يُزايد بعض الإعلاميين على الخطاب الرسمى فى إطار «أنشودة حب الوطن»، بشكل يُحرجهم شخصيا، قبل أن يُحرج الجهاز التنفيذى للدولة، لأنه يوحى بالعودة إلى جَوْقة النفاق، ومن القضايا التى برزت مؤخرا «التبرع لبناء مصر»، والتى أخذت اهتماما إعلاميا كبيرا، استجابةً لمطلب الرئيس عندما كان مرشحا أن يلعب الإعلام دورا داعما لخطط الدولة، لكن يطرح التناول الإعلامى 5 مقولات غير منطقية وغير واقعية. المقولة الأولى أن التبرع لمصر أساسى لبنائها، هذه مقولة نصف صحيحة، التبرع وحده دون تغيير سياسات اقتصادية أو تحقيق الشفافية وخلق مناخ آمن للاستثمار المحلى والأجنبى والدفع بالإنتاج، لا يبنى اقتصادا قويا على المدى الطويل، التبرع وحده «مش هيشيل بلد»، حتى إن اتسق ذلك مع فكرة المنقذ المخلص لمصر، ويرتبط بهذه الفكرة المغلوطة المقولة الثانية المتعلقة بغياب الرقابة على الأموال أو شفافية المحاسبة، فإقبال الفرد على التبرع لا يرتبط بمستوى الدخل بالضرورة، بل بمستوى الثقة فى الجهة المتبرع لها، والدليل تنافس الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية على جود وكرم المصريين خلال شهر رمضان بالشخصيات المؤثرة أو الإنجازات لكسب ثقة الجمهور، لكن كثرة دعوات التبرع لمصر فى السنوات الثلاث الماضية دون أى إجراءات شفافة أو رسمية عن أوجه إنفاقها، سواء تلك التى ذهبت إلى الشيخ محمد حسان، أو التى ذهبت إلى حساب «306306»، تجعل البعض يتساءل عن حق «أين الأموال التى تبرَّعنا بها مسبقا؟ وأين ستذهب هذه الأموال إن تبرعنا؟». ثالثا: التبرع فى حدّ ذاته اختيارى، ولا يأتى بالتهديد أو بالإجبار، وإلا أصبح كالضريبة يتساوى فيها الجميع، يعنى مَن شاء أن يتبرع فليتبرَّع، ومَن شاء أن يحجم عن التبرع فهذا حقه أيضا، دون أن ينقص من وطنيته شىء، حتى إن كان مليونيرا، وليس مثلما توعدت إحدى المذيعات «المشاهدين الوحشين اللى مش هيتبرعوا» بالويل والثبور، خصوصا إن كانوا ميسورى الحال، وخطورة كلامها أنه يوقظ مشاعر الحقد الطبقى، ويستدعى صورا نمطية غير صحيحة، فالثراء لا يعنى عدم الانتماء إلى البلد، ولا يعنى أنك حرامى، مثلما الفقر لا يعنى عدم الانتماء إلى البلد، أما لوم سكان المدن الجديدة الراقية على نمط حياتهم فالأَوْلى أن يوجه إلى سياسات الدولة فى تخصيص وبيع الأراضى أو إهمال قطاع الإسكان المتوسط، وإهمال البنية التحتية لقلب المدينة فى السنوات السابقة. الفكرة الخامسة والأخيرة ترتبط بالمبالغة فى العاطفية والأداء الإعلامى الميلودرامى، كأنه سيسفر عن تبرعات أكثر، ما يؤدى إلى التساؤل: هل نحن عاطفيون حقا أم منافقون؟ حب الوطن مش «شحتفة» ولا يقاس بالبكاء، أراه يقاس بالتفانى فى العمل وخدمة المجتمع وفضح الفاسدين، أما لهواة السؤال عن حلول بديلة، أودّ أن أحيلهم إلى جهاز الدولة التنفيذى المسؤول عن الاقتصاد والتنمية. التبرع جميل لمن يريد، لكنه وحده ليس حلا.. ورمضان كريم.