قد يبدو الموضوع خارج السياق السياسى، ومع ذلك يقع فى لب الثورة على الأوضاع الخاطئة فى المجتمع وعدم السكوت عليها، خوفا من النبذ الاجتماعى، قضية تمس قضايا مصر المزمنة: التعليم والضمير، خصوصا أن الامتحانات على الأبواب: تتناول حملة «بص فى ورقتك» قضية الغش فى المجتمع المصرى. «بص فى ورقتك»، حملة حقيقية لا مجرد إلكترونية، نشأت فكرتها فى عام 2008 على يد مجموعة من الأصدقاء، يعمل أغلبهم فى المجال التربوى فى المدارس والجامعات، تقابلوا فى ورشة عمل عن الإيجابية، واستقروا على ضرورة تنمية الأخلاق، لأنهم يشعرون بضيق شديد نتيجة الظلم الناتج عن انتشار الغش فى الامتحانات، بل والأدهى عدم استهجان الغش من أساسه، بل والتهكم على من يرفضه، خصوصا مع انتشار ظواهر الغش الجماعى وتشجيع أولياء الأمور أبناءهم الطلاب صراحة على الغش. قد يغيب عن الكثيرين أن الغش يقضى على الإحساس بالعدالة منذ الصغر، مما يساعد على تآكل الحس الأخلاقى، كما يضيع أجر من ذاكر، ويتساوى المجتهد بالكسول، بل والأدهى أنه يقضى على دافع التميز لدى المتفوقين، فالغش ليس فزلكة أو فهلوة بل فى النهاية سرقة لعلم يملكه شخص آخر لم يكن يملكه الطالب وقت الامتحان، قد تبدو الكلمة صادمة لكنها الحقيقة: الغش سرقة معنوية يأخذ بها الغشاش درجات ليست من حقه، وهذا ما تحاول حملة «بص فى ورقتك» نشره، من خلال تطبيق المتطوعين خبراتهم فى مجالات علم النفس والتسويق والتربية والتعليم من أجل التصدى للغش، ومع ذلك قد يحاول بعض الطلاب تبرير ذلك بقولهم إن الصداقة تحتم التعاون، وأنه شخصيا لا يمانع أن يساعد صاحبه، متناسيا حقيقتين: أولاهما أن الغش يظلم الآخرين، لأنه يساوى الجهد الفردى بالجهد الجماعى، وثانيتهما أنه يظلم ذاته، لأنه يأخذ نتيجة أعلى مما يستحقها بما لا يساعده على تقويم أى اعوجاج فى أدائه الدراسى، وربما مفاجأته بتعثر أكبر لاحقا، وتؤكد ميسرة الليثى إحدى مؤسسى ومتطوعة فى الحملة، أنهم لا يهدفون إلى تغيير السلوك فى حد ذاته، بل تقييم ورفع مستوى الوعى من خلال إحداث مواجهة مع النفس من خلال توجيه أسئلة عن تقييم الطالب للتجاوزات التى صارت عادية فى لجنة الامتحان، فوفقا لعلم النفس يتحقق الانتباه بالمشاركة الذهنية من خلال اشتباك الطلاب مع الاستبيان، وتضيف ميسرة «نحن لا نحاول إقناعهم بالصواب، بل نقدم رؤية أخلاقية بديلة عن السائد من خلال النقاش، ليفكر كل طالب بعدها فى الموضوع». فأن يقوم الإنسان بالغش، وهو يعلم أنه خطأ، شىء وارد الحدوث ويمكن مواجهته بالحزم والعدل، أما عدم إدراك أن كلا من الغش والتغشيش خطآن، فهذه مشكلة بحد ذاتها، وهذا ما نريد أن يعرفه الطلاب، فحملة «بص فى ورقتك» قامت فى الأساس من أجل تعميق الوعى بأن الغش فى الامتحانات ليس سلوكا عاديا أو صحيحا، وأنه لا ينم عن تعاون بل عن خلل فى منظومة التعليم بأكملها، ويؤكد فريق «بص فى ورقتك» أنهم ليسوا ضد قيمة التعاون، لكن التعاون ينتهى بمجرد دخول الامتحان. تجد متطوعى الحملة فى أماكن تجمعات الطلاب من الطبقة الوسطى، فى النوادى والحرم الجامعى والمدارس وساقية الصاوى أو حفلات حمزة نمرة، يوزعون استبيانات على الطلاب، ثم يعقبها فشار أو قلم رصاص أو مَج، تقديرا لوقت من أمضى معهم بضع دقائق لملء الاستمارة، قاموا حتى الآن بملء أكثر من خمسة عشر ألف استبيان، تشكل ردود الأفعال نوعا من الكوميديا السوداء، هناك من يرى أن الغش عادى «فكله بيعمل كده»، ويدلل الطلاب على صحة مواقفهم بمشاهد من الفن، مثل مدرسة المشاغبين، قد يرى البعض الآخر أن هذا الموضوع ثقيل الظل وأن الدعوة لعدم التغشيش أو الغش حث على «الندالة» على اعتبار أن الغش به نوع من الإيثار، أما المصيبة فإن البعض يقوم بتحريف المفاهيم الإسلامية، للتدليل زورا على صحة موقفه فى التغشيش، فهكذا رد أحد الطلاب على سائليه قائلا: «أليس التغشيش صدقة جارية؟ ألم يوصنا الدين بالتصدق بالعلم؟»، هكذا بمنتهى الانتهازية يتم تشويه السياق الدينى للقرآن والسنة فى دولة يرى شعبها أنه متدين منذ فجر التاريخ، كذلك أسفرت النتائج عن تفصيلة مثيرة للانتباه، إذ ترى الغالبية أن أخذ المعلومة ضد إرادة صاحبها أو دون علمه غش، أما إن قام الزميل بالتغشيش طواعية، فالموضوع ليس غشا بل مساعدة، بمعنى آخر يرتبط تقييم الغش بموافقة الزميل لا بمعايير ثابتة، وهو دليل إضافى على انتقائية القيم الأخلاقية فى الضمير المصرى. على الجانب الآخر تلقى الحملة ترحيبا شديدا ممن ما زالوا يؤمنون بقيمة العلم والعدالة، فإحدى أكثر العبارات تكرارا «كنتو فين من زمان؟ كنت أعتقد أننى وحدى»، يسمعها متطوعو «بص فى ورقتك» من شباب وكبار فقدوا الأمل فى وجود من هم من فصيلتهم، بعد أن دأبت الدراما والسينما على إطلاق لقب أندال أو دحّاحين عليهم، هذه الفئة تريد أن تشعر أنها طبيعية لا مجنونة أو منقرضة، فإن كنت من هؤلاء وتريد أن تعرف المزيد عن الحملة أو نتائج الاستبيانات، أو أردت الانضمام إليها، يمكنك أن تبحث عن الحملة على الفيسبوك.