد استشهاد نجله لم يهتم بهم أحد من مسؤولى الدولة، موضحا أن المؤسسة العسكرية هى الجهة الوحيدة التى اهتمَّت وقامت بعمل معاش ثانوى للأسرة. وقال والد الشهيد إن المعزول محمد مرسى أكد لنا فى فترة حكمه أنهم سيعاملون كأسر الشهداء، وسيتم صرف تعويضات كبيرة، فضلا عن إعطائنا شققا، لكن كان مجرد كلام على ورق، مثل كلام باقى المسؤولين فى الدولة، وتابع: «كان مجرد كلام ليُخفى تورطه بما حدث لأبنائنا وقتلهم غدرا فى أثناء إفطارهم»، متهما المعزول بأنه كان على عِلم بالتصفيات الجماعية للجنود فى سيناء، لكنه لم يتحرك بسبب مصالحه هو وجماعته مع «حماس» وإسرائيل، مضيفا أن ثورة 30 يونيو كانت الأمل الوحيد للنجاة من بطش الإخوان وبدايةً لعودة حقوق الوطن والشهداء، مطالبا بتحويل اسم مدرسة المحمدية لمدرسة الشهيد محمد رضا، تخليدا لذكراه، وأن يتم معاملتنا كأسرة شهيد الواجب، كما تم التعامل مع أسر شهداء 25 يناير. من جانبه، قال مصطفى، شقيق الشهيد محمد أحمد مهدى، إن أى تعويضات لن تعوّض أهالى الشهداء عن فقدان فلذات أكبادهم، حيث إن منهم مَن كان يستعد لإتمام حفل خطوبته، ومنهم من كان عونا لأسرته، مطالبا بالقصاص للشهداء الذين قتلوا غدرا حتى ترتاح القلوب، كما طالب بإنشاء نصب تذكارى لأبناء المحافظة الشهداء.