رئيس الوزراء العراقى ليس قادرًا أو راغبًا فى إنقاذ بلاده.. والإدارة خدعت نفسها واشنطن تواصل متابعتها للأوضاع فى العراق وتقوم بتحريك حاملة طائرات لها إلى الخليج. ولم يتوقف الحديث عن احتمالات «انزلاق» العراق لحرب طائفية، وأيضا عن تدخلات ومصادمات إقليمية تتجاوز الأراضى العراقية إلى دول مجاورة. وإن كانت الإدارة بشكل عام التزمت بالصمت طوال أول من أمس السبت، ولم تصدر أى تصريحات أو بيانات إلا بيان البنتاجون عن تحرّك حاملة الطائرات، وبيان الخارجية عن اتصال هاتفى أجراه جون كيرى وزير الخارجية مع نظيره العراقى هوشيار زيبارى. كما لم يتوقف الحديث والجدل عن تبعات ما يحدث فى العراق. وهل لدول الجوار وتحديدا إيران وتركيا والسعودية دور ما لاحتواء الموقف.. أو ربما لإشعاله أكثر فأكثر. خصوصا أن هذه الأطراف لعبت دورا من قبل، وأيضا لها مصلحة ما فى المستقبل فى أثناء إعادة ترتيبات وتوازنات القوى فى العراق وبالتالى المنطقة. ولم يتردد أغلب المعلقين العسكريين أثناء تناولهم ل«انتصارات» «داعش» الأخيرة فى التعبير عن «صدمتهم» و«ذهولهم» تجاه ما حدث من انتشار سريع وواسع لميليشيات «داعش» وسقوط متتال للمدن العراقية الكبرى بدءا من الموصل. خصوصا إذا أخذنا فى الاعتبار هذا التراجع أو الهروب الذى لجأت إليه القوات العراقية (والتى يقدر عددها بأكثر من 200 ألف) أمام زحف وانتشار «داعش» بأفراد لا يزيد عددهم على أربعة آلاف مقاتل. وأمام هذه الصدمة حرص بعض المعلقين على التذكير بأن الولاياتالمتحدة صرفت نحو 25 مليار دولار على مدى السنوات الماضية من أجل تسليح القوات العراقية وتدريب أفرادها. من جانب آخر، وبما أن أفراد «داعش» استولوا على أموال البنك المركزى فى الموصل والتى تقدر ب425 مليون دولار، ذكر بعض المحللين لشؤون الإرهاب أن «داعش» بهذه الأموال تصبح أغنى مجموعة أو منظمة إرهابية فى العالم. ولا شك أن توافر هذه الأموال يعطى المجال لجلب مزيد من المجاهدين وانضمامهم للحرب التى تخوضها «داعش» ومن معها. وفى أثناء الحديث عن تداعيات الأوضاع المتدهورة فى العراق يثار دائما موضوع الشرق الأوسط الجديد أو بتحديد أدق «نهاية الشرق الأوسط القديم». وأشار إلى ذلك ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية. خصوصا أن البعض يتنبأ أو يحذر من «تفكك» أو «انقسام» كل من سورياوالعراق. وما قد يمثله من نهاية ل«شرق أوسط» قد تم تحديده منذ قرن (100 عام). هكذا تطرق إلى الأمر الكاتب الشهير توماس فريدمان. إلا أن التحذير الأكبر لأوباما وانتقاده أيضا جاء فى ما قاله أغلب المراقبين.. إذا كانت الإدارة تظن أو تعتقد أنها يمكن أن تعتمد على نورى المالكى لإنقاذ العراق، نستطيع القول من الآن أن العراق ضاع، فالمالكى ليس قادرا وليس راغبا على فعل ذلك، وربما يمكن القول أيضا أن الإدارة خدعت نفسها بأن ما كانت تتصوره، وما كانت تتوهمه كان سرابا ورهانا خاسرا عليها أن تدفع ثمنه الآن. وقد لزم أغلب «صقور أمريكا» وخصوصا «المحافظين الجدد» الصمت تجاه ما يحدث فى العراق، خصوصا إذا تطرق الأمر إلى الغزو الأمريكى للعراق، وتفكيك الدولة والجيش وانهيار المؤسسات العراقية. وإذا تحدثوا انتقدوا أوباما لأنه لم يستكمل ما بدأ بوش فى تحقيقه، ولم يترك أوباما بعضا من القوات الأمريكية لحماية أمن واستقرار العراق. إلا أن أحد دعاة غزو العراق والمبررين له ومن مستشارى الرئيس بوش الأكاديمى فؤاد عجمى وفى مقال له ب«وول ستريت جورنال» انتقد أوباما وموقفه من المالكى ذاكرا: «بينما كان يتوجه للخروج من العراق فى ديسمبر 2011 وصف السيد أوباما السيد المالكى كالآتى: «الزعيم المنتخب للعراق ذو السيادة والمعتمد على نفسه والديمقراطى». وقد يظن المرء أن أوباما يعرف أفضل. ورئيس الوزراء العراقى أظهر بالفعل ميوله الاستبدادية الملحوظة، ويوجد كثير من القلق تجاهه وسط السنيين والأكراد. وتلك المجتمعات تعرف رجلها، بينما اختار أوباما أن ينظر فى الاتجاه الآخر. واليوم مع عدم استعداده لاستخدام القوة العسكرية الأمريكية من أجل إنقاذ أطفال سوريا أو حتى لسحب العراق من حافة حرب أهلية فإن الزعيم السابق للعالم الحر يختار مرة أخرى أن ينظر فى الاتجاه الآخر». فى المقابل يرى أنصار أوباما أنه عليه «أن يتفادى» و«ألا يقع» بفخ العراق. ولكن إذا قرر أوباما أن يؤكد قرار بوش الكارثى بغزو العراق، وذلك عن طريق توجيه ضربات جوية فإن العراق سيصبح حرب باراك أوباما. والمعروف أن أوباما عارض قرار غزو العراق عندما كان «سناتور» عن ولاية إلينوى فى مجلس الشيوخ. كما أن هذا الأمر ذاته قد استخدم فى مهاجمة وانتقاد منافسته المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون فى سباق الانتخابات الرئاسية، وبالتالى ترجيح كفة أوباما، لأن هيلارى لم تعارض وهى عضو فى مجلس الشيوخ قرار غزو العراق، ولم تعترض عليه فى ما بعد. الحديث عن عراق المستقبل لن يتوقف.. والأمر كذلك عن شرق أوسط المستقبل!!