فى أغسطس عام 2003 نشرت صحيفة «نيزافيسيمايا جازيتا» الروسية مقالًا مهمًّا للباحث والمفكر ألكسى مالاشينكو تحت عنوان «عندما يقيمون تمثالًا ل(بن لادن): لو لم يكن هناك إرهاب لاخترعوه».. الباحث الروسى وجّه سؤالًا: لماذا يبدى الجميع اهتمامهم هكذا بالإرهاب؟ وحاول الإجابة عنه بالابتعاد عن ظاهرة الإرهاب نفسها، ونظر بواقعية إلى بعض آثاره التى كانت إيجابية للغاية لبعض الدول والسياسيين معًا. وأحصى 10 تداعيات: أولا: الإرهاب دفع روسيا والغرب إلى أحضان بعضهما البعض، بل واعترفوا بها كدولة اقتصاد سوق، وأصبحوا يثقون بها فى تنفيذ مهام خطيرة، منها على سبيل المثال الوساطة فى النزاع الهندى - الباكستانى. وأصبحت الانتقادات بشأن الشيشان أقل حدة. ثانيا: الإرهاب العالمى هو عبارة عن هدية لحلف الناتو تقود حتمًا إلى تمديد وجوده التاريخى، إذ أوجد للحلف فرصة عمل جديدة، إضافة إلى النشاط المتعلق بقبول أعضاء جدد. ثالثا: حصلت الولاياتالمتحدة على فرصة القيام بدور القوة الوحيدة، والوحيدة فقط فى العالم بعد أن أفهمت الجميع مَنْ مِنْ حقه معاقبة مَنْ بدون أى استناد إلى أى قوانين. رابعا: وصل الأمريكيون، أخيرًا، إلى المجال السوفييتى السابق، ليس فقط إلى آسيا الوسطى، وإنما أيضا إلى القوقاز. من آسيا الوسطى أصبحت الولاياتالمتحدة قاب قوسين أو أدنى من الحدود الغربية المباشرة للصين، وهو ما كان يمكن أن يحلم به الأمريكيون فقط فى السابق. خامسا: أثبت بوش الابن أنه شخص جاد، ولم يكن اختياره رئيسًا للولايات المتحدة مجرد مصادفة. وعلى الرغم من ذلك فالرئيس بوش اتخذ قرارًا بتشكيل هيئات خاصة جديدة لمكافحة الإرهاب. وبذلك يكون قد وفر عددًا هائلًا من فرص العمل عالية الأجر. سادسا: الصفوة الحاكمة فى آسيا الوسطى فى حالة رضا تام. وذلك لأسباب، أهمها أنهم وجدوا أنفسهم تحت حماية الغرب العسكرية، ولا يمكن لأى أصوليين الوصول إليهم، ووعدهم الغرب بمساعدات مالية ضخمة من أجل إعادة إصلاح اقتصادهم. ومع ذلك فالمبالغ التى لم تدفع بعد تتقلص يوميا. ومن الممكن أن لا تبقى الحماية العسكرية أبد الدهر. وعلى الرغم من ذلك، فهم فى حالة رضا تام، لأن موضوع «حقوق الإنسان» المقلق تلاشى تلقائيا، وأصبح لا يزعج أحدًا، أو يسبب أى مشكلات فى علاقتهم بالغرب. سابعا: الإرهاب ومكافحته فتحا الباب على مصراعيه أمام الولاياتالمتحدة للوصول إلى جورجيا. وهناك أوامر بالبدء فى تشكيل جيش جورجى معين وبمواصفات مغايرة. ثامنا: حصلت الهند على إمكانية لتأسيس مواجهاتها مع باكستان ليس فقط على أسس قومية خاصة، وإنما تمكنت من وضع النزاع الحالى على قائمة مكافحة المتطرفين الإسلاميين. تاسعا: عدد غير قليل من الناس يشعر بفخر خاص ب«بن لادن». فهو وأصحابه عاقبوا أمريكا نفسها، ومعنى ذلك أن الأمور لم تنته بعد. ويزعمون أيضا أن أمريكا لن تستطيع إرغامهم على ما لا يريدونه، أو حتى ما يتصنعون أنه لا يريدونه. عاشرًا: فتح الإرهاب أبواب المستقبل أمام العديد من السياسيين، وغير السياسيين، ورجال الدين الذين نجحوا فى استثماره للتقرب من السلطة، بل وأصبحت المكافحة الكلامية للإرهاب وظيفة مربحة جدًّا. من الواضح أن عجلات عربة السياسة الدولية المتهالكة، وبعض السياسات القومية، كانت فى حاجة ماسة وعاجلة إلى «زيت» إضافى. والسؤال المطروح هنا: ماذا كان من الممكن أن يحدث بدون أحداث 11 سبتمبر؟! بعد 5 سنوات وقعت الأحداث الجورجية. وبعدها ب8 سنوات وقعت أحداث الشرق الأوسط (الجارية إلى الآن). وحاليا تدور أحداث سوريا وأوكرانيا وليبيا وأفغانستان والعراق. وأصبح الإرهاب أداة، لا لضرب الدول فقط، بل ولضرب جوهر وحقيقة وجود الأفراد.