هذا تحذير واجب وضرورى، فالخطورة قائمة وقادمة، ربما أبدو مفرطا فى التشاؤم، لكن التجربة علمتنا أن لا نترك شيئا للصدفة، حتى لا نفاجأ بالكارثة، ووقتها لن ينفع الندم، ولا البكاء على اللبن المسكوب، والخطورة تأتى من مادتين فى الدستور هما «121» الخاصة بإصدار القوانين من مجلس النواب، والمادة «156»، التى تحدد مصير القوانين التى يصدرها رئيس الجمهورية فى غيبة البرلمان. وتنص الأولى على «... وتصدر الموافقة على القوانين بالأغلبية المطلقة للحاضرين، وبما لا يقل عن ثلث عدد الأعضاء، كما تصدر القوانين المكملة للدستور بموافقة ثلثى عدد أعضاء المجلس، وتعد القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية والأحزاب السياسية والسلطة القضائية والمتعلقة بالجهات والهيئات القضائية والمنظمة للحقوق والحريات الواردة فى الدستور مكملة له«. وتنص الثانية على «... وإذا كان المجلس غير قائم يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوما من انعقاد المجلس الجديد فإذا لم تعرض وتناقش أو عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب عليها من آثار». لكن ما أوجه الخطورة فى هاتين المادتين؟ المادة «156» توضح أن أى قوانين يصدرها الرئيس فى غيبة البرلمان لا بد من عرضها على البرلمان خلال خمسة عشر يوما من انتخابه، وإلا أصبح باطلا، وإذا ناقشها ولم يقرها تصبح أيضا باطلة، وبأثر رجعى، أى أن كل ما ترتب عليها يصبح باطلا، وهو والعدم سواء «والخطورة هنا بالنسبة للانتخابات الرئاسة فى كلمة بأثر رجعى». وتكشف المادة «122» أن الموافقة على القوانين المكملة للدستور تشترط موافقة ثلثى عدد النواب «لاحظ أن عدد النواب بأكملهم وليس ثلثى الحضور»، وتضع المادة قانون انتخابات الرئاسة ضمن القوانين المكملة للدستور، ما يعنى أن القانون الذى انتخب من خلاله السيسى لا بد أن يعرض على مجلس النواب القادم خلال خمسة عشر يوما من انعقاده، وأن يحظى بقبول ثلثى عدد النواب، أى أن رفض ثلث الأعضاء يبطله، والأخطر أن يتم إلغاء ما ترتب عليه بأثر رجعى، ما يعنى أن عدم الموافقة على هذا القانون يبطل الانتخابات، ويجعلها منعدمة، لقد لفت نظرى إلى خطورة هاتين المادتين المحامى البارع ممدوح تمام، عضو مجلس نقابة المحامين السابق، وعندما سألت الفقيه الدستورى الكبير د.نور فرحات، أكد الخطورة أيضا، وقال إن واضعى القوانين لم ينتبهوا إلى هذا الأمر، الذى تكشف بعد تغيير خارطة الطريق وإجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، وكان يجب على المشرع الالتفات إلى هذا الأمر، وإيجاد حل له فى صياغة الدستور، أو قانون انتخابات الرئاسة، لكن ما الذى يقلق فى هاتين المادتين اللتين وضعتا من أجل تحجيم سلطة الرئيس فى إصدار قرارات بقوانين فى غيبة البرلمان؟ القلق يأتى من الوضع السياسى الآن وضعف الأحزاب المدنية سواء الليبرالية أو اليسارية، الذى قد يؤدى إلى حصول تيارات مرتبطة بالإخوان على مقاعد تزيد على الثلث مما يجعلها قادرة على عرقلة إصدار القوانين المهمة المكملة للدستور، ومن بينها قانون انتخابات رئاسة الجمهورية، ولنا أن نتخيل الموقف بعد تولى السيسى رئاسة الجمهورية واعتراف العالم به رئيسا شرعيا، ورفع الحماية عن الإخوان خارجيا، بجانب الضربات القوية التى أضعفت الجماعة فى الداخل، فماذا يبقى أمام الإخوان إلا محاولة عرقلة السيسى من داخل النظام، وإعادة البلد إلى الفوضى مرة أخرى؟ ومن هنا أتوقع دخولهم انتخابات مجلس النواب من خلال أعضاء غير معروفين أو متعاطفين معهم، وقد يستخدمون فى سبيل هذا الهدف أحزاب «مصر القوية» بقيادة عبد المنعم أبو الفتوح، و«البناء والتنمية» التابع للجماعات الإسلامية، و«الأصالة» السلفى، وستسعى الجماعة وحلفاؤها من السلفيين من غير المنتمين إلى حزب النور، وهم الجناح السلفى الأقوى والأكثر شعبية للحصول على أكثر من ثلث عدد المقاعد، ولو بمقعد واحد، ويساعدهم فى ذلك قانون الانتخابات البرلمانية الذى يجعل القائمة مطلقة، وليست نسبية، أى نجاح القائمة التى تحصل على 51% فى الفوز بمقاعد القائمة بأكملها، وفى ظل تشرذم القوى السياسية المدنية فإن فرص الإخوان أو من سيدفعون بهم فى الفوز تزداد سواء فى القوائم أو المقاعد الفردية، خصوصا إذا تنافس عدد كبير من مؤيدى 30 يونيو على مقعد واحد فى مواجهة خصم مرتبط بالإخوان، مما يشتت الأصوات لصالح الأخير، وإذا تم للجماعة هذا المخطط، فإن أول شىء ستفعله هو رفض قانون الانتخابات الرئاسية، وما ترتب عليه من آثار، وهو ما يبطل الانتخابات التى جرت، ويعيدنا إلى نقطة الصفر، فهل هناك أخطر من هذا السيناريو. إننى أحذر، وقد أكون مفرطا فى التخوف والتشاؤم، لكن يجب أن نأخذ العبرة من انتصارات حققتها الجماعة بسبب الانقسام والمنافسة بين قوى من المفترض أن تتحد لكى نعبر أزماتنا وننتصر فى حربنا، ليس أمامنا الآن إلا الاتحاد، وأن نترفع عن المصالح الصغيرة، وإلا فلنقل على الدنيا وبلدنا والمستقبل الذى نتمناه.. السلام.