«حمدين لا يصلح لإدارة دولة.. حمدين يصلح فقط لإدارة مظاهرة، حمدين حالم غير واقعى.. حمدين سيخسر، لماذا تصوت لمرشح خاسر؟». هذه انطباعات رائجة حول مرشح رئاسى من اثنين فقط يخوضان هذا السباق، تسمعها من أناس كثيرين فى الشارع، وفى التليفزيون، لكنك تتوقف كثيرًا عندما تسمعها من أشخاص كانوا فى طليعة مؤيدى صباحى ومروجيه فى الانتخابات الماضية! ■ ■ ■ فى الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الماضية 2012، كان التنوع حاضرًا، ومساحة الاختيار واسعة أمام المصريين، والبدائل متاحة بين التوجهات والأفكار المختلفة، لم تظهر فكرة «عَصْر الليمون» إلا بعد أن ضاق هذا التنوع واقتصر السباق على إعادة عجلة الصراع السياسى إلى الثنائية الأولى مرسى «الإخوان» وشفيق «نظام مبارك». لم يكن هناك وجود ولا حاجة إلى عصر الليمون فى الجولة الأولى، من انتخبوا «مرسى» كانوا مقتنعين به تمامًا أو مقتنعين بتنظيمه، أو عندهم ظن أنهم «بتوع ربنا»، ومن انتخبوا «شفيق» أرادوا استعادة الدولة بصيغتها الأولى «أمن وأمور ماشية حتى لو فيه فساد واستبداد»، والذين انتخبوا حمدين صباحى، تعاملوا معه باعتباره البديل الثالث الذى يعبر عن المشروع الذى حاولت الثورة بناءه، ولم يكن أحد فيهم فى حاجة إلى أن يعصر ليمونًا على حمدين، لأن البدائل كانت قائمة، وإلى جانب هؤلاء، كانت وجوه أخرى تعبر عن أفكار الثورة والإسلام السياسى واليسار مطروحة بشكل لا يسمح لأحد بأن يدعى أنه كان مجبرًا على انتخاب أحد لأى عوامل. ■ ■ ■ من حقك أن تتخذ من حمدين صباحى الموقف الذى تريده، فى الانتخابات الماضية حصل على قرابة خمسة ملايين صوت، لكن هناك ما يزيد على خمسة عشر مليونًا من إجمالى المصوتين لم ينتخبوه، والذين لم ينتخبوه واقتنعوا منذ 2012 وحتى الآن أنه لا يصلح لإدارة دولة، لا تملك إلا أن تحترمهم وتحترم قناعاتهم وخياراتهم. نحن هنا نتحدث عمَّن انتخبوه بحرية من بين 13 مرشحًا ودون أى حاجة لعصر ليمون، وأيضًا فى ظل مناخ كان يعتبر معركته محسومة بخسارة كبيرة، وترتيب متأخر جدًّا فى السباق. انتخب قرابة خمسة ملايين مصرى حمدين صباحى، ومن بين هؤلاء نخبة دعمت حمدين وروجت له، وخاضت معه الجدل والمعركة والتناظر، وكتبت الأعمدة الصحفية لترويجه وإظهار قدراته وملاءمته للموقع الرفيع، والرد على من يتحدث عن عدم صلاحيته لإدارة دولة، وغيرها من انطباعات واتهامات. من بين هؤلاء بقى بعضهم على حماسته وقناعته بصلاحية حمدين، وتمسكوا بثبات حاسم على تصوراتهم. وبينهم أيضًا بعض ممن اختار تأييد المرشح عبد الفتاح السيسى، وظل خطابهم يؤكد أهلية حمدين وجدارته وصلاحيته لإدارة الدولة، لكنهم وجدوا أمامهم اختيارًا آخر يعتبرونه «أصلح وأجدر وأنسب»، دون أن يكون فى هذا الانحياز الجديد أى طعن مباشر فى اختيارهم القديم الذى ما زالت مقومات تأييده السابق قائمة. لكن كيف يمكن التعامل مع مَن ما زلتَ تذكره مؤيدًا لحمدين ومدافعًا عنه، ومروجًا له، يلتحق بكتل تأييد السيسى، ويهيل التراب على حمدين بذات الاتهامات والانتقادات التى كان يدافع عنها ويبررها ويجتهد فى دحضها قبل عامين فقط؟! بعض ممن كان يحاول إقناع المصريين فى 2012 أن حمدين قادر على إدارة الدولة، يتحدث جهارًا نهارًا الآن عن عدم صلاحيته إلا لإدارة مظاهرة، دون أن يخبرنا، هل راجع مواقفه وقناعاته مثلًا ووصل إلى هذه النتيجة، وبالتالى عليه أن يعلن مراجعاته تلك بشفافية وشجاعة حتى نعرف ما الذى حوّل الرجل من «يصلح» إلى «لا يصلح» فى عامين فقط؟ كيف بنى مراجعته واختبرها؟ أو أن يعترف بأنه كان يكذب على الناس حين كان يروج لهم حمدين كرئيس قادر على إدارة البلاد، وهو يعلم أنه لا يصلح؟ التحولات حق أصحابها، لكن حقك أن تفهم أسبابها، ليس من حق أولئك الحمدينيين السابقين والحمدينيات، الذين كذبوا عليك وقالوا قبل عامين إن «حمدين» يصلح، أن يفلتوا بكذبتهم