من أول جلسة فى محاكمته والرئيس المخلوع حسنى مبارك يتمارض.. ويدخل إلى المحكمة وقفصها وهو نائم على سرير طبى.. يلعب فى «مناخيره» مرة.. ومرة أخرى يضع يده على رأسه. يحاول أن يجعل المحكمة هزلية.. وذلك فى سيناريو وضعه محاموه ومستشاروه الذين ما زالوا يعملون من خلف ستار لاستجلاب العطف له، فيتحول الأمر إلى التندر والتريقة عليه. لا أعرف كيف لرجل كان يتخيل أنه يملك الدنيا ينام مذلولا مدعيا المرض على سرير فى مواجهة خصومه، ويرضى أن يكون على هذا الشكل وهو الذى كان ديكتاتورا مستبدا لم يترك أحدا ممّن عملوا معه إلا احتقره أو سبه؟! ها هو الآن متمارض يدعى المرض بعد أن كشفته ثورة 25 يناير وفضحته أمام الجميع.. وأمام الذين كان يخدعهم وتخيل أنه سيظل على كرسى الحكم حتى آخر نفس.. وأنه كان سيورث ابنه الحكم فيجده جاره فى قفص المحاكمة. هذا الرجل المريض أو «المتمارض» هو الذى أدخل الكثير من الأمراض إلى البلاد.. فقد زاد فى عهده مرض السرطان، ومرض الفشل الكلوى، وأمراض أخرى، نتيجة سماحه باستيراد المبيدات المسرطنة.. وأهمل علاج المواطنين، فلم يعد أحد قادرا على دفع مصروفات علاجه بعد أن نشرت سياساته أخلاقيات جديدة فى عالم العلاج.. من الجشع وعدم الإنسانية. هذا الرجل «المتمارض» هو الذى أفسد الحياة السياسية عبر ثلاثين عاما من حكمه المستبد.. وأطلق علينا وعّاظه للتبشير به.. والاستفادة منه ماليا وماديا.. وتولى مناصب مهمة فى حكوماته. هو الذى سهل لأصهاره وأقاربه وأصدقائه ورجال أعماله الاستيلاء على أراضى الدولة وأراضى الأجيال القادمة بتراب الفلوس، ليعيدوا تدويرها والبناء عليها -بموافقة مسؤولين الآن فى السلطة- فيلات ومنتجعات وبيعها بملايين الجنيهات، مع منح هدايا له ولأسرته والعصابة التى كانت تشاركه حكم البلاد. هذا الرجل «المتمارض» هو الذى زوّر الانتخابات بمساعدة رجال قانون، بعضهم ما زال موجودا حتى الآن، وقريبا من الذين يديرون ويحكمون البلاد، لإبقائه على السلطة هو وحزبه الفاسد الساقط ويتحكمون فى مصير العباد. هذا الرجل «المتمارض» هو الذى أحال المدنيين إلى محاكم عسكرية ليرثها من بعده العسكر الذين طمعوا فى السلطة بعد الثورة. هذا الرجل «المتمارض» هو الذى حكم البلاد بالطوارئ ليرثها أيضا جنرالات معاشات العسكرى، ويصرون على بقائه على الرغم من أنه كان من أول أهداف ثورة 25 يناير والتى يصفها دائما العسكر فى بياناتهم. هذا الرجل «المتمارض» هو الذى أهان مصر وأهان شعبها وأهان دورها.. وجعل مصر فى أسفل قوائم الدول فى جميع المجالات. هذا الرجل «المتمارض» الذى كان مريضا فى أثناء حكمه، ولم يكن يريد هو وعصابته من أبنائه وزوجته ورجاله فى القصر الرئاسى وخارجه الكشف عن طبيعة مرضه! هذا الرجل «المتمارض» الذى نهب أموال البلاد بالمليارات هو وأبناؤه وصديقه حسين سالم، وهرّبوها إلى الخارج، ليستثمروها فى دول أخرى.. والمصريون هنا يعيشون على الكفاف. هذا الرجل «المتمارض» الذى باع الغاز المصرى لإسرائيل بأرخص الأسعار، على حساب حقوق المصريين وأجيالهم القادمة. هذا الرجل «المتمارض» الذى قامت ثورة 25 يناير العظيمة ضده وضد استبداده وفساده.. وعصابته التى حكمت البلاد، وصادرت فيها حقوق المواطنين. هذا الرجل «المتمارض» الذى قامت الثورة من أجل تغييره مع عصابته التى حكمت، لكن ما زال تأثيره قائما على الذين يديرون ويحكمون البلاد. هذا الرجل «المتمارض» الذى يقيم فى مستشفى فخم على حساب الشعب ويعالج على حسابه، وينتقل فى زفة كبيرة إلى المحاكمة من هليكوبتر وسيارات الإسعاف وحراسة كبيرة على حساب الشعب، هو الذى نهب أموال الشعب وأفسد حياته عبر ثلاثين سنة. هذا الرجل «المتمارض» هل يظل يضحك علينا كما كان يفعل عبر ثلاثين عاما ويتركه رئيس المحكمة فى مسرحيته الهزلية التى أصبحت مكشوفة الآن للجميع؟! يا سيادة المستشار رئيس المحكمة، أحمد رفعت فهمى، إن حسنى مبارك يتمارض، فهل تتركه يستمر فى ادعائه وفى تمثيله أم تأتى بلجنة طبية مستقلة لتحديد موقفه والكشف عن حالته المرضية، بعيدا عن المجاملات التى ما زال يحصل عليها الرئيس المخلوع (!!).