وتعد «السراب» رواية سيكولوجية بامتياز، إذ إنها قائمة على منهج التحليل النفسى للشخصيات المعقدة، وقد أشار الأستاذ إلى أن شخصيتها الرئيسية مستمدة من شخصية واقعية، ولذلك تعرض الأستاذ للتهديد بالقتل، حين أبلغ البعض هذه الشخصية بما كتبه محفوظ عنها فى الرواية! على الرغم مما أحدثه المؤلف من إعادة تشكيل للأحداث والمواقف والشخصيات، لكن هذه الشخصية لا تقرأ روايات أصلا، ولم تقرأ هذه الرواية، لكنها اندفعت بطريقة جنونية مشابهة لما حدث بعد ذلك من اعتداء أحمق على الأستاذ ممن لم يقرأ أيا من رواياته على الإطلاق، إنه الشر الكامن فى نفوس عمياء البصيرة. أما رواية «بداية ونهاية» فلها حكاية مختلفة، فثمة أسرة فقيرة يتحايل أفرادها بكل الطرق على توفير أسباب الحياة، وقد عرف الأستاذ نجيب هذه الأسرة، وكانت بعض تصرفات أبنائها تدعو إلى الضحك والسخرية، ومن ثم فكر محفوظ فى كتابة رواية ساخرة، أو مضحكة تعبر عن تصرفاتهم العجيبة فى التحايل على مواجهة نفقات المعيشة. لكن عندما جلس الأستاذ للكتابة، وأخذ فى تأمل حياتهم الصعبة، ومعاناتهم الشديدة لتوفير أبسط ضروريات الحياة، تحول الموضوع فى داخله، من رواية مضحكة إلى رواية مبكية! فعملية الكتابة أخذته إلى عكس ما أراده فى البداية! وهذه الرواية تفصح بوضوح عن معاناة قطاع عريض من شعبنا المطحون تحت عجلات الفاقة والظلم والفساد والاستبداد. فثلاثية: الفقر والجهل والمرض، ما زالت مسيطرة على واقعنا حتى الآن. وإذا حدث -فى الرواية- سقوط أخلاقى لبعض الشخصيات المحورية، فثمة شخصيات أخرى تعد مثالا رائعا للفضيلة. وهذه وتلك تدعونا إلى العمل على تغيير واقع مصرى ظالم ومظلم، واقع يحطم طموحات البشر، بل ويسحقهم، فى حين أن مصر بموقعها وثرواتها وإمكاناتها وكوادرها البشرية تستحق واقعا أفضل بكثير مما نحن فيه. وثمة حكاية حكاها لى الأستاذ تخص هذه الرواية، فقد كان جالسا فى مكتب إحسان عبد القدوس، ثم حضر أنور السادات، بعد يوليو 52، وجلس السادات فوق مكتب إحسان! وتعرف إلى الأستاذ، وقال له إنه قرأ رواية: «بداية ونهاية»، واعترض السادات على نهاية الرواية، وقال لمحفوظ: «كيف تجعل حسنين ينتحر، هذا الضابط يمثلنا نحن؟!». وإذا وصلنا إلى «بين القصرين»، و«قصر الشوق»، و«السكرية»، فنحن أمام عمل محفوظ الأكبر، والثلاثية فى الأصل رواية واحدة، تم تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء، دون إجراء أى تعديل عليها. وهذا التقسيم حدث بسبب الناشر الذى اعترض على نشرها وهى بهذا الحجم، وعلق على ذلك بقوله لمحفوظ: «إيه الداهية دى!»، لكنه نشرها بعد أن حققت نجاحا كبيرا حين نشرت مسلسلة فى مجلة أصدرها يوسف السباعى فى الخمسينيات. ومن المفارقات المدهشة، أن هذا العمل الكبير ظل محبوسا أكثر من عام -كنسخة وحيدة- عند يوسف السباعى، حتى قرر نشرها مسلسلة، ولو حدث أنها فُقدت لما كان يمكن أن تعوض أبدا.