رغم الإعلان المفاجئ عن توجّه الرئيس عبد الفتاح السيسى، إلى الجزائر فى زيارة ساعات، ورغم ما توحى به من أن ظرفًا طارئًا استدعى حدوث زيارة بهذه السرعة، فإن التصريحات الصادرة عن الجانبَين (المصرى والجزائرى) تؤكد أن تحت سطح الزيارة أشياء أهم كثيرًا مما سوف يُعلن عنه بعدها. تصريحات دبلوماسية.. وما خفى كان أعظم مؤسسة الرئاسة أعلنت عن الزيارة قبل ساعات من توجّه الرئيس السيسى إلى الجزائر، فقالت إنها تعكس العلاقات المتميّزة وروابط الأخوة التى تجمع بين البلدين والشعبين المصرى والجزائرى. المتحدث الرئاسى أكد أنه سيتم تبادل وجهات النظر إزاء عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. الرئاسة اكتفت بالإشارة إلى أن الزيارة سوف تكون فى طريق الرئيس إلى عاصمة غينيا الاستوائية «مالابو»، للمشاركة فى أعمال الدورة العادية الثالثة والعشرين لقمة الاتحاد الإفريقى التى تبدأ اليوم الخميس. السيسى وصل إلى مطار بومدين، وكان فى استقباله رئيس البرلمان الجزائرى العربى ولد خليفة، ثم توجّها إلى مقر إقامة الرئيس بوتفليقة فى زرالدة، لعقد المباحثات الثنائية. ليبيا والعراق.. أهم الموضوعات من جانبها كشفت الإدارة الجزائرية، بشكل أكثر مباشرة، عن بنود الاجتماع بكلمات واضحة، أكدت فيها، على لسان وزير خارجية الجزائر رمضان العمامرة، «فى الجزائر نرحب بفخامة الرئيس السيسى ونتطلّع إلى محادثات فى غاية الأهمية، وذات بُعد استراتيجى بين الرئيسَين، بالإضافة إلى دفع العلاقات الثنائية إلى مستوى أعلى من الفائدة المشتركة والمودة والأخوة والاحترام». وشرح الوزير الجزائرى بنود المباحثات، وأولها الوضع المتدهور فى ليبيا والعراق، قائلاً «ننسِّق مع الإخوة المصريين فى ما يتعلق بليبيا والأوضاع على الساحة العربية ككل، وفى ما يخص سوريا والعراق فلنا تحاليل متطابقة، ولدينا القدرة على العمل المشترك مع أشقائنا العرب من أجل تغيير الأوضاع». الصحف الجزائرية: الزيارة رسالة واضحة من القاهرة.. وإعلان نية لبعث علاقات متينة بين البلدين فى أول زيارة خارجية له منذ توليه المنصب، توجه الرئيس عبد الفتاح السيسى أمس الأربعاء إلى الجزائر فى زيارة تهدف إلى «ترقية علاقات الأخوة و التعاون القائمة بين البلدين والقضايا التى تخص الوضع القائم فى العالم العربى وإفريقيا»، بحسب بيان للرئاسة. اهتمت الصحافة الجزائرية بزيارة الرئيس، حيث اعتبرت صحيفة «النصر» أن الزيارة لها بعد دبلوماسى ورمزى، كونها أول زيارة خارجية له، خصوصا فى ظل وضع إقليمى وعربى متفجر. الصحيفة ذكرت أن اختيار الجزائر كأول محطة خارجية للسيسى يعتبر رسالة واضحة من القاهرة وإعلان نية لبعث علاقات متينة بين البلدين، بعد «الأضرار» التى لحقت بالعلاقات فى أواخر مرحلة حكم مبارك، موضحة أن الجزائر ومصر لهما نفس المخاطر جراء الوضع فى ليبيا، كما أن الجزائر التى عارضت التدخل الأجنبى فى دول عربية وحذرت من عواقبه أعلنت أكثر من مرة أنها ستعمل كل ما فى وسعها من أجل عودة الاستقرار إلى هذه البلدان. من جانبها قالت صحيفة «الخبر» الجزائرية فى عددها الصادر أمس الأربعاء إن اختيار الرئيس السيسى للجزائر كأول محطة له تؤكد سعيه لتقوية العلاقة مع أكبر دولة عربية وإفريقية والعمل على إقامة تحالفات لمواجهة التحديات الأمنية القائمة، خصوصا فى ليبيا حيث تتشابه الجزائر ومصر فى كونهما تملكان حدودا طويلة ليس من السهل مراقبتها. وأضافت الصحيفة أن مصر تعول كثيرا على دعم الجزائر، ليس فقط من أجل عودتها إلى الاتحاد الإفريقى، وإنما أيضا لإعادة بناء علاقاتها مع الدول العربية. وأشارت إلى أهمية ملف الغاز بالنسبة إلى مصر، فى الوقت الذى تواجه فيه مصر أزمة حادة فى الطاقة بسبب تراجع إنتاجها من الغاز وتوقف السلطات القطرية عن تزويدها به، مشيرة إلى أن مصر تعول على الجزائر فى تغطية احتياجاتها بالغاز، وهو ما قامت به الجزائر فى عديد من المرات بالنظر إلى العلاقة «الاستراتيجية» بين البلدين، وهو ما أكدته أيضا صحيفة «الشروق» الجزائرية. كما أشارت «الشروق» إلى أن مصر تولى اهتماما بالخوض فى مجال البناء والأشغال العمومية، بالإضافة إلى القطاع الزراعى وكذلك الصناعات الغذائية والمعلبة التى تصدر مصر منها نسبة إلى الجزائر، إضافة إلى الكهرباء والغاز وإنتاج الحديد والأسمدة والكيماويات وجوانب أخرى للتعاون البينى. وذكرت أن مصر كانت تمتلك أكبر استثمار عربى وإفريقى فى الجزائر فى 2009، حيث وصلت استثماراتها حينذاك إلى حدود 7 مليارات دولار ووجود 48 مؤسسة تجارية واقتصادية، واليوم توجد 16 إلى 17 مؤسسة مصرية بالجزائر. الجزائر أول زيارة خارجية للسيسي ومع ذلك فإن انطلاق الرئيس المصرى إلى الجزائر فى أول زيارة خارجية له، يعكس مدى التقارب المستهدف بين البلدين، خصوصًا أن القاصى والدانى يعلم أن الرئيس كان يحجز الزيارة الأولى للمملكة العربية السعودية. لكن بعد الزيارة الخاطفة للملك عبد الله إلى مصر، وتهنئة بوتفليقة للسيسى بفوزه بالمنصب، كأول زعيم ورئيس يفعل ذلك، وحتى قبل الإعلان الرسمى عن الفوز، يبدو أن الأمر تغيَّر. ملف ليبيا يعد الملف الشائك للبلدين، نظرًا لامتداد حدود مصر والجزائر مع ليبيا لأكثر من ألف كيلومتر، وتتشابه الحدود فى صعوبة مراقبتها، مما يجعل مراقبة الحدود ومكافحة الإرهاب ومواجهة العنف الدينى الذى للبلدين تجارب سابقه فيه، يجعله على رأس المباحثات. الملف الاقتصادى لن يغيب كما توقّعت صحيفة «الشروق» الجزائرية، خصوصًا فى ما يتعلق بالغاز، مستشهدة بما تواجهه مصر من أزمة حادة فى الطاقة، بسبب تراجع إنتاجها من الغاز وتوقف إمدادات الغاز القطرى، مشيرة إلى أن مصر تعول على الجزائر فى تغطية احتياجاتها بالغاز، وهو ما قامت به الجزائر فى عديد من المرات بالنظر إلى العلاقة الاستراتيجية بين البلدين. تشابه التجربتين فى مكافحة الإرهاب محور (الجزائر-مصر) يكتسب اهتمامًا خاصًّا من المراقبين بسبب تشابه الحالة المصرية والجزائرية فى نوعية التحديات التى تواجههما حاليًّا، مع خلفية مشتركة فى التعامل مع العنف الدينى مع تنامى ظاهرة الإرهاب فى البلدين، وفى بلاد الشمال الإفريقى، خصوصًا ليبيا التى تقطعها الميليشيات المسلحة وأنصار الشريعة. وبعد انهيار الجيش العراقى القديم والجديد وتشتت الجيش السورى تتطلع مصر للقوة الإقليمية السياسية والعسكرية المؤهلة للتعامل مع ملف الأزمة فى ليبيا كبداية لوقف التدهور العربى والخروج إلى صياغة تحالف عربى يضم الخليج ومصر والجزائر يتصدّى لاستهداف دول المنطقة وشعوبها سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا. تبقى الإشارة إلى تجهيز عدد من الاتفاقات فى ما يعرف بتحضيرات اللجنة العليا المشتركة والتى كشفها السفير المصرى بالجزائر لصحيفة «المحور اليومى» وبينها اتفاقيات تبادل ثقافى وتبادل المنح التعليمية، والمنح المقدمة من الأزهر أو بعثات الجزائر للأزهر، خصوصًا أن الرئيس بوتفليقة مهتم جدًّا بتوجه الطلبة الجزائريين إلى الأزهر من أجل الدراسات العليا والاتّجاه إلى الإفتاء، وأيضًا فى مجال التعاون الإعلامى والثقافى والاقتصادى والتعاون الضريبى والتعاون الملاحى. بوتفليقة يحلف اليمين محاربة الإرهاب.. على الجدول ثم يأتى تعاون البلدين لمحاربة الإرهاب على جدول مباحثات الرئيسين، إذ أكد العمامرة التزام الدولتين بالصكوك الدولية والعربية والإفريقية لمحاربة الإرهاب، إذ يتّجه البلدان لصياغة مواجهة الإرهاب وأن يعمل البلدان سويًّا أكثر من أى وقت مضى، من أجل حشد الطاقات الإفريقية وراء مكافحة الإرهاب، إذ يتّجه الاتحاد الإفريقى لعقد قمة لمجلس السلم والأمن الإفريقى تكرّس فقط لظاهرة الإرهاب ولاتخاذ إجراءات إضافية لمحاربة الإرهاب فى القارة الإفريقية، ودعم التعاون الدولى فى مكافحة الإرهاب. ووصف العمامرة العلاقات بين البلدين بأنها علاقات أخوة تاريخية وشراكة متينة، وأشار إلى تاريخ التعاون مع مصر، لبناء صرح التضامن والتعاون بين العالمَين العربى والإفريقى فى السبعينيات. تصريحات السفير المصرى بالجزائر عز الدين فهمى، سارت بالتناغم مع تصريحات العمامرة، إذ أشار بكل وضوح إلى التحديات التى تواجه دول جوار ليبيا، وتطورات الأوضاع فيها، بالإضافة إلى الأوضاع فى سوريا وفى بعض الدول الإفريقية، التى تعانى من تدهور، ومنها مالى. السفير المصرى أشار إلى أن لقاء الرئيسين الجزائرى والمصرى سيركز على كل هذه الأمور، إلى جانب استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين فى كل المجالات وسبل تعزيزها، خصوصًا فى المجال الاقتصادى، إذ سيتم التطرّق فى هذا الشأن إلى انعقاد اللجنة المصرية-الجزائرية المشتركة.